دراساتصحيفة البعث

العالم يفتقر إلى القادة الحقيقيين

عناية ناصر 

في تناقض صارخ مع الرد المروع للقادة الغربيين على المجازر التي ترتكب في قطاع غزة، خرج عشرات الآلاف في جميع أنحاء العالم إلى الشوارع احتجاجاً على الأعمال الوحشية الإسرائيلية في غزة تعبيراً عن إدانتهم لـ “إسرائيل” والولايات المتحدة، مطالبين بوقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء الحصار المفروض على غزة وتقديم دعم إنساني كامل للفلسطينيين.

لكن “إسرائيل” تواصل هجومها على المدنيين الفلسطينيين في انتهاك للقانون الإنساني الدولي، بينما تقوم منظمة العفو الدولية بتوثيق الهجمات الإسرائيلية غير القانونية، بما في ذلك الهجمات العشوائية، التي تسببت في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، والتي يجب التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب.

ورداً على الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال، رفع ائتلاف من جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، حثوا من خلالها الهيئة على التحقيق مع “إسرائيل” بتهمة الفصل العنصري وكذلك الإبادة الجماعية وإصدار أوامر اعتقال بحق القادة الإسرائيليين. ومع ذلك فإن القادة الغربيين لا يتحدثون إلا بشكل بسيط عن العواقب ولا يفعلون شيئاً لوقف المجازر.

ووفقاً للأمم المتحدة فإن أكثر من 40% من الفلسطينيين الذين استشهدوا في غزة هم من الأطفال، و70% من الضحايا هم من النساء والأطفال.  وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش: ” لقد أصبحت غزة مقبرة الأطفال”، حيث تم الإبلاغ عن استشهاد ما يقل قليلاً عن 4000 طفل، بمعنى أن أكثر من 420 طفلاً يقتلون أو يصابون كل يوم، كما أن 1250 طفلاً آخرين هم  في عداد المفقودين، ومدفونون تحت المباني المدمرة أو المتضررة.

لقد أدى هجوم قوات الكيان الإسرائيلي الشرس والعشوائي إلى تدمير المنازل والمستشفيات ومخيمات اللاجئين والمساجد والكنائس والمدارس ومنشآت الأمم المتحدة.  وقالت رئيسة منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، كاثرين راسل، إن التكلفة الحقيقية لهذا التصعيد الأخير سيتم قياسها بحياة الأطفال، أولئك الذين فقدوا بسبب العنف وأولئك الذين تغيروا بسببه إلى الأبد. ووفقاً للأمم المتحدة، لم يسلم الصحفيين أيضاً من الهجوم الإسرائيلي،  حيث استشهد عدد من الصحفيين خلال شهر واحد أكثر من أي صراع آخر خلال الثلاثين عاماً الماضية.

إن المجازر التي ترتكب في غزة والحصار المفروض على القطاع أمر مروع، كما أن رد فعل الحكومات الغربية، “أبطال الديمقراطية والسلام”  كان مروعاً للغاية. ومع قيادة الولايات المتحدة لهذه المجموعة، فإنهم يسهلون التطهير العرقي للفلسطينيين على يد “إسرائيل”، ثم يبررون ذلك علناً.

ويبدو أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي غير قادرين على التعبير عن وجهة نظر تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة. وحتى زعيم حزب العمال في المملكة المتحدة، كير ستارمر، الذي من المحتمل أن يكون رئيس وزراء المملكة المتحدة المقبل، يسير على خط الولايات المتحدة حرفياً.

وكما قال  رئيس مجلس مدينة  بيرنلي الذي استقال احتجاجاً على موقف زعيم العمال من غزة ، “بدلاً من الحديث عن السلام، يتحدث جميع زعماء العالم، بما في ذلك زعيم حزب العمال، عن هدنة إنسانية، إنه مجرد هراء”.

إن عدداً متزايداً من الدول، وخاصة تلك الموجودة في المنطقة، جنباً إلى جنب مع المواطنين الغاضبين في مختلف أنحاء العالم، يدعون إلى اتخاذ هذه الخطوة المنطقية.  فإذا لم يتم العثور على طريق للسلام بسرعة، فإن الحرب تخاطر بدفع المنطقة إلى “هاوية الكراهية والتجريد من الإنسانية”.

ولكن مع تزايد عدد الضحايا وتفاقم المعاناة، فإن رسالة الولايات المتحدة وشركائها إلى “إسرائيل” هي مواصلة القتل، ولكن ربما تفكر في السماح بـ “هدنة إنسانية” للسماح بدخول المساعدات إلى غزة، وبالمناسبة، من يرجى القيام بالمزيد من أجل حماية المدنيين. وحتى هذا الاقتراح رفضته “إسرائيل”.

تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية الكبرى، لأنه إذا كانت” إسرائيل” ستستمع إلى أي شخص فهو الولايات المتحدة . لقد سمح دعم واشنطن غير المشروط لـ”إسرائيل” لعقود من الزمن بتجاهل القانون الدولي الذي تعتقد “إسرائيل” أنه لا ينطبق عليها، وقمع الفلسطينيين، وتسمح الآن بوقوع المجازر في غزة.

لقد كشفت هذه الأزمة المدمرة مرة أخرى افتقار العالم إلى القادة الحقيقيين، إلى رجال ونساء يتمتعون بالشجاعة والمبادئ، ويستطيعون التصرف بحكمة ورحمة، بعيداً عن المصلحة الوطنية قصيرة المدى. وفي وسط هذا العالم الرديء يقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والذي يعتبر صوت العقل الواضح والمتسق في جميع المواضيع. حيث دعا مراراً وتكراراً إلى “وقف إطلاق نار إنساني فوري والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق … بشكل آمن وعلى نطاق واسع، من أجل تلبية الاحتياجات العاجلة الناجمة عن الكارثة التي تتكشف في غزة”. لكن كلماته، العقلانية والصحيحة، تم تجاهلها باستمرار، والأكثر من ذلك أنه هو نفسه تعرض لهجوم من قبل سلطة الكيان الإسرائيلية.

إن الأمم المتحدة، التي تأسست لإحلال السلام والأمن في العالم، بقيادة غوتيريش، هي التي ينبغي أن يقع على عاتقها مسؤولية جمع الأطراف المعنية معاً لمناقشة، ليس فقط وقف إطلاق النار، ولكن القضايا طويلة المدى، والظلم المرتكب ضد الفلسطينيين.

وعليه إذا كانت البشرية تريد أن تعيش في سلام، والأغلبية العظمى تريد ذلك بشدة، فإن الأمر يتطلب تغييرات جوهرية معينة في النهج، ويجب الاعتراف بأن الإنسانية واحدة، وتعزيز الوحدة. إضافة إلى  تحديد واستبعاد جميع أنظمة وطرق التفكير التي تعزز الانقسام. كما إن المشاركة أمر أساسي لبناء الثقة ، تقاسم الأراضي والموارد الطبيعية، وتقاسم المعرفة والثروة والمهارات. وبدون المشاركة والعدالة الاجتماعية سيبقى السلام ضرباً من الخيال، وستستمر المآسي كتلك التي تجري في غزة.