وزير الدفاع الأمريكي و”جيش نبش القبور”
أحمد حسن
في الحروب، وذلك درس تاريخي تكرّر مراراً، تحلّ “الإنسانية” فجأة على الطرف الخاسر عموماً، لكن ليس نتيجة استيقاظ متأخرة لضمير لم يعرف اليقظة أبداً، بقدر ما هي محاولة ذئبيّة، مكشوفة، لشراء “البراءة” المتأخرة من دم الضحية، وتلك حال وزير الدفاع الأمريكي الذي بات الآن يطالب “إسرائيل” بضرورة زيادة المساعدات الإنسانية لغزة، ووجود مناطق آمنة لتلقي المساعدات في أنحاء القطاع، فيما كان يقف سابقاً، هو وإدارته، في وجه أغلبية العالم، ويرفض بـ “إباء” مجرد الحديث عن وقف مؤقت لإطلاق النار لإدخال هذه المساعدات إلى القطاع المنكوب.
بيد أن الحروب ذاتها – وذلك درس تاريخي أيضاً – تكشف وتعرّي المجرم من قشرته “الديمقراطية” الحضارية لتظهره على حقيقته الأولى التي يحاول، وحلفائه، التستّر عليها عبثاً.. هكذا، وبالتوازي مع “استيقاظ” ضمير هذا الوزير الأمريكي، كانت منظمات دولية تستيقظ على اكتشاف قيام “إسرائيل” باحتجاز جثث الشهداء الفلسطينيين، ليس كي تبادل بهم أسراها وقتلاها، بل كي تسرق أعضاءهم الحيوية – بعد أن سرقت حياتهم ووطنهم – للمتاجرة بها في سوق الأعضاء البشرية الدولي، الذي ترعاه بلد وزير الدفاع الإنساني هذا.
وبالتأكيد فإن هذه “المنظمات” لا تتجنّى على “إسرائيل” التي تصنّف كأكبر مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية بشكل غير قانوني، فقد سبقتها الطبيبة الإسرائيلية، مئيرة فايس، التي كشفت في كتابها (على جثثهم الميتة) عن سرقة أعضاء من جثث شهداء فلسطينيين (قرنية العين وقوقعة الأذن، والكبد والكلى والقلب وأنسجة وجلد) لزرعها في أجساد مرضى إسرائيليين، واستعمالها في كليات الطب في الجامعات الإسرائيلية لإجراء الأبحاث عليها.
وأكثر من ذلك، فإن “الجيش الذي لا يُقهر” لم يكتف بسرقة جثث الشهداء من أرض المعركة فقط، بل عمد أيضاً إلى نبش المقابر بحثاً عنها، كما فعل مؤخراً عندما “نبش مقبرة جماعية جرت إقامتها قبل أكثر من عشرة أيام في إحدى ساحات مجمع الشفاء الطبي، واستخراج جثث القتلى منها واحتجازها”.
بيد أن الأمر لا يتوقف على ذلك، لأن جرائم جيش نبش القبور هذا لا تُعدّ ولا تُحصى، لكن اللافت أن استيقاظ ضمير وزير الدفاع الإنساني كان، كعادته، انتقائياً، فهو على ما يبدو لم يسمع سابقاً باعتداء “إسرائيل” على مطار دمشق الدولي بعد الزلزال الكبير الذي ضرب سورية أوائل هذا العام، وبالتالي ارتكاب جريمة قطع شريان المساعدات الإنسانية التي كانت موجهة نحو المتضررين من الزلزال؛ وذلك ليس أمراً مفاجئاً، لأن هذا الوزير ذاته، ورئيسه في البيت الأبيض، هما من يحاصر السوريين، قبل الزلزال وبعده، بلقمة عيشهم وعبوة دوائهم ومقدرات حياتهم عبر احتلال عسكري سافر لمناطق ثرواتهم وعقوبات اقتصادية جائرة وغير شرعية على بقية المناطق الأخرى.
خلاصة القول: لا يستطيع هذا الوزير “الإنساني” بمجرد مطالبة كلامية أن يتنصّل، وإدارته، مما اقترفت أيديهما بحق الغزاويين وأهل فلسطين كلها، ومعهم وقبلهم وبعدهم السوريون الذين يعاقبون اليوم لأنهم ما زالوا يمسكون بيدهم جمر القضية الفلسطينية، ويرفعون رايتها عالياً، ويؤمّنون لها، وباعتراف الجميع، وبأكثر من طاقتهم، ما أوصلها إلى ما هي عليه اليوم من قدرات وإمكانيات؛ وذلك قدر السوريين ومعجزتهم التي لن يتوقفوا عن اجتراحها يوماً واحداً رغم الاعتداءات المتكررة على مرافقهم الحيوية، وعلى سبل حياتهم كافّة أيضاً، لأنهم من الأرض التي “لا تقيس الزمن بالأيام والشهور والسنين، بل بالإمبراطوريات التي شهدتها تقوم، وتزدهر، وتندثر إلى خرائب”، وذلك مصير “الوزير” و”جيش نبش القبور” القادم أمام أعين دمشق المستيقظة دائماً وأبداً.