خمس فنانات من حمص يجمعهن معرض مشترك
آصف إبراهيم
خمس فنانات تشكيليات من حمص يلتقين في معرض مشترك، تستضيفه صالة اتحاد الفنانين التشكيليين “صبحي شعيب” وسط مدينة حمص، وهن بشرى ديوب، سلام الأحمد، محبة ليون، ميساء علي، كارمن شقيرة، قدمن نحو خمس وثلاثين لوحة بمقاسات مختلفة، تتناول مواضيع متنوعة.
تنتمي أغلب أعمال سلام الأحمد إلى الواقعية التعبيرية وتعدّد الخامات في الرسم والتصوير ما بين الإكريليك والزيت والفحم، وتتمحور موضوعاتها بين مواضيع المرأة والبيئة بما تحمله من رسائل جمالية وإنسانية متنوعة. تقوم لوحات سلام على مشهد بصري يتماهى بعده الجمالي مع الحامل الفكري المعبّر عن مكنونات النفس البشرية المتعبة، فهي تقدم الوجوه كمرآة عاكسة لما يعتمل في داخلنا، ولاسيما المرأة التي تحتلّ الحيّز الأكبر من اهتمامها، حيث يشدّنا حضورها إلى مجالات أبعد من التعبير الجمالي إلى عوالم تغوص عميقاً في تفاصيل القضايا الاجتماعية التي تؤرّق حياتها، وتمنحها ملامح لا تخلو من الكآبة، سواء في اللون أو التقاطيع التعبيرية التي تحيلنا إلى حالة الانكسار والأسى التي تقيّد حركتها وتجعلها منطوية على ذاتها مثيرة للشفقة والعطف.
ولا تبتعد الفنانة المجدّدة محبة ليون أيضاً عن تلك الأجواء، حيث تتبنى بالريشة والألوان هواجس الأنثى الجمالية والانفعالية، فتظهر قوتها تارةً، إلى جانب تصوير حزنها وانكسارها تارة أخرى. لوحاتها مشبعةُ بالألوان الحارّة والباردة بتدرجاتها كالأحمر والأصفر والأزرق النّيلي، بعيداً عن المساحات الرّماديّة الفارغة.
تصوّر المرأة بأسلوبها الخاصّ الذي يعتمد على التبسيط والشّفافيّة في إخراج العمل الفني، وفي بعض الأحيان تحضر المرأة بخصوصية الشّكل واللّون والاختزال بكلّ انفعالاتها للوصول إلى المتلقي بكلّ صدقٍ وشفافيّة. لا تؤطر محبة نفسها في موضوع محدّد بل تحرص على التجديد والتنوع في الأسلوب والشكل، ومنح الخيال حرية الإضافة والقفز فوق الواقع عبر إبراز الملامح الجمالية للبيوت والحارات القديمة بعيداً عن الأسلوب التسجيلي الجامد، منتقلة بين البحر والطبيعة مستخدمة في لوحاتها المدرسة التعبيرية والواقعية أحياناً.
وتشارك الفنانة التشكيلية ميساء علي بخمس لوحات مختلفة الأحجام يطغى عليها الأسلوب التعبيري والانطباعي وتقنية الزيتي على القماش، جسّدت فيها واقع المرأة والبيئة بمفرداتها البصرية التشكيلية وهواجسها الانطباعية التي تمثل برأيها الحالة التشكيلية النموذجية من حيث الألوان والمواضيع.
يستطيع المتلقي أن يميّز أعمالها الفنية من لوحاتها، فهي تمثل وجوهاً وشخصيات بتعابير مختلفة مع علاقات تشكيلية ببعض العناصر قد يجد فيها المتلقي رسالة تعبيرية، وقد تقترب من الانطباعية أحياناً أخرى، إلا أن الأهم الرسالة البصرية الفنية التي توحي بالانتظار والترقب، وأحياناً الحزن والملل وربما أشياء أخرى، اللوحة عندها تشبه الإنسان الذي رسمها، تتغيّر بتغيره، فتفرح لفرحه، وتحزن معه من خلال اللون والخط والتشكيل الفني.
وتتجاور وتتلاقى الواقعية والتجريدية، والتعبيرية عند الفنانة كارمن شقيرة ضمن أنساق متناغمة تقنياً وتشكيلياً، تحرص فيها على التجديد في استلهام الواقع برؤية عاطفية، وأسلوب شاعري يتجلّى تفاهماً غير مجاني بين الريشة واللون، لإعادة خلق الطبيعة بتجلياتها المتعدّدة ضمن احتفالية لونية مثقلة بالمضامين الهادفة، إلى جانب البورتريهات المعبّرة عن انفعالات إنسانية تفرضها الحالة الراهنة للبيئة المحيطة، والتراث السوري بتطوراته الزمنية المتلاحقة، سواء ذلك المرتبط بالعمارة المدنية القديمة، وما يتميّز به من جمال تشكيلي ملهم، وارتباط عاطفي إنساني متوارث، أو الريف بما يزخر به من جمال وبساطة يعكسها انسياب لوني هادئ تتقدمه ألوان الأبيض والأصفر والأخضر التي تمنح اللوحة قراءات وانزياحات تحرك سكون الواقع، كما تجسّد شقيرة حال المرأة الحالمة والتواقة إلى الحرية والانعتاق من أسر القيود الاجتماعية.
التشكيلية بشرى ديوب تبحث عن التفرّد في الاشتغال على دلالات اللون وجمالية الحرف في لوحات من المدرسة التجريدية الحروفية، التشكيل الفني لديها يضع المتلقي أمام قراءات متعدّدة تحيله إلى حالة من الدهشة في البحث عن دلالات ما وراء المساحات العفوية حيناً والمشغولة بعناية فائقة حيناً آخر.
استخدام الحرف العربي كمفردة تشكيلية في اللوحة ضمن الإطار التزييني الفلكلوري تتماهى مع بقية المفردات الأخرى ضمن اللوحة التجريدية.