ثقافة

د. المحاسني في ندوة  في مجمع اللغة العربية تراثنا هو المنطلق لذاتنا الثقافية

انطلاقاً من أهمية الحفاظ على التراث كمظهر من مظاهر الحضارة الإنسانية أقام مجمع اللغة العربية بمناسبة يوم المخطوط العربي ندوة تحت عنوان “التراث في زمن المخاطر” استهلها رئيس المجمع د. مروان المحاسني بكلمة أكد فيها أن تراثنا هو المنطلق الأصلي لذاتنا الثقافية، ونعني بذلك أن انتماءنا للثقافة العربية يحمل إلينا سيلاً معرفياً وتجارب إنسانية تشترك في بناء شخصيتها الحضارية.

تحف فنية علمية

وذكر المحاسني أن ما نعنيه بالتراث هنا المجال الفكري المكون لمجتمعنا، فهو ذلك المسار المتصل بماضي أمتنا وبتفصيل دقائق تاريخها وانطلاقها، ولفت إلى أن التراث الفني قابل للتأثر في بلادنا بضغوطات الحداثة أو مشجعاتها، بما تهدد به من مخاطر وقد يصل تأثيرها إلى إحداث انفصال ثقافي كامل، كما تحدث عن الاستلاب الثقافي الذي يستطيع في بعض الحالات أن يبعد الأفراد أو الجماعات عن لغتها وانتمائها، لذا يمكن القول أن جوهر التراث الفكري لا تناله المخاطر إلا إذا أراد صاحبه إسقاطه طوعاً، وبيّن أن المخاطر قادرة أن تسيطر على المقومات المادية الحاملة للتراث والحافظة له، فهي تستطيع أن تقضي عليها قصداً أو عرضاً ولاسيما في زمن الحروب والكوارث الطبيعية، وأشار إلى أن تراثنا المادي المكتوب محفوظ في مؤسسات رسمية، ولزام علينا أن نحيط تلك المخطوطات بالرعاية والعناية فهي تحف فنية علمية ثمينة وعلينا أن نجعل محتواها العلمي في متناول الباحثين.

إجراءات ضرورية

وفي كلمة د. مصطفى الموالدي عميد معهد التراث العلمي العربي بحلب التي ألقاها نيابة عنه د. محمود السيد رأى أن المخطوطات العربية التي ألفها العلماء العرب والمسلمون لبنة من لبنات صرح الحضارة الإنسانية لجميع فروع المعرفة البشرية، وتأتي أهمية الحفاظ عليها من  كونها مظهراً من مظاهر النشاط الفكري، وهي تتعرض للمخاطر نتيجة عوامل إنسانية وفيزيائية وكيميائية وبيولوجية، ونوه إلى حزمة من الإجراءات الضرورية الواجب اتخاذها للمحافظة على المخطوطات، منها تصوير كل المخطوطات الوطنية العامة والخاصة تصويراً رقمياً دقيقاً وإعداد فهارس نوعية تخصصية، وتكليف إحدى مديريات وزارة الثقافة بإعداد سجل رسمي لتسجيل المخطوطات مع صفاتها الدقيقة، وتوزيع المخطوطات الأصلية على عدة أماكن آمنة وعدم حفظها في مكان واحد، بالإضافة إلى سن القوانين والتشريعات الخاصة بحمايتها، والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المهتمة بحماية التراث الثقافي، وإنشاء صندوق عربي خاص لتمويل حمايتها وغرس وتعميق روح الاحترام إزاء الثقافات والممتلكات الثقافية والإنسانية، والتخطيط المسبق لحماية المخطوطات، وتأسيس مخابر لترميم المخطوطات ومعالجتها من الجفاف.

الرقمنة

أما كلمة د. عبد المجيد مهنا التي ألقتها نيابة عنه د. عبير العساف فقد تناولت آلية الحفاظ على المخطوطات في أيام الخطر، معرّفة المخطوطات بأنها النسخة الأصلية التي كتبها المؤلف بخط يده أو سمح بكتابتها، وذكرت المخاطر التي يمكن أن تواجه المخطوطات كالمخاطر الطبيعية مثل (الرطوبة والضوء والموجات الحرارية)، والمخاطر الكيميائية (التلوث الهوائي والحموضة والأتربة) والعوامل البيولوجية التي تحدث تشوهات وتغيرات، والعوامل الذاتية المتمثلة بدور الإنسان في إتلاف المخطوطات ومخاطر الحرب والنهب والحرق، وتناولت أساليب حفظها من خلال ضرورة الكشف الدوري، وحماتيها من عوامل التلوث الجوي واتخاذ الإجراءات والاحتياطات السريعة، كما تطرقت إلى الحفاظ على المخطوطات بالوسائل التقنية الحديثة وهي الرقمنة، والذي يتطلب مشروعها: التخطيط  وتحضير التجهيزات المادية والبرمجة والموارد المالية اللازمة والكوادر البشرية بالإضافة إلى دراسة وإعداد مصادر المعلومات.

صون التراث

من جانبها تحدثت الباحثة أمينة حسن عن  مشروع صون التراث السوري العاجل، واعتبرت أن المخطوطات هي كل ما كتب بخط اليد، وهناك عدة تسميات للمخطوطات هي: خزائنية، وفريدة، وهناك مجموعات ثمينة من المخطوطات القديمة يزيد عمرها عن ألف عام، ونوهت  إلى ضرورة  بذل الجهود  في إنقاذ المخطوطات وحمايتها من قبل المؤسسات وليس الأفراد، حيث يعد صون التراث مشروعاً هاماً، ولابد من إعداد المحاضرات والأنشطة في المراكز لتوعية المثقفين والعاملين وأصحاب الخبرة لفهم الواقع، والعمل الدؤوب على التخطيط لمراقبة التراث الثقافي في سورية من الجهات المعنية، ولفتت إلى أن مشروع صون التراث السوري مبادرة مهمة لحماية هذا التراث من أعمال الدمار والتخريب التي قد تطالها.

أجدى وأنفع

وقدم عضو مجمع اللغة العربية مأمون الصاغرجي رؤية حول آلية الحفاظ على المخطوطات وصيانتها، وأشار إلى أهمية هذه الثروة القومية الكبيرة التي خلفها أجدادنا، وهي اكبر منتوج حضاري عرفتها البشرية والحفاظ عليها وحمايتها يمثل إستراتيجية هامة في أولويات المجتمع الحديث، وتطرق إلى خطر العوامل الداخلية البيولوجية، نظراً لكون المخطوطات تتكون من أصل عضوي فهي قابلة للتحليل والفساد مع الزمن، وكذلك تناول خطر العوامل الخارجية وأولها الدمار الذي يلحق بالممتلكات والدوائر الرسمية في الحروب والسرقات والفتن، والإهمال بسبب غياب الوعي بأهمية المخطوطات، أما أشد هذه المخاطر في العصر الحديث فهو إحاطة بعض المكتبات بحراسة شديدة كاذبة تقف حائلاً في وجه وصول العلماء والباحثين وطلبة العلم، وضرب أمثلة عن بعض المواقع الموجودة على الانترنت والذي يستطيع القارئ اقتناءها دون مقابل، واعتبر أن رؤية المخطوط على الحاسوب أجدى وانفع من رؤيته البصرية الحقيقية والخاصة إذا كان بتقنية عالية.

لوردا فوزي