نالت الأغنية الفلسطينية المساحة الأكبر والقسط الأوفر من اهتمام العرب
فيصل خرتش
مع الأيام الأولى لوقوع النكبة عام 1948 بدأت الأغنية العربية توجّه اهتمامها نحو القضية الفلسطينية، وطالبت بتحرير الأرض من أيدي الصهاينة، وعودة الشعب المهجّر إلى أرضه، وسنتناول الأغنيات التي تناولت القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة العربية، وتحدَثت عن مأساة الشعب الفلسطيني في ظلَ التشرد، ونركز على عروبة فلسطين وحق العودة إلى أرض الوطن المغتصب.
لقد تركّزت الأغنيات عن فلسطين في مصر ولبنان وسورية، بسبب الحركة الفنية النشيطة في هذه الدول، بينما كانت بقية الدول العربية تعاني من الاستعمار بتسمياته المختلفة، وأول شاعر متفاعل مع القضية الفلسطينية كان علي محمود طه، فقد نظم قصيدة (فلسطين) وتلقفها الموسيقار محمد عبد الوهاب فلحنها وغناها بصوته.
وفي نشيد (ناصر كلنا بنحبك) وهو من كلمات حسين السيد مقطع عن فلسطين، وفيه تأكيد على عودة المهجَرين إلى أرضهم بقوة السلاح.
وفي نشيد (أكبر حب) كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب مقطع يؤكد على عودة الفلسطينيين إلى أرضهم. وهناك مقطع يتحدث عن فلسطين، وقد كتب كلمات نشيد (وطني الأكبر) حسين السيد ولحنه عبد الوهاب، وغنته فايدة كامل.
كتب كلمات (يا مجاهد في سبيل الله) بيرم التونسي ولحنها رياض السنباطي وغنّتها سعاد محمد، وكلمات الأغنية تحضّ المقاتلين الذاهبين إلى فلسطين وتحثّ العرب على الدفاع عن فلسطين.
وقد كتب الأخطل الصغير قصيدة (وردة من دمنا) رآها فريد الأطرش منشورة في إحدى الصحف، فقام بتلحينها وغنائها وكانت من أبرز أعماله، وتلحينه جاء متناسباً مع معاني الأبيات، فقد بدأ بمقدَمة كلاسيكية ثمَ اللحن الحزين وفي المقطع الأخير يتحوَل إلى حماسي حتى النهاية.
وكذلك ورد ذكر لفلسطين في نشيد (المارد العربي) كلمات مأمون الشناوي ولحنه وغناه فريد الأطرش.
وأغنية (يا مرحبا بك يا جمال) التي لحنها وغنَاها فريد، وشاركته في الغناء فايزة كامل، ففي المقطع الأخير يبارك بعودة اللاجئين.
والشاعر نزار قباني الذي خرج من مخدع الحريم ليرتدي زي مقاتل، وكان ذلك بعد النكسة فكتب قصيدة (طريق واحد) اشتهرت بـ(أصبح عندي الآن بندقية) ونشرتها الصحف، قرأتها أمُ كلثوم وأعجبت بها وقرَرت غناءها، خاصة وأن العمليات الفدائية كانت تؤجج الشارع العربي، فأخذتها منه ولحنها محمد عبد الوهاب فأودع فيها كلَ مشاعر الحماس، فكانت بمثابة المنشور السياسي للشعب العربي.
وغنّت أمُ كلثوم العديد من الأناشيد والأغاني التي فيها ذكر لفلسطين من أهمها نشيد (راجعين بقوة السلاح) من كلمات صلاح جاهين وتلحين رياض السنباطي، وقد ظهر بعد حرب الاستنزاف بعد نكسة حزيران، وكذلك في (الثلاثية المقدسة) من كلمات صالح جودت وألحان رياض السنباطي، ففي المقطع الثالث ذكر للمسجد الأقصى واحتلاله من قبل الصهاينة.
وورد ذكر فلسطين في أناشيد وأغنيات أخرى، مثل: (يا حبنا الكبير) كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان رياض السنباطي وغناء أمُ كلثوم في عيد الثورة 1965، ونشيد (قوم بإيمان وبروح وضمير) كلمات عبد الوهاب محمد وألحان رياض السنباطي، ونشيد (سقط النقاب عن الوجوه الغادرة) ألحان بليغ حمدي وغناء أمُ كلثوم.
وتبدأ أغنية (المسيح) بوصف معاناة السيد المسيح وعذاباته على يد اليهود في طريق الآلام لتصل إلى تشبيه كلَ فلسطيني بالمسيح، وكما أبدع عبد الرحمن الأبنودي في كلمات الأغنية أبدع بليغ حمدي في تلحينها، فكان اللحن معبراً عن مضمون الكلام واستخدم إلى جانب صوت عبد الحليم حافظ كورالاً ضخماً من أجل إعطاء قوة وتأثيراً لبعض العبارات.
أولى أغنيات عبد الحليم الوطنية التي أنشدها عام 1955 (ثورتنا المصرية) كلمات مأمون الشناوي وألحان رؤوف دهني، وفي المقطع الرابع يؤكَد على عروبتها وتحريرها من الصهاينة. وكذلك في نشيد (وطني الأكبر) كلمات أحمد شفيق كامل وتلحين عبد الوهاب، ومشاركة عبد الحليم بالغناء، ونجد في المقطع الأخير ذكر لفلسطين.
وفي دمشق عام 1961 بمناسبة عيد الوحدة أقيم حفل أضواء المدينة وشارك عبد الحليم في أداء نشيد (الثأر) كلمات أحمد شفيق كامل وألحان علي إسماعيل وفيه يغني عبد الحليم لفلسطين، وفي 23 من تموز عام 1960 أقيم حفل في نادي الضباط وقد قدم عبد الحليم أغنية (ذكريات) كلمات أحمد شفيق كامل وألحان عبد الوهاب، وفي سياق الأغنية يتحدَث عن معاناة الشعب الفلسطيني على يد الصهاينة، وفي حفل أقيم بمناسبة العيد العاشر لثورة تموز غنّى عبد الحليم (مطالب شعب) كتب كلماته أحمد شفيق كامل ولحنه كمال الطويل، وفيه يطالب عبد الحليم الرئيس عبد الناصر بتحرير فلسطين وعودة الشعب المهجر إلى أرضه.
كتب لسيد مكاوي أغنية (أنا العطشان ماليش ميه إلا فلسطين) الشاعر فؤاد حداد، وقد وضع فلسطين في قلب الأمة العربية.
اتصفت أعمال الأخوين رحباني عن فلسطين بالمستوى الموسيقي الرفيع واللغة الأدبية الراقية والأداء المعبّر، والأسلوب اللغوي للرحابنة تراوح ما بين الرمزية والمباشرة، فقد استعارا لغة فلسفية تستعير الرموز التي تعبَر عن الحالة، كما في (جسر العودة) و(راجعون)، اللتين غنتهما المطربة فيروز، أمَا الأعمال المباشرة، ففيها ذكر واضح لفلسطين، وفيها كلام واضح عن اللجوء والتشرد، كما في عبارة: الطفل في المغارة وأمه مريم/ وجهان يبكيان/ لأجل من تشردوا/ لأجل أطفال بلا منازل.
وكذلك الأمر بالنسبة للشعب الفلسطيني: الآن.. الآن وليس غداً/ أجراس العودة فلتقرع، كما ركزت على أرض فلسطين مهد الديانتين: المسيحية والإسلامية، ويظهر ذلك في أغنية (زهرة المدائن) تعانق الكنائس القديمة/ وتمسح الحزن عن المساجد، وفي مغناة (راجعون) يردّد الكورس مع فيروز عبارة (راجعون)، ويتكرَر هذا في (زهرة المدائن) وفي أغنية (الآن وليس غداً) تعلن فيروز أنَ الغضب وحده هو السبيل للعودة.
ضمن مجموعة أغنيات عن فلسطين، جاءت أغنية (غاب نهار آخر) إلى جانب (أذكر يوماً كنت بيافا) و(بيسان) و(سنرجع يوماً إلى حيّنا) الأغنية مليئة بالحزن رغم مسحة التفاؤل التي تنتهي بها.
كان الفنانون السوريون أوَل من تفاعلوا مع القضية الفلسطينية، عبد الغني الشيخ، (يا فلسطين جينالك) والكلمات كلٌها نخوة، تدعو العرب ليهبوا لنجدتها، واختار الفنانة سهام رفقي لتغنيها، وأذيعت من إذاعة بيروت في عام 1940، ثمَ سافر إلى مصر واستقر فيها وقد غنَى له المطرب كارم محمود نشيد (بكرة الثأر) وفيه يدعو العرب إلى الثأر من الصهاينة واستعادة الأرض المغتصبة.
شغلت القضية الفلسطينية اهتمام الفنان سلامة الأغواني، وإحساسه جاء مبكراً، ففي الثلاثينات من القرن العشرين نظم مونولوجاً عن المأساة التي بدأت ملامحها تظهر، يقول فيه: (رب تساعد رب تعين هالمظلومة فلسطين)، وقد كتب مونولوجاً بعنوان (استهتار مجلس الأمن) قدَمه الأغواني عبر صوته من إذاعة دمشق عام 1948 في 30 من أيار.
والفنان رفيق شكري له إسهامات في الغناء عن فلسطين، وقد لحن مجموعة من الأعمال التي توزَعت ما بين أغنية ونشيد واسكتش، فجاءت معبّرة عن الأمل بالعودة والتصميم عليها، منها، نشيد: (قسم العودة) الذي كتب كلماته الشاعر عمر الحلبي، وكذلك أغنية (ما بنساكي يا فلسطين) كلمات أمين رضا، وأغنية (الجهاد) للشاعر سليمان العيسى، وفيه تأكيد على التضحيات والكفاح المسلح، وهناك بعض الاسكتشات، والمطرب والملحن نجيب السراج من أكثر الفنانين السوريين تلحيناً وغناءً لفلسطين، من ذلك قصيدة (ترى هل نعود؟) وقصيدة (سنعود) التي غنتها فايزة أحمد من ألحانه، ومن القصائد (فلسطين) من شعر أحمد الجندي وغنتها ماري جبران، ولحن قصيدة (سائل العلياء) للشاعر بشارة الخوري، ولحن نجيب السراج (أنا الفدائي) من شعر بندر عبد الحميد وغناها بصوته، و(الفدائي) وغناها (أيضاً بصوته من شعر نجاة قصاب حسن، ولحن (اسأل الجرح) لسميح القاسم، (وطني) و(نداء سجين) وهما للشاعر محمود درويش.
الفنان عبد الفتاح سكر وضع عدَة ألحان عن فلسطين، أهمها: (موَال من بلدي) كتب كلمات الأغنية ظافر الصابوني وغناها فهد بلان، وكذلك (أرضنا الحزينة) و(من عشرين سنة) وهي تتحدَث عن القدس وصبرا وشاتيلا.
ولحن الفنان سهيل عرفة عن فلسطين، فقد لحن قصيدة (إي فلسطين) شعر عاصم الجندي وغناء مصطفى فؤاد، ولحن قصيدة (الزحف الكبير) شعر صالح هوَاري، ولحنها بأسلوب النشيد، فالمقدمة قصيرة لكنها قويَة وحماسية، وشاركه في الغناء المطرب مصطفى نصري، كما لحن أوبريت (الغضب) للشاعر يوسف الخطيب، وشارك في الغناء هيام محمد وسحر، وفيها يشيد بنضال الشعب الفلسطيني من أجل استرداد أرضه، وفي أغنية (من قاسيون أطلّ يا وطني) من نظم خليل خوري، وغناء دلال شمالي يؤكد المقطع الأخير عل عودة الأرض المغتصبة.
الفنان شاكر بريخان شارك بأغنية (روح يا وحيد) وغناها الفنان رفيق سبيعي، وفيها يطالب ابنه الوحيد بأن يذهب إلى ساحة القتال ليجود بروحه، ولحن أيضاً (كلّ عام وأنتم بخير) وهي تؤكد أنَ فرحة العيد لا تكتمل إلا بالتحرير.
الفنان سمير كويفاتي لحن (أجراس بيت لحم) للشاعر يوسف الخطيب وغنّتها ميادة بسيليس، جاءت لوحة صادقة لما يحدث في فلسطين، وأداؤها جاء مميزاً، فاستعملت القرار في لحظات الحزن والجواب في مواقع الانفعال.
كانت القضية الفلسطينية تشكل محور اهتمام العرب، من المحيط إلى الخليج، وسيظلون ينادون باسمها حتى تتحرّر من يدي المغتصبين.