بين أكثر من حدّ
عبد الكريم النّاعم
دخل صديقي بوجه يلوح عليه التّعب، سلّم وجلس، ويبدو أنّ وضعي لم يكن أفضل من حاله، بعد فترة صمت قال: “لديّ جار، لا يستطيع متابعة ما تنقله الفضائيّات من مشاهد تدمير في غزّة”.
قلت: “أمثاله كثيرون، وثمّة مَن شغله البحث عن تأمين لقمة العيش، فهو يكاد يكون غائباً عن المُجريات إلاّ ما يقتحمه اقتحاماً”.
قال: “هل مشاعر الذين يجلسون على كرسيّ رأس السلطة، تُشبه مشاعرنا نحن عبيد الله الذين ما نكاد نعرف شيئاً عن ذلك الموقع، إلاّ من خلال القراءات، وبعض ما يُقال”؟!!
قلت: “المشاعر التي وُلِدتْ معنا ليست واحدة، فهي متفاوتة من حيث الحِدّة، بحسب التكوين الذي يولَد عليه الإنسان، أمّا فيما يتعلّق بمَن يجلسون على رأس السّلطة فالأمر يختلف، فقد عرّفنا التاريخ أنّ معظم هؤلاء لا همّ لهم إلّا البقاء في مواقعهم، ولذا قيل إنّ “المُلْك” عقيم، ألم نقرأ معاً، على سبيل الاستشهاد، أنّ سلاطين آل عثمان الأتراك، بقوا لفترة طويلة، كلّما نُصِّب سلطان منهم قام بقتل جميع أخوته حتى لا ينافسه أحد فيه”؟
قاطعني قائلاً: “أنا أتكلّم عن سلاطين العرب المعاصرين، الذين مشاعر شعوبهم في وادٍ، ومشاعرهم، كما يشي سلوكهم في وادٍ آخر”.
قلت: “بحسب فهمي، هؤلاء قد تختلف مشاعرهم الفرديّة حين يخلون بأنفسهم، ولكنّهم محكومون “بعقْم” السلطة، وثمّة مَن ارتبط بمعاهدات سياسيّة ظالمة، سلبتْهم الكثير من حقوقهم الوطنيّة المشروعة، فهم بين الرّضوخ، والانصياع للإرادة الصهيونيّة الأمريكيّة..”.
قاطعني: “كيف يستطيع النّوم مَن يرى ما يجري من إبادة، وتدمير، ونحن قادمون على فصل الشتاء ببرده، والذين فقدوا بيوتهم لا يجدون سقفاً يأوون إليه، حتى الخيام”؟!!
قلت: “لو كان لديهم ما يدفعهم لاتّخاذ مواقف فيها بعض النّجدة لأهلنا في الأرض المحتلّة لَكنّا لمسنا ذلك، هؤلاء عبّر عنهم ترامب الرئيس الأمريكي السابق بقول خلاصته: عليكم أن تدفعوا ما نطلبه من أموال لقاء حمايتنا لكم! وكم في ذلك القول من إذلال، لِمَن يعرف طعم الكرامة، أنظرْ ما الذي قدّموه حتى الآن عبر رفح.. إنّه أشبه بقطرة من بحر، ولو كانوا مستقلّين حقيقةً، لتصرّفوا بما يعبّر عن مشاعر شعوبهم.. إنّهم مُصادرون من داخل، بإرادتهم، وهو راضون بذلك، وإلاّ فما معنى هذه التصريحات الرّخوة الهزيلة التي يتناقلها الإعلام، إنّ مشاعر بعض شعوب أوروبا في مظاهراتهم أنظف، وأعمق، وأكثر إنسانيّة، ومَن عنيت ليسوا أكثر من دُمى تتلاعب بها عواصم الغرب المتصهينة..”.
قاطعني: “إلى متى، لقد صودر كلّ شيء جميل في حياتنا”؟!!
قلت: “لسنا مَن اختار المجريات، نحن منذ أن خرجتْ أوروبا لاحتلال البلدان الضعيفة ونحن من معركة إلى أخرى، وزاد الأمر سوءاً بتسيّد الدور الأمريكي بعد الحرب العالميّة الثانية، ولاسيّما في تبنّيها أمن (إسرائيل)، وموقفها في ذلك لا يحتاج إلى دلالة، فما الذي يستطيع شعب مُستهدَف؟ إمّا أن يقاوم دفاعاً عن الكرامة، والعزّة، والوطنيّة، والحقّ، وإمّا أن يرفع الراية البيضاء استسلاماً، ويقبل أن يكون عبداً ذليلاً للمحتلّين الأعداء، دعْني أُذكّرك بأنّ السادات المقبور صرّح أثناء توقيع مُعاهدة كامب ديفيد، أمّ الكبائر السياسيّة، أنّ حرب 1973 هي آخر الحروب، فماذا كان؟ كان احتلال لبنان عام 1982، وما تلى ذلك معروف، ثمّ كانت انتفاضتان في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة، وحرب 2006 مع المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، وها هي معركة جديدة فُرِضت على المقاتلين في غزّة، فهم بدؤوا المعركة لعلمهم أنّ نتنياهو بصدد شنّ هجوم مُباغت، فهم أشعلوها للدفاع عن أنفسهم”.
aaalnaem@gmail.com