دراساتصحيفة البعث

“صوت البريكس” من أجل السلام في غزة

عائدة أسعد

عقدت مجموعة البريكس اجتماعاً استثنائياً مشتركاً عبر الإنترنت بشأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يوم الثلاثاء الماضي. وعلى الرغم من أن الدول الأعضاء لديها اختلافات طفيفة في وجهات نظرها، إلا أنها أصدرت إعلاناً مشتركاً يدعو إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار، وتجنّب المزيد من امتداد الأزمة، ويطالب بإنهاء الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان ما يُسمّى بالمجتمع الدولي وما يُسمّى بوسائل الإعلام الرئيسية يقرّر ما هو الصواب، وما هو غير الصواب بالنسبة للعالم، ولكن السرد لكل أنواع المواقف كانت عدد قليل من الدول الغربية تحدّده. ونتيجة لذلك، لم يصبح العالم مستقراً أو مسالماً أو مزدهراً، بل على العكس من ذلك، فقد ساء الوضع الدولي، وأصبح أكثر اضطراباً، وشهد المزيد من الصراعات والحروب، كما أدى إلى زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي أيضاً.

إن العالم يواجه حالياً أزمات في أوكرانيا وغزة، فلماذا وصلت هذه الأمور إلى هذا الحدّ، وفي أي اتجاه يجب أن يتجه العالم؟ كل هذه الحقائق أجبرت العالم على التفكير بشكل أعمق، وكشف ازدواجية المعايير المتناقضة لدى البعض، ومدى سهولة انتشار الأخبار المزيفة.

وفي ظلّ هذه الخلفية، نظّمت جنوب أفريقيا، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجموعة البريكس، هذا الاجتماع المشترك الاستثنائي الأول عبر الإنترنت حول الوضع في غزة، وقد أظهر صوت مجموعة البريكس بهذا الشأن أنه يمكن للجنوب العالمي اتخاذ قراراته الخاصة على أساس فهمه الخاص للأحداث، ويمكن أن يوقظ العالم على حقيقة أنه إلى جانب مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، هناك صوت آخر في هذا العالم، وهو “صوت البريكس”.

وأرسل الاجتماع الخاص عبر الإنترنت حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي عقده قادة أعضاء مجموعة البريكس والقادة المدعوين رسالة واضحة وصاخبة، تختلف عن رسالة ما يُسمّى بالمجتمع الدولي التقليدي، ولكنها نيابة عن غالبية البلدان النامية، وأظهر الاجتماع أنه بعد توسعها، يمكن لآلية البريكس الاستجابة بشكل أكثر نشاطاً للقضايا الإقليمية والدولية، كما تمّ تعزيز دورها وتأثيرها في الحوكمة العالمية.

وإذا كان لآلية البريكس، المصطلح الذي صاغه الاقتصادي جيم أونيل من بنك غولدمان ساكس، تأثير محدود في أيامها الأولى، فلا يمكن تجاهل مجموعة البريكس اليوم، فهي تمثل الآن أصواتاً عبر القارات تسعى إلى العدالة والإنصاف، ولا يمكن للعالم أن يتجاهل اقتراح السلام والأمن الذي تدعمه، كما أن المخاوف بشأن الحرب والأمن والهجمات الإرهابية والانفصالية والتطرف وغيرها من القضايا تتصدّر جدول أعمال أعضاء البريكس ليتكشّف أن التوق إلى السلام والتنمية أكثر إلحاحاً ومباشرة في الجنوب العالمي منه في البلدان المتقدمة.

تجدر الإشارة إلى أن دول البريكس، في سياق النمو الاقتصادي العالمي الضعيف، أصبحت قوة مهمّة في إخراج الاقتصاد العالمي من المشكلات، حيث يتجاوز حجم اقتصاد أعضاء البريكس حجم اقتصاد مجموعة السبع، كما أن الاقتصادات الناشئة التي ساهمت بأكثر من 50 في المائة في النمو الاقتصادي العالمي في السنوات العشر الماضية لديها أفكار مختلفة عن الغرب حول كيفية خروج الاقتصاد العالمي من المشكلات، كما يثبت التطور السريع الذي تشهده الصين والهند ودول البريكس الأخرى نجاح هذا الاقتراح.

لقد جعل أعضاء مجموعة البريكس العالم مختلفاً، فجلبوا المزيد من الخيارات وشعاعاً من الضوء وسط الكآبة وأصبحوا حقاً صوتاً مهمّاً يدعو إلى السلام والأمن العالميين. يعدّ هذا الاجتماع عبر الإنترنت بداية جيدة لـ”تعاون البريكس” الذي ستزداد عضويته اعتباراً من كانون الثاني 2024 مع إضافة ستة أعضاء آخرين.

ويعتبر الاجتماع الاستثنائي المشترك عبر الإنترنت مجرد البداية، ومع انضمام المزيد من الأعضاء إلى المجموعة، سيجعل أصوات دول البريكس أعلى، وهذا سيزيد من نفوذها في العالم.

إن الهدف الاستراتيجي لمجموعة البريكس ليس التنافس مع الغرب، ولكن صوت دول البريكس من هذا الاجتماع عبر الإنترنت يظهر بوضوح أنه لدى النظام الدولي الحالي  قدر معيّن من اللاعقلانية، وأن دول الجنوب العالمي تسعى جاهدة لتقديم نموذج جديد وصوت مشترك، وأن يكون لها رأي وتأثير أكبر في الشؤون الدولية.

لا يزال النصف الشمالي من الكرة الأرضية ينتظر شتاءً طويلاً، لكن الجليد مليء بالشقوق، ومع انضمام المزيد من الدول الأعضاء إلى البريكس، سوف يرتفع صوت البريكس، مما يعني حلول الربيع عاجلاً وليس آجلاً.