ثقافةصحيفة البعث

“معطف غوغول”على مسرح ثقافة حمص.. يعود الزمن ويتغير المكان

آصف إبراهيم 

بعد تجربته الإخراجية الأولى في عرض “نور العيون” التي قدمها على خشبة مسرح ثقافة حمص ضمن احتفالية يوم المسرح العالمي بالتعاون مع الكاتب جوان جان صاحب السيناريو المقتبس عن نص يحمل الاسم ذاته للكاتب التركي خلدون الطائر، يعود المخرج الشاب نزار خضور إلى خشبة مسرح حمص في عرض” المعطف” ذلك النص الشهير للكاتب الروسي نيقولاي فاسيليفيتش غوغول أحد  مؤسسي المدرسة الواقعية في الأدب الروسي دراماتورج جوان جان أيضاً.

محاولات نزار خضور فرض نفسه على خشبات المسرح من خلال اختيار نصوص كبيرة وممسرحة مرات عديدة من قبل مسرحيين سوريين كثر، منهم المخضرمين وأصحاب الاحترافية المسرحية العالية، تضعه أمام مهمة صعبة للغاية خاصة وأنه يعتمد على مجموعة ممثلين هواة حديثي الخبرة في مجال الأداء المسرحي ،وتجسيد الشخصيات من خلال الارتكاز على فهم عميق لملامحها الشكلية المفترضة وسيكولوجيتها التي نصل إليها من خلال قراءة عميقة للنص الأصلي الذي يتمتع بمفردات تهكمية ومفارقات عفوية تترك لدى المتلقي أثرا ممتعا ومحزنا في آن معاً.

ورغم أن اختيار هذا النص في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة التي يعيشها المواطن السوري، حالياً، يأتي في زمانه ومكانه المناسبين، فإن نجاح هذه المقاربة يتوقف على مقدرة صناع هذا العرض على إيجاد المعادل الموضوعي بين الواقع المحلي الراهن أداءً وإعداداً، وبين الالتزام بروح النص الأصلي دون السقوط في وحل التهريج الساذج والتجسيد المفتعل.

فقد نجد في واقعنا الراهن آلاف الموظفين الذين يتماثلون مع حالة شخصية النص المحورية “اكاكي اكاكيفيتش” عاجزين عن ادخار ثمن معطف جديد، وكذلك يمكننا أن نرى مئات الشخصيات الهامة التي لا تعر أقل اهتمام  لشؤون الناس البسطاء.

ولهذا يمكننا اعتبار اختيار هذا النص ومقاربته للواقع الراهن اختياراً موفقاً ويؤدي الهدف والرسالة المناطة بالعرض المسرحي.

يميل نزار خضور كما شاهدنا في عرضه السابق إلى الاعتماد على الممثل بشكل شبه كلي من خلال إهمال توظيف الكثير من العناصر المسرحية، باستثناء  بعض عناصر السينوغرافيا التي لم تخدم العرض، شكلاً ومضموناً، كما ينبغي، لاسيما وأنه يقوم على تعاقب وتبدل المشاهد التي تفترض تغيير بالمكان والزمان، والتي تجاوزها برؤية إخراجية مختلفة.

لجأ خضور في العرض إلى تشكيل مسرحي فيه شيء من التجريب اعتمد فيه على الإضاءة في تقسيم الخشبة إلى نصفين عرضيين: الأول داخلي ثابت هو المؤسسة التي يعمل بها “أكاكي ” يتمُّ تعتيمه في المشاهد الأخرى أو إبقاء ضوء باهت عليه بحسب ضرورات العرض، وقسم أمامي تنوَّعت فيه الإضاءة حسب المشاهد، ويُمكن تمييز الألوان الأساسية أثناء العرض في الملابس والإضاءة أسود فأبيض ثمَّ بني وأصفر مع ظهور جزئي للأحمر، إضافة إلى استخدام خمسة مستويات تصاعدية من الفضاء المسرحي للعرض، وسعى لخلق أجواء تناسب بيئة النص عبر الموسيقا التي تنوعت بين الروسي الشعبي والسيمفوني، إلى جانب مؤثرات  صوتية تخدم تشكيل حركة المشهد،والانفعالات الحركية للممثلين.

“المعطف”عرض مشغول بأسلوب احترافي بذل فيه مجهود كبير من المخرج والممثلين الذين حاولوا مقاربة روح النص بما يحمله من رسائل واقعية..