الهدنة عرّت الكيان وجودياً
تقرير إخباري
كشفت الهدنة المؤقّتة التي فرضتها المقاومة الفلسطينية على الكيان الصهيوني بشروطها كاملة، هشاشة هذا الكيان وعجزه عن مجاراتها حيث خطّطت لمعركتها جيّداً، وعلمت سلفاً أن الاحتلال عاجز تماماً عن كسب معركة طويلة معها أو تحقيق أيّ نصر يمكن أن يقدّمه قادته على طاولة الانتخابات التي يسعى جميع المسؤولين الإسرائيليين “لصرف” هذا الانتصار فيها، إن صحّ التعبير.
بل إن هذه الهدنة عرّت جميع نظريات التفوّق لدى الاحتلال، حيث تسرّب القلق الوجودي إلى ما يسمّى “الجبهة الداخلية” من أن عليها التفكير حقيقة في الآلية التي تمكّنها من العودة إلى الدول التي جاءت منها، وذلك على خلفية انكشاف عجز قادة الاحتلال مع كل الدموية والإجرام اللذين يتمتعون بهما عن حمايتها أو ضمان الأمن لها، بعد انهيار المنظومة الأمنية الصهيونية على خلفية “الطوفان” حتى لو لم يعترف بذلك.
فالرهان على قدرة الاحتلال على تركيع المقاومة ودفعها إلى الاستسلام من خلال الإمعان في المجازر الصهيونية وحرب الإبادة على سكان غزة، سقط سقوطاً ذريعاً مع مشاهد الدبابات والآليات الإسرائيلية المدمّرة في شوارع القطاع، الأمر الذي دفع الصهاينة تحت ضغط الميدان، وليس “الجماهير” كما ادّعى، إلى الموافقة على الهدنة بشروط المقاومة، بعد أن رفع رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو السقف عالياً بالقضاء عليها وفرض استسلامها.
فقد قالت وسائل إعلام إسرائيلية، نقلاً عن الوزير الإسرائيلي، جدعون ساعر: إذا “بقيت حماس في نهاية الحرب واقفة على قدميها، فيعني ذلك أننا فشلنا فشلاً ذريعاً”، وهذا اعتراف واضح بالهزيمة، أكّده حاييم يلين، وهو مسؤول في غلاف غزة بقوله: إنّ رئيس حركة “حماس” في غزّة، يحيى السنوار، “يسخر بالإسرائيليين كل الوقت”.
فالمقاومة تعرف كيف تستفيد من الوقت في تنظيم صفوفها وقراءة المشهد الحالي على الأرض، ولديها قدرة استخباراتية عالية اعترفت بها صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، حيث راكمت قدراتها منذ ما قبل عملية “طوفان الأقصى” يوم السابع من تشرين الأوّل الماضي.
وكشف محلل الشؤون العسكرية في الصحيفة، يوسي يهوشع، عن وجود وثائق لدى كتائب القسّام، تتضمّن تفاصيل هيكلية لواء المظليين في “الجيش الإسرائيلي”، وتركيبته الاجتماعية أيضاً، بالإضافة إلى صور قائد اللواء السابق وضباط آخرين، فضلاً عن الأجهزة التي حصلت عليها من المواقع الصهيونية أثناء العملية والتي تحتوي مئات الخطط والمؤامرات والمعلومات حول المنطقة عموماً.
أمّا منظومة الأنفاق، التي شكلت محور اهتمام الاحتلال خلال أعوام طويلة بسبب أهميتها بالنسبة إلى قدرات المقاومة الفلسطينية، فوصفتها الصحيفة بـ”غير المسبوقة”.
وأقرّ ضابط في “جيش” الاحتلال بأنّ أنفاق المقاومة، شمالي قطاع غزّة، أي تلك الأقرب إلى الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة، كانت “عميقة وطويلة وعملياتية بصورة مغايرة جوهرياً عمّا قدّرته الاستخبارات الإسرائيلية”.
وهذا كلّه يعكس حجم التخبّط بين قادة الاحتلال الذين اعتقدوا للوهلة الأولى أن باستطاعتهم هزيمة المقاومة وتركيعها من خلال التركيز على المدنيين، في الوقت الذي عملت فيه مشاهد الفيديو المنقولة من الميدان على تعريتهم وفضحهم وإجبارهم على الاعتراف بطعم الهزيمة البرية، حتى لو كان ذلك عبر هدنة ادّعوا أنهم سيستأنفون الحرب بعدها، ولكن..
طلال ياسر الزعبي