” حكاية في دمشق” بين الحرب والحب والتراث
ملده شويكاني
“لا تنتظروا، كل الذين انتظروا تعلقوا بالماضي، وخافوا من المستقبل” هذا ما قاله الفنان حسن عويتي في حواره مع زياد –لجين إسماعيل-على مقربة من قوس باب شرقي في الوقت الذي كانت فيه الأمطار تنهمر بغزارة.
وقد اختزل بمقولته رسالة فيلم حكاية في دمشق، بتوقيع المخرج أحمد إبراهيم أحمد وسيناريو سماح القتال، إنتاج المؤسسة العامة للسينما، والذي عُرض في جلسة النادي السينمائي في صالة الكندي بالتعاون بين مؤسسة أحفاد عشتار والمؤسسة العامة للسينما، بإشراف الكاتب والمخرج وليم عبد الله.
دمشق القديمة وتراثها
والملفت أن الصورة البصرية تفوقت على السيناريو وكانت الحامل الأساس لرسم الشخصيات وتفاصيل الأحداث، فبدا المخرج أحمد إبراهيم أحمد رساماً رسم تفاصيل حكايات صغيرة تتشابك وتتصل بدمشق بطرازها المعماري بجزئيات بيوتها بالحارات القديمة والأزقة متكئاً على تراثها المادي واللامادي الذي كان شريك البطولة، فرغم الحوارات الصغيرة وكشف الأحداث للمشاهد منذ المشاهد الأولى إلا أن الفيلم لم يفقد بريقه وشدت الكاميرا المشاهدين إلى تسلسل الأحداث التي مضت برتم بطيء.
غسان مسعود والعود
ولاشك بأن أداء البطل الفنان العالمي غسان مسعود- العم وجيه- كان الورقة الرابحة بإنجاح الفيلم، إضافة إلى الموسيقا التصويرية التي ألّفها الموسيقي طاهر مامللي، وأفرد فيها فواصل لعزف المبدع محمد سبسبي على العود الذي ارتبط بتاريخ دمشق وحضارتها وتراثها.
الحياة الطبيعية والحرب
تدور أحداث الفيلم في زمن الحرب الإرهابية على سورية، إلا أن المخرج تعامل بفنية غير مباشرة مع الحرب من خلال سماع أصوات القذائف وانقطاع التيار الكهربائي ودور مجد الذي استشهد في نهاية الفيلم، ووظّف المخرج مشهد استشهاده بطريقة مؤثرة، مبتعداً عن مشاهد المعارك ونشرات الأخبار والحوارات الدائرة عن الحرب، تاركاً كاميرته تصوّر لقطات مطوّلة لسير حياة طبيعية عاشها السوريون يومياً رغم قساوة الحرب.
وقد أوحى مشهد الطفلة داخل النيران الذي تكرر خلال الفيلم مرات عدة بقذيفة، إلا أن الأحداث كشفت سريعاً بحديث وجيه عن موت ابنته سلمى وحفيدته نور إثر حريق شب بالمنزل نتيجة ماس كهربائي وألقى المسؤولية على زوجها، لاسيما أنه مهندس كهرباء.
فأصيب وجيه إثر تعرضه لهذه الصدمة الكبيرة بمرض نفسي يعرضه للنسيان أحياناً وللتناسي في أحيان أخرى وللتعلق بالماضي والانفعال، فاضطر زياد إلى الاهتمام به واحتمال كل سلوكياته وانفعالاته الغاضبة.
البيت الدمشقي
تدور الأحداث في إحدى حارات باب شرقي من خلال لينا –جيانا عنيد- البطلة الشابة التي تعيش وحيدة، يتيمة ربتها جدتها في بيتها الدمشقي الكبير فتعلمت منها أسرار المرأة الدمشقية وحكاياتها وكل ما يتعلق بالأعمال اليدوية التراثية –الكروشيه- ترتبط بقوة بالمكان بالبيت الذي سجلته جدتها باسمها.
فتدخل الكاميرا إلى أجواء البيت الدمشقي وتصوّر كل أركانه ابتداءً من البحرة إلى سطح المنزل، وتسرد لينا عبر المنولوج حواراتها الخفية مع جدتها” في البيوت أرواح تسكنها ونتحاور معها” يتردد وجيه على محلها الذي تبيع فيه مشغولاتها وهدايا صغيرة ليعزف على العود ويحدثها عن زوجته الراحلة ” كانت أجمل من وردة الجزائرية تغني وتحب العزف على العود، لذلك تعلمت على العود” وتقع لينا بغرام زياد الذي يعيش صراعاً بين وفائه وحبّه لزوجته وبين اختناقه ومحاولته تلمس طريق جديد من خلال إعجابه بها، وفي الوقت نفسه مسؤوليته تجاه عمه والد زوجته.
وتتصاعد الأحداث في مشهد المقبرة حينما يجد لينا وزياد العم وجيه يناجي قبر سلمى ويبكي، وبالتالي يرفض علاقة لينا بزياد.
دائرة الانتظار
وتتشابك بالفيلم شخصيات مساندة يكون لها دور بالحكايات مثل –رنا كرم- صديقة لينا التي تعمل بصالون تجميل بالقرب من محل لينا، ونجيب –غدير سلمان- الذي يحب لينا، يشكل هؤلاء الثلاثة دائرة صغيرة للصداقة داخل شخصيات الحارة والمارة، كي يوصل المخرج من خلال شخصياته المساندة رسالة دمشق القائمة على المحبة والسلام وحبّ الحياة.
الانتظار كان أيضاً أحد الرسائل التي باح بها حسن عويتي-عبد- الشخصية التي تشبه شخصية المراقب الخفي ” لا تنتظروا” ليصل المخرج إلى حقيقة أن الحياة مستمرة لا تقف عند أحد، وكل الذين آمنوا بحبّ الحياة والتكيف مع الواقع أوجدا لأنفسهم مكاناً أفضل من الانتظار مثل نجيب الذي ارتبط مباشرة بفتاة أخرى ولم ينتظر أن تشعر به لينا، عكس الشخصية التي أدتها أمانة والي إحدى زائرات صالون التجميل والتي وصلت إلى خريف العمر ولم تتزوج لأنها عاشت أسيرة حب لم تكتب له الحياة، وكذلك حبيبها الذي مات وحيداً.
موكب الشهيد
المشهد المؤثر هو الموكب الذي حمل نعش الشهيد البطل-مجد المحمد- خطيب ريم –رنا كرم- صديقة لينا وهي تتقدمه وترتدي ثوب الزفاف الذي اختارته لحفل زفافهما.
نهاية مفتوحة
ويترك المخرج النهاية مفتوحة فزياد لا يقوى على اتخاذ قرار الارتباط بلينا ” أنا شخص غير متوازن” ولينا تواجه عمها الذي رفع دعوى قضائية ضدها يطعن بملكيتها البيت، وترتدي الثوب الأحمر الذي اشتغلته بالسنارة وتحمل باقة ورود حمراء وتمضي في حارات باب شرقي إلى الشارع الرئيسي مرددة ” الحياة حلوة”.
وبعد العرض تحدث المخرج والكاتب وليم عبد الله مع جمهور النادي عن دمشق برمزيتها إلى سورية، وعن الفيلم الذي تناول حكايات داخل دمشق بين الرمزية والواقعية، مبيّناً التركيز على التصوير بلقطات من الأعلى في مشاهد بغية التعبير عن المشهدية الكبرى لدمشق.
كما نوّه إلى رسالة الفيلم بإيجاد حالات مختلفة للانتظار، وخسارة الذين بقوا على هامش الانتظار.
وتابع عن توظيف التراث الدقيق بالفيلم وجمالية شخصية جيانا عنيد التي تعمل بإطار التراث، وتناغمت شخصيتها مع دورها بأدائها الشفاف، ثم توقف عند مقولة الفيلم الدائرة حول حبّ الحياة.