خسائر البحرية الأمريكية في غزة بدأت تتكشّف.. وواشنطن تناور لإخفائها
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
حاولت الإدارة الأمريكية من خلال إرسالها حاملات الطائرات إلى شرق المتوسّط الإيحاء بأن ذلك جاء لردع أيّ محاولة من أطراف محور المقاومة توسيع رقعة الحرب، وأرسلت في هذا السياق ما يشبه التحذيرات العلنية من مغبّة التدخّل في الحرب دعماً للمقاومة الفلسطينية حسب زعمها.
هذا في الظاهر، ولكن الواقع على الأرض يشي بأن الأمر يتجاوز هذا الكلام، إذ إن رقعة الحرب في المنطقة قد توسّعت بالفعل، حيث أعلنت الجمهورية اليمنية رسميّاً دخولها إلى جانب المقاومة في الحرب، واحتجزت مؤخراً سفينة تابعة لتاجر إسرائيلي في البحر الأحمر تأكيداً لانخراطها في هذه الحرب، وهي تهدّد بتصعيد الوضع أكثر إذا ما استمرّ العدوان، وربّما ذهبت إلى إغلاق مضيق باب المندب، الأمر الذي سيضع العالم أجمع أمام تهديد صريح بضرورة وقف القتل في قطاع غزة المحاصر، بينما أعلنت المقاومة اللبنانية أنها ستعمل على تخفيف الضغط عن المقاومين في غزة بشكل تصاعدي وحسب مقتضيات الميدان، وعملياتها المنظّمة ضد قوات الاحتلال في شمال الأراضي المحتلة تؤكّد هذا التوجّه.
أما المقاومة العراقية، فقد أعلنت من جهتها دخول هذه الحرب عبر استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسورية، فضلاً عن قيامها بإطلاق الصواريخ البعيدة على أهداف معيّنة في الأراضي المحتلة.
في الحقيقة تؤكّد جميع المجريات السياسية والعسكرية على الساحة الأمريكية أن قرار الحرب اتخذ أصلاً في واشنطن، وليس للكيان الصهيوني قدرة أصلاً على اتخاذه، وهذا الأمر يفسّره التأييد الغربي الكامل وغير المسبوق لإعلان الحرب على غزة من الحكومة الصهيونية، وبالتالي فإن اشتراك الجانب الأمريكي في المداولات التي سبقت إعلان الحرب سياسياً وعسكرياً، كان للتخطيط لكيفية إدارة القوات الأمريكية الحرب على القطاع.
واشنطن عملت كثيراً منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة على نفي جميع التقارير التي تحدّثت عن اشتراك قوات المارينز مثلاً في عمليات الاقتحام للقطاع، حيث استبعد مدير معهد دراسات الأمن والصراع بجامعة جورج واشنطن والخبير في الصراعات الدولية وحروب المدن ألكسندر داونز، تورّط الولايات المتحدة في الهجوم الإسرائيلي على غزة.
إلى هنا كانت تستطيع الإدارة الأمريكية أن تغطّي على مشاركتها المباشرة في العدوان على غزة، عبر إرسال رسائل إلى أطراف في المنطقة “لردعها” عن الانخراط المباشر بالحرب، وقد أكد وزير الخارجية الإيراني أن واشنطن ترسل رسائل توسّل لإيران للتغطية والتعمية على النفاق الذي تمارسه فيما يخص الحرب على غزة.
ولكن ما أفادت به قناة ABC نقلاً عن مصادر مطلعة من أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعمل على إعداد عدة خطط لعمليات تحرير الأسرى في قطاع غزة، يثير مجموعة من التساؤلات حول توقيت هذا التصريح، حيث بدأت التقارير المصوّرة تخرج إلى العلن عن عدد القتلى والأسرى في صفوف قوات المارينز الأمريكية التي تشارك على الأرض في اقتحام قطاع غزة، ومنهم ضباط أمريكيون يديرون حرب العصابات هناك، وربما كان حادث المروحية الأمريكية في البحر المتوسّط تمهيداً للتغطية على هذه الخسائر، وبالتالي ليس من الممكن للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين تبرير طلبها عدم انخراط أطراف إقليمية في الحرب، مع العلم أن هذه الأطراف تتعامل مع المشهد كأنه قائم بالفعل، ولا تبرّئ ساحة واشنطن، وهذا يعني أن انزلاق واشنطن إلى المستنقع الذي ينتظرها في غزة، وعدم قدرتها على حماية قواعدها في المنطقة، فضلاً عن عجزها عن مواجهة المخاطر التي تتعرّض لها قواتها عموماً وخاصة السفن الأمريكية، سيجعل خيار الحرب المتدحرجة قائماً بالفعل مع ورود مجموعة من التقارير عن عجز مخزونات السلاح الأمريكية في المنطقة والعالم عن تغطية حاجة أوكرانيا و”إسرائيل” معاً منها، وإعادة عشرات الآلاف من القذائف التي كانت سحبتها من الكيان الصهيوني لدعم النظام الأوكراني إلى الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يؤكّد حالة عجز واضح في توفير الذخيرة اللازمة لحرب طويلة، وقد أعلن حلف شمال الأطلسي “ناتو” عن ذلك رسمياً، وبدأت تظهر بوادر جديّة للتخلّي عن أوكرانيا والاقتصار على توجيه الدعم لـ”إسرائيل”.
وقالت القناة: على الرغم من أن “مهام إنقاذ الرهائن دائماً ما تكون محفوفة بالمخاطر، وتؤمن الولايات المتحدة أن الصفقة هي الخيار الأفضل للإفراج عن أعداد كبيرة من الأسرى، تقول المصادر: يتم تطوير خطط تكتيكية للعملية في حالة تغيّر الظروف”، مشيرة إلى أن العسكريين أو موظفي أجهزة الأمن الأمريكية “لن يشاركوا بالضرورة بشكل مباشر في مثل هذه العملية، حيث إن قوات دول أجنبية غالباً ما تنفّذ خطط العمل التي تم وضعها مع زملائها الأمريكيين.
وهذا يعني بالضرورة أن واشنطن بدأت تستشعر أن لدى المقاومة في غزة ما يثبت انخراطها المباشر في الحرب البرية على غزة، وأنها تحاول استباق الأحداث بالقول إنها لا يمكن أن تشترك مباشرة في هذه الحرب، بل ستوكل المهمّة إلى أطراف أخرى، فهي تظنّ أنها تستطيع عبر هذه التسريبات وغيرها صرف الأنظار عن خسائرها هناك، ولكن طلباتها المتكرّرة بعد الخسائر الكبيرة في المعركة شمال قطاع غزة، من “إسرائيل” بضرورة الانسحاب من هناك وفتح الباب أمام الهدنة، تؤكّد أنها هي من تدير اللعبة وليس جيش الاحتلال، وبالتالي بدأت تخشى أن يؤدّي مزيد من هذا الانخراط إلى مزيد من الخسائر الأمريكية الواضحة على مستوى أسر جنود وضباط أمريكيين هناك، وهذا طبعاً سيذهب بالمعركة إلى مستوى آخر، تنخرط فيه أطراف أخرى بشكل معلن في هذه الحرب على خلفية المشاركة الأمريكية الغربية المباشرة فيها.
ومن هنا، تدرك واشنطن وحلفاؤها الغربيون الذين حشدوا أساطيلهم في البحر، أن أيّ اتساع لرقعة الحرب سيجعلهم جميعاً أطرافاً في حرب كبرى تندلع في المنطقة، ولن تكون هذه الأساطيل إلا زيادة في بنك الأهداف الذي سيتم استهدافه، وما يسمّونه رسائل تحذير وردع إنما هو استجداء، وهم يسابقون الزمن في محاولة لتحقيق هدفهم بالقضاء على المقاومة في المنطقة دون توسيع الرقعة، ولكن على الضفّة الأخرى هناك مَن ينتظر.