فلسطينيات.. رائدات يحتذى بهن
البعث الأسبوعية- أمينة عباس
يزخر تاريخ فلسطين بالنساء اللاتي تركن بصمات راسخة في الذاكرة الفلسطينية، فكنّ رائدات تسلحن بالإرادة وتركن خلفهن بصمات واضحة ونجحن في تخطي العديد من الحواجز ليخلدن حضوراً ودوراً ريادياً واضحاً في الإبداع والنضال، ليكنّ نموذجاً يحتذى به في جميع المجالات ومدرسة من مدارس النضال الوطني الفلسطيني والانتماء للقضية والأرض.
كريمة عبود.. أول مصورة
ولِدت كريمة عبود في الناصرة عام1894وتُعد أول مصورة فلسطينية، وهي تنحدر من عائلة ذات جذور لبنانية نزحت إلى الناصرة في أواسط القرن التاسع عشر، وبعد إنهاء دارستها تعلمت حرفة التصوير لدى أحد المصورين الأرمن في القدس شرعت في ممارسة المهنة منذ العام 1913وكان والدها قد أهداها آلة تصوير، فتعلقت بها وراحت تلتقط الصور للمدن والأماكن الطبيعية والمعالم التاريخية ولأبناء عائلتها والأصدقاء، ثم افتتحت استوديو لتصوير النساء في بيت لحم أتاح للعائلات المحافظة تصوير النساء بلا حرج، ثم افتتحت مشغلاً لتلوين الصور وإكسابها لمعاناً وبريقاً، وكانت تلتقط الصور المختلفة للمدن الفلسطينية، وكانت تضع عليها اسم مدينة الناصرة باللغة الإنكليزية لكي تعرف مصدرها، لكن بعد العشرينيات أصبحت تكتب على ظهر الصورة “كريمة عبود مصورة شمسية” واستطاعت في تلك الفترة الدخول إلى البيوت بكاميرتها وصورت الفلاحين والنزهات، وواجهت بصورها كما يقول المؤرخ د.جوني منصور مشروع التصوير الفوتوغرافي الاستعماري البريطاني الصهيوني الذي كان يبرمج الصور ليظهر أن هذه الأرض خاوية وبلا شعب لشعب بلا أرض، في حين بيّنت هي من خلال صورها أن هذه الأرض فيها شعب، ونتيجة لذلك فقد دُمر الأستوديو الخاص بها في العام 1948 مع دخول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وصودرت الصور، ويعبّر الكاتب إبراهيم نصر الله مؤلف رواية “سيرة عين” عن حياة كريمة عبود بأن عملها كان نضالاً فعلياً لأن التصوير الفوتوغرافي الغربي حرص على تصوير مدن فلسطين خالية من الناس، بينما نقلت كريمة عبود الصور حافلة بالناس، وحرصت على إظهار الحضارة في البيوت وجماليات الناس وملابسهم التقليدية والمباني الجميلة والحياة المتنوعة الشعبية والحضرية.
توفيت عبود عام 1940ودُفنت في بيت لحم برفقة كاميرتها كما أوصت: “أريدها أن ترافقني حتى القبر، لكن لا أريدها أن تُدفن معي، أريدها أن ترى كل الأشياء التي لن أستطيع رؤيتها فيما بعد”.
أسمى طوبي.. رائدة الكتابة النسائية
هي شاعرة وكاتبة ورائدة إعلامية فلسطينية، ولِدت في الناصرة عام 1905 وعاشت معظم حياتها في لبنان وتوفيت بها عام 1983وتُعتبر من رواد كتّاب المسرح الفلسطيني، وصفها جهاد أحمد صلاح في كتابه “أسمى طوبى رائدة الكتابة النسائية في فلسطين” بقوله: “كانت كما أرادت أن تكــون، حرة في وطنيتها أولاً، وحــرة في مجالات الإبداع والكتابة التي مارســتها ثانياً، وحرة في إنســانيتها وممثلة في قضية المرأة ثالثاً” وهي التي كانت عضواً نشيطاً في اتحاد المرأة في مدينة عكا بين عامي 1929-1948 كما كانت عضواً بارزاً في جمعية الشابات المسيحيات ورئيسة جمعية الشابات الأرثوذكسيات، وعملت في مجال الصحافة وكانت تحرر الصفحة النسائية في جريدة “فلسطين” قبل العام 1948 وهي المرأة الفلسطينية الوحيدة التي كتبت الأدب المسرحي في مرحلة ما قبل النكبة، وفي الفترة بين بداية الحرب العالمية الثانية والكارثة نشطت في كتابتها المسرحية والتي تم تجسيدها في فلسطين ولبنان بين عامي 1925 و1930 وكانت قد طبعت أولى مسرحياتها في عكا عام 1925واضطرت بعد نكبة فلسطين عام 1948 للتوجه إلى لبنان وفيها عملت في الصحافة وكان لها نشاط إذاعي في محطات القدس، بيروت، الشرق الأدنى، وكشاعرة لخّص ديوانها الوحيد “حبي الكبير” الصادر في بيروت 1972 مسيرتها الشعرية التي كانت موجهة للقضية الفلسطينية وتصوير معاناتها وتعظيم مقاومة المحتل البريطاني والصهيوني، وهو يتألف من 38 قصيدة تحدثت فيها عن جراح النكبة وهاجس العودة: “ويا أمنا، وأقدس ما في الوجود، وأغلى من الأم يا أرضنا، غداً سنعود” في حين ركزت في مقالاتها وخواطرها على الروح الوطنية والقومية في بعدها الإنساني والوجداني، وقد جمعت في كتاب”أحاديث من القلب” الذي صدر في بيروت عام 1955 وكانت طوبى تؤمن أن الأدب رسالة الحرية الفكرية والغيرة الوطنية والجرأة الأدبية:”لأن أنشودة واحدة حطمت الباستيل، وخطبة من أنطونيوس جعلت الشعب الثائر على قيصر القتيل شعباً ثائراً له”.
مُنحت أسمى طوبى وسام قسطنطين الأكبر اللبناني سنة 1973 ووسام القدس للثقافة والفنون في تشرين ثاني 1990 وتوفيت في بيروت عام 1983.
فدوى طوقان.. أم الشعر الفلسطيني
اقترن اسم الشاعرة فدوى طوقان باسم فلسطين، واقترنت حياتها بالمآسي والنكبات التي عاشتها فلسطين، ولُقبت بـ “سنديانة فلسطين” ففي سنة 1917 التي صدر فيها وعد بلفور المشؤوم كانت ولادتها، وفيها سُجن والدها ونُفي وعانت عائلتها نتائج هذا الاضطهاد الذي ناله جراء مساهمته في الاحتجاج على هذا الوعد، وكانت طوقان قد عاشت في بيئة عائلية مُحافظة في نابلس وأتمّت دراستها الابتدائية، ثم حُرمت بعد ذلك من مواصلة الدراسة،فتعهدها شقيقها الشاعر إبراهيم طوقان وأخذ بيدها لتبدأ معه مسيرتها الشعرية، فكان معلّمها، وبعد وفاته المبكرة اعتمدت الجهد الشخصي في الدراسة وتثقيف الذات، وعاشت مرحلة الهزيمة بكل أبعادها، وكان لها تأثير كبير في نفسها،فكانت منبعاً لقصائدها التي عبّرت فيها عن الاحتلال بكل بشاعته،وتناولت في شعرها تضحيات الفلسطينيين ونضالاتهم، وأصدرت ديوانيها “الليل والفرسان” و”على قمة الدنيا وحيداً” وعبّرت فيهما عن امتنانها لشهداء فلسطين وصمود أسراها رجالاً ونساء، ثم نقلت مأساة مدينتها ونكبة أهلها وحزنها على شهدائها، وبعد حرب حزيران 1967 كرست شعرها لمقاومة الاحتلال الصهيوني، وكثرت لقاءاتها مع الجماهير في ندوات شعرية، وكان الإرهابي موشي دايان وزير الحرب الإسرائيلي السابق يقول: “كل قصيدة تكتبها فدوى طوقان تعمل على خلق عشرة من المخربين (رجال المقاومة الفلسطينية)” في حين أطلق عليها الشاعر محمود درويش “أم الشعر الفلسطيني” وفي العام 2003 رحلت طوقان عن عمر يناهز السادسة والثمانين عاماً قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين، وكُتبتْ على قبرها قصيدتها المشهورة: “كفاني أموت عليها وأدفن فيها، وتحت ثراها أذوب وأفنى، وأبعث عشباً على أرضها، وأبعث زهرة إليها تعبث بها كف طفل نمته بلادي، كفاني أظل بحضن بلادي تراباً، وعشباً، وزهرة”.
حصلت فدوى طوقان على العديد من الأوسمة والجوائز، منها: جائزة الزيتونة الفضية الثقافية لحوض البحر الأبيض المتوسط في إيطاليا، وسام القدس، وسام أفضل شاعرة في العالم العربي.
فاطمة البديري.. من أوائل الإعلاميات
إعلامية فلسطينية، ولِدت في القدس عام 1923 وهي أول امرأة عربية تبثّ صوتها عبر إذاعة القدس عام 1946وتُعد من أوائل الإعلاميات في العالم العربي وعملت في مجال التعليم عام 1946 ثم انتقلت إلى العمل الإعلامي، حيث كانت تقدم البرامج الثقافية، بالإضافة إلى نشرات الأخبار، وكانت أول مذيعة عربية ينقل الأثير صوتها، وأول سيدة تجلس وراء الميكروفون لتقدم للمستمعين نشرة الأخبار، حيث كان عدد النساء قليلاً في الإذاعة آنذاك، لذا وجدت نفسها في مواجهة عاصفة لم تهدأ إلا عند وقوع النكبة،حينها انتقلت بصحبة زوجها للعمل في الإذاعة السورية في الفترة الواقعة ما بين 1950 و1952 ثم عملت في الإذاعة الأردنية في الفترة الواقعة ما بين 1952 و1957 ثم عادت مرة أخرى إلى رام الله حيث عملت في سلك التربية والتعليم، بالإضافة إلى قراءة الأخبار مرة واحدة يومياً في إذاعة القدس بناء على طلب من مدير الإذاعة، وبقيت حتى العام 1957 حيث اضطرت للعودة مرة ثانية إلى دمشق مع زوجها، ثم سافرت برفقته إلى برلين للعمل في الإذاعة الألمانية الديمقراطية عام 1958واستمرت فيها حتى العام 1965 لتعود لرام الله وتلتحق بحقل التعليم من جديد،ثم أمينة مكتبة في دار المعلمات التابعة لوكالة الغوث في المدينة، ثم انتقلت للعيش في الأردن، وهناك عملت في مكتبة الجامعة الأردنية،وفي الدار الأردنية للثقافة والإعلام، وتوفيت عام 2009 ودُفنت في الأردن.
سميرة عزام.. أميرة القصة القصيرة
لُقبت برائدة القصة القصيرة في فلسطين، وقيل الكثير عنها وعن أثرها في الأدب الفلسطيني، حيث قال عنها الشاعر عبد الكريم الكرمي: “كان أغزر ينبوع تستقي منه شعبها ووطنها وقلبها، ولا أدري إذا كانت هناك قاصّة عربية تجاريها في قصصها الرائعة” وعن موهبتها قال الأديب سهيل إدريس: “هي ذات موهبة قصصية عظيمة الإمكانيات بأسلوب حي ومشرق “في حين وصفها رجاء النقاش: “هي قاصّة تحمل في قلبها مأساة فلسطين، وأدبها أدب ثوري بامتياز، وهي أفضل كاتبات القصة القصيرة في أدبنا العربي.. إنها أميرة كاتبات القصة القصيرة” ويجمع النقاد على أنها حملت عذابات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والبلدان العربية، وزخرت كتاباتها بالأسى والألم والحنين للديار، وقد ولِدت في عكا عام 1927 ودرست الابتدائية فيها، والثانوية في حيفا، وأصبحت معلمة في سن 16 من العام 1943 حتى العام 1945 وخلال ذلك بدأت بكتابة المقالات ونشرها في الصحف الفلسطينية باسم مستعار هو “فتاة الساحل” وفي عام النكبة اتجهت عائلتها إلى لبنان، وبعد عامين انتقلت عزام إلى العراق لتعمل كمديرة مدرسة للبنات، وهناك بدأت حياتها المهنية كمقدمة ومعدّة برامج في إحدى المحطات الإذاعية، ثم عادت إلى بيروت لتترجم عدداً من الأعمال الأدبية والفنية وتكتب في الصحف والمجلات، وبسبب زواجها عادت مرة ثانية عام 1959 إلى بغداد، وفيها تعاقدت مع إذاعتَي بغداد والكويت، حيث شغلت منصب مراقبة للبرامج الأدبية عام 1957 وشاركت خلال ذلك في تحرير جريدة “الشعب” إلى جانب بدر شاكر السيّاب، وفي أعقاب أعمال عنف دامية اندلعت في العراق حينها عادت إلى بيروت وتعاقدت فيها مع مؤسسة فرانكلين للترجمة، وقامت بتعريب العديد من الكتب الأدبية والنقدية من اللغة الإنكليزية إلى العربية، وفي العام 1963 أعلنت جمعية أصدقاء الكتاب في بيروت جوائز لأفضل كتاب قصصي روائي، فاشتركت بالمسابقة، ونالت جائزة القصة القصيرة على مجموعتها القصصية القصيرة “الساعة والإنسان” وكان في رصيدها عدة مجموعات قصصية: “أشياء صغيرة، الظل الكبير” وكلها تؤكد على الهوية الفلسطينية وجراح وأوجاع المخيّمات، وبعد نكسة العام1967 وقبل وفاتها بفترةٍ قصيرة مزّقت عزام روايةً كانت تكتبها تحمل اسم “سيناء بلا حدود” وعلّقت على ذلك بالقول: “كلّ ما كتبته فقد معناه” في حين تركت أثراً كبيراً على كتّاب القصة الفلسطينية، حيث خاطبها غسان كنفاني في تأبينها بقوله: “أُستاذتي ومُعلّمتي” وقد توفيت عن عمر 39 عاماًإثر نوبة قلبية، وبعد رحيلها بنحو أربع سنوات نُشرت مجموعتها الخامسة “العيد من النافذة الغربية”.
سلافة جاد الله.. أول مصورة سينمائية عربية
في مدينة نابلس بالضفة الغربية عام 1941 وُلدت المخرجة الفلسطينية سلافة جاد الله، وكان عشقها للتصوير طريقها للتعبير عن حبها لمدينتها، دافعاً إياها لتلتقط عشرات الصور من تفاصيل المدينة، وتتلمذت على يد شقيقها الأكبر رماء جاد الله الذي كان أحد روّاد التصوير الفوتوغرافي في فلسطين،حيث بدأ مشواره في عالم التصوير الفوتوغرافي والرسم في أربعينيات القرن الماضي في مدينة نابلس، وفي أواخر الخمسينيات بادرت سلافة مع شقيقها وبعض الهواة لتكوين رابطة للفنون، وفي بداية الستينيات كانت من أوائل الفتيات اللواتي طمحن لإتمام تعليمهنّ الجامعيّ في مجال التصوير السينمائي، فتوجّهت إلى معهد السينما في القاهرة الذي كان لا يزال في بداياته لتتخرج في العام 1964 كأول مصورة سينمائية عربية،وعملت بعد تخرجها كمصورة سينمائية في وزارة الإعلام الأردنية، وكان لها دور كبير في تأسيس العمل السينمائي الفلسطيني الحديث، حيث قامت مع المصور السينمائي الفلسطيني هاني جوهرية بتصوير عدد كبير من أحداث الثورة والكفاح الفلسطيني، وعملت في أول أفلام ما يعرف الآن بسينما الثورة الفلسطينية، وكانت ممن أسهموا في تأسيس قسم التصوير والأرشفة للأحداث والمعارك والعمليات التي خاضها الثوار في تلك الفترة،وعندما وقعت حرب الخامس من حزيران 1967 قامت مع المصور السينمائي هاني جوهرية بتصوير أحداث وآثار الحرب ومأساة النزوح الفلسطيني الذي حدث خلالها، لتقوم في العام 1968 بتطوير وحدة أفلام فلسطين التي أنتجت في العام 1969 أول أفلام السينما النضالية الفلسطينية “لا للحل السلمي” وفي العام نفسه أصيبت برصاصة في الرأس أثناء قيامها بالتصوير أدت إلى إصابتها بشلل نصفي مما منعها من الاستمرار في العمل كمصورة سينمائية، وفي العام 2002 توفيت في دمشق.