سيناريو العراق.. الأكاذيب المحيطة بمجمع الشفاء في غزة
سمر سامي السمارة
تذكرنا المزاعم الخالية من الأدلة، والتي غمرت وسائل الإعلام بشأن استخدام فصائل المقاومة الفلسطينية لمستشفى الشفاء في غزة كمركز عمليات ومقر عسكري، بأكاذيب استخباراتية مدمرة مماثلة سبقت الغزو الأميركي للعراق.
ففي الأسابيع التي سبقت مداهمة جيش الاحتلال “الإسرائيلي” لمجمع الشفاء، وهو أكبر مستشفى في غزة، بذل جيش الاحتلال جهوداً كبيرة لتصوير المجمع الطبي كمقر للمقاومة.
كما زعمت الولايات المتحدة أن لديها معلومات استخباراتية تؤكد هذا الادعاء، وقال المتحدث باسم الأمن القومي جون كيربي، للصحفيين، أن معلوماتهم تؤكد أن المقاومة الفلسطينية تستخدم هذا المستشفى بالذات في وضع القيادة والسيطرة وربما لتخزين الأسلحة أو دعم عملياتهما العسكرية واحتجاز الرهائن.
وعلى الرغم من ادعاء كيربي بأن المعلومات جاءت من وسائل استخباراتية مختلفة، فإن الولايات المتحدة لم تقدم أي دليل للتحقق من أن المقاومة تستخدم المستشفى، وبدعوى القضاء على شبكة المقاومة من المستشفى، حوَل جيش الاحتلال المستشفى إلى “مقبرة للأطفال”، بحسب منظمة العفو الدولية والتي أكدت إن فريق التقييم التابع للأمم المتحدة خلص إلى أن المجمع أصبح “منطقة موت”، فقد عثر الفريق على مقبرة جماعية عند مدخل المستشفى وقيل له إن أكثر من 80 شخصاً دفنوا هناك.
كما أفادت المنظمة، بأن نقص المياه النظيفة والوقود والأدوية والغذاء وغيرها من المساعدات الأساسية على مدى الأسابيع الستة الماضية تسبب في توقف أكبر المستشفيات وأكثرها تقدماً وأفضلها تجهيزاً في غزة – عن العمل كمرفق طبي … ولم يعد المستشفى قادراً على استقبال المرضى، حيث يتم الآن تحويل الجرحى والمرضى إلى المستشفى الإندونيسي المكتظ بشدة والذي بالكاد يعمل.
وأضافت، إن الغالبية العظمى من المرضى هم ضحايا صدمات الحرب، بما في ذلك العديد منهم الذين يعانون من كسور معقدة وبتر أطراف، وإصابات في الرأس، وحروق، وصدمات في الصدر والبطن، كما أن 29 مريضاً يعانون من إصابات خطيرة في العمود الفقري ولا يستطيعون التحرك دون مساعدة طبية، ويعاني العديد من مرضى الصدمات من جروح شديدة بسبب نقص إجراءات مكافحة العدوى في المستشفى وعدم توفر المضادات الحيوية.
كيف تلاعب جيش الاحتلال الإسرائيلي بوضع الأسلحة داخل مستشفى الشفاء؟
خلال قيام جيش الاحتلال “الإسرائيلي” باقتحام مجمع الشفاء الطبي، رافقهم فريق من “شبكة فوكس نيوز” الأميركية لتوثيق العملية، حيث عرضت الشبكة تقريراً مصوراً، يُظهر تجول مراسلها تري ينغست، في المجمع خلال تمشيط جيش الاحتلال للمجمع. وعند مقارنة التقرير الذي نشرته الشبكة مع تقرير جيش الاحتلال، ظهر الاختلاف والتناقض واضحاً في المشاهد المعروضة، وأماكن وضع الأسلحة التي زُعم وجودها داخل المستشفى.
قال المتحدث باسم جيش الاحتلال في بداية الفيديو الذي نشره، إنه سيقوم بجولة داخل أجزاء من المستشفى بتصوير متواصل دون أي تعديل أو تقطيع، ولكن ظهور تقطيع واضح ضمن الفيديو بحسب ما أكده مختصون، يؤكد أن عملية تعديل حصلت على الفيديو، ويؤكد الشكوك المحقة حول دقة تصريح المتحدث.
كما أن تعدد التقارير وتعديلها عدة مرات كشف الكذب والتضليل الذي استخدمه الجيش “الإسرائيلي”، ففي البداية عرضت صفحاته مقطع فيديو دون إخفاء لبعض اللقطات، ولكن في وقتٍ لاحق قامت صفحة الجيش ا”لإسرائيلي” بحذف المنشور، ونشر مقطع فيديو آخر مُعدل، أُخفيت به بعض الأجزاء من الفيديو السابق.
كما عرض المتحدث باسم الجيش “الإسرائيلي“، صوراً لأسلحة زعم أن مسلحين قاموا بإخفائها داخل المستشفى، ولكن يظهر من الصور أن الأسلحة كانت موجودة داخل صندوق التحكم بالكهرباء، وهو مكان يسهل الوصول إليه من قبل أي شخص، خاصةً أنه يحتوي على عدة مفاتيح كهربائية تستخدم بشكل متكرر، وهذا ما يطرح سؤالاً حول حقيقة ومبرر إخفائها في هذا المكان تحديداً.
يرى محرر الشؤون الدولية في صحيفة “الغارديان” جوليان بورغر، إن غياب الأدلة بدأ يعيد إلى الأذهان إخفاقات الاستخبارات الأمريكية السابقة، خاصة تلك التي سبقت غزو العراق، وذلك بعد أن تحدثت الإدارة الأمريكية كذلك عن المستشفى، وأنه يستخدم كمركز قيادة للمقاومة، وذلك بناء على معلوماتها الاستخبارية المستقلة.
كما وجد تحليل أجرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن اللقطات التي نشرها المتحدث باسم الجيش “الإسرائيلي” والتي تظهر الاكتشاف الواضح لحقيبة تحتوي على مسدس خلف جهاز مسح التصوير بالرنين المغناطيسي، وقد تم تسجيلها قبل ساعات من وصول الصحفيين الذين من المفترض أن يتم عرضها عليهم.
كما أفاد التقرير أن عدد الأسلحة الموجودة في الحقيبة تضاعف في مقطع فيديو تم عرضه لاحقاً، وزعم الجيش “الإسرائيلي” أن مقطع الفيديو الذي عُثر عليه في المستشفى تم تصويره في لقطة ولم يتم تحريره، لكن تحليل “بي بي سي” أثبت أنه تم تحريره.
جدير بالذكر أن اتفاقيات جنيف، التي صادقت عليها “إسرائيل” في عام 1951، تحظر بشكل صارم العمل العسكري ضد المستشفيات ما لم “يتم استخدامها لارتكاب أعمال ضارة بالعدو، خارج نطاق واجباتها الإنسانية”.
ووفقاً لبورغر، فإن هذا الاستثناء، الموضح في المادة 19 من اتفاقية جنيف الرابعة، ينص على إن وجود أسلحة صغيرة وذخيرة مأخوذة من هؤلاء المقاتلين ولم يتم تسليمها بعد إلى الخدمة المناسبة، لا يعتبر أعمالاً ضارة بالعدو.
وبينما يدعي جيش الاحتلال، أنه اكتشف مدخلًا لما زعم أنه فتحة نفق تابعة للمقاومة في مستشفى الشفاء، فقد أثار بروغر تساؤلاً حول مشاركة “إسرائيل” في بناء هذه المنطقة تحت الأرض، وتساؤلات حول مدى اعتماد العرض التصويري للشبكة تحت مظلة الشفاء على ما تعرفه “إسرائيل” بالفعل، فقد قام مهندسها المعماري الخاص، ببناء منطقة سفلية واسعة هناك في المرة الأخيرة التي احتلت فيها “إسرائيل” غزة بشكل مباشر، حتى عام 2005.
للإشارة، حاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلية مؤخراً مستشفى الشفاء التي باتت هدفاً لغاراتها اليومية، مدعيةً أنه يقع فوق مقر تحت الأرض للمقاومة الفلسطينية.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية فإن 650 مريضاً وما بين 5000 إلى 7000 مدني آخرين محاصرون داخل أراضي المستشفى، تحت نيران مستمرة من القناصين والطائرات بدون طيار، كما لقي 40 مريضاً حتفهم في الأيام الأخيرة، بما في ذلك ثلاثة أطفال مبتسرين تعطلت حاضناتهم.