ما حقيقة إلغاء دعم السكر والأرز والدقيق التمويني في موازنة 2024.. وما السيناريوهات البديلة؟
دمشق – إبراهيم مخلص الجهني
العديد من الخطوط الحمراء، التي حافظت على العديد من المواد الأساسية التي تحتاجها الأسرة السورية، باتت تغيب من الخطط والموازنات الحكومية. واليوم، وفي ضوء موازنة عام 2024، يثير غياب بعض البنود الحسّاسة التي تمسّ معيشة المواطنين، وأبرزها دعم السكر والأرز والدقيق التمويني والتي كانت حاضرة في موازنة العام الحالي، الكثير من إشارات الاستفهام!
الانتقال لدعم المستهلك
الخبير والمستشار الاقتصادي الدكتور فادي عياش بيّن لـ “البعث” أنه يطالب وفق رؤيته الشخصية بإلغاء دعم السكر والأرز، لأنها مواد مستوردة وتستنزف القطع في هذه الظروف الراهنة الصعبة، على أن يكون البديل هو دعم منتجات بديلة أخرى من إنتاج محلي كالبرغل والبقوليات، موضحاً أن الأهم في سياسة الدعم هو الانتقال من دعم سلعة إلى دعم المستهلك الأكثر عوزاً للسلعة، لأن في ذلك تحقيقاً أكبر للعدالة الاجتماعية من خلال إيصال الدعم لمستحقيه، وهذا من شأنه تقليل الهدر وتخفيض عجز الموازنة.
وأضاف عياش أن الدقيق التمويني له حساسية خاصة، وبالتحديد لأصحاب الدخل المحدود وهم الفئات الأكثر عوزاً حالياً، لكن تطبيق مبدأ دعم المستهلك النهائي والفعلي عوضاً عن دعم السلعة أو مبدأ دعم المخرجات عوضاً عن دعم المدخلات هو أسلوب صحيح وأنسب من القائم حالياً، وبهذا المنظور يكون إلغاء دعم الدقيق توجّهاً سليماً تماماً، على أن يتمّ تعويض الدعم للمستهلك النهائي، وبذلك يتمّ القضاء على الكثير من الهدر وشبهات الفساد والإثراء غير المشروع عبر الإتجار بالدقيق المدعوم وتخفيض مؤثر في عجز الموازنة أيضاً، وينعكس ذلك إيجاباً على صناعة وجودة الرغيف، مؤكداً أن شرط نجاح هذا التوجّه هو القدرة على تعويض المستهلك النهائي والمستحق الفعلي للدعم.
وأوضح عياش أن التوجّه العالمي يركز على دعم المخرجات وليس دعم المدخلات، سواء في الإنتاج أو التصدير، ويطبق الدعم النقدي عوضاً عن الدعم العيني، وكذلك يطبق دعم المستهلك المستحق عوضاً عن دعم السلعة، وهذا أقدر على تحقيق توازنات الكمّ والنوع والعدالة، منوهاً بأن إلغاء دعم الدقيق التمويني لن يؤثر على المزارعين والإنتاج الزراعي، فهو دعم على منتج مصنّع كمدخل لصناعة الخبز وليس على محصول القمح.
فرصة للمنافسة
من جانب آخر، فإن إلغاء الدعم على مادتي السكر والأرز قد يتيح المنافسة بين المستوردين لتأمين هذه المواد بأسعار تنافسية قد تخفّف من أثر إلغاء الدعم، ولكن المشكلة الفعلية هي في طريقة استجابة السوق لمتغيّرات الأسعار، فأي ارتفاع في سعر مادة يؤدي إلى ارتفاع وبنسب مختلفة على مجمل الأسعار في السوق، وفي ظلّ محدودية الدخل المتاح قد يكون ذلك مبرراً لمزيد من الأثر التضخمي، خاصة وأنه لا تتوفر بدائل محلية لهاتين المادتين، ومن الممكن التخفيف من أثر ذلك على السكر من خلال تشجيع وزيادة الإنتاج المحلي من السكر، سواء بالزراعة أو التكرير، وذلك بحسب الدكتور فادي عياش.
بدوره عضو مجلس الشعب أحمد طراف بيّن في حديث لـ “البعث” حول إمكانية إخراج المواد الأساسية من الدعم أنه لا يمكن الخوض في تفاصيل الموازنة العامة، لأنها لا تزال مشروعاً، ولم تقرّ من مجلس الشعب حتى الآن، مبيناً أنه تتمّ مناقشة مشروع الموازنة من قبل لجنة الموازنة المختصة، وهي التي تحدّد مسار المناقشة قبل العرض تحت قبة المجلس، ومن المبكر الخوض في هذه النقطة.
وتابع طراف أن ردّ المجلس يكون حسب قناعاته بواقع احتياجات الوزارات، وهذا مرتبط بالواقع الاقتصادي الحالي في البلد، ومدى قدرة اللجان الوزارية على إقناع المجلس برؤيتها للميزانية في العام القادم، مؤكداً أن الخبز لا يزال خطاً أحمر بالنسبة للشرائح المدعومة، وهذا توجّه عام للحكومة.
الدعم مستمر
وفي سياق متصل، قال عضو لجنة الموازنة في مجلس الشعب محمد زهير تيناوي لـ “البعث” إن المواد الأساسية لا زالت ضمن قائمه الدعم، وبنود دعم الدقيق والسكر والأرز لا تزال موجودة ولم تحذف، وإنما جرى توحيد لهذه البنود ضمن بند واحد وهو البند الرابع بالنفقات التحويلية تحت مسمّى الدعم الاجتماعي والتي بلغت 6210 مليارات ليرة سورية، وبالتالي الدعم مستمر للمواد الغذائية وبعض المشتقات النفطية للشرائح التي تستفيد من الدعم.
وأشار تيناوي إلى أن موضوع إعادة توزيع الدعم الذي تنتهجه الحكومة يهدف لإعادة توزيع الدعم وإيصاله لمستحقيه، مبيناً أن هناك بعض الشرائح أكثر راحة من غيرها، لذلك يجب أن يوجّه الدعم إلى صغار الكسبة وذوي الدخل المحدود والذين هم الأكثر حاجة لدعم الخبز والسكر والأرز والمازوت، وما يؤكد ذلك أن ربطة الخبز لا زال سعرها 200 ليرة سورية لمستحقي الدعم.
وحول إمكانية استبعاد شرائح جديدة من الدعم، لفت عضو لجنة الموازنة إلى أنه لم يرد في مشروع الموازنة موضوع الاستبعاد من الدعم، لكنه خلال المناقشة والمداخلات طرح سؤال عن ذلك لوزير المالية، ولم يكن هناك جواب صريح، لكن الحكومة تدرس باستمرار موضوع الدعم وإيصاله إلى مستحقيه، ومن الممكن أن يرفع الدعم عن شرائح معينة مستقبلاً وشرائح أخرى قد يعاد إليها الدعم، وذلك حسب واقع الحال.