عكس المطلوب!!
بشير فرزان
يبدو أن الكثير من القرارات الخاصة بإعادة إقلاع عجلة الإنتاج ما زالت بعيدة عن التنفيذ، رغم الحاجة الماسّة لها في هذه الظروف الصعبة التي تقلّ فيها الموارد المالية. وهنا نستذكرُ المخاض العسير للتصنيع الزراعي الذي يعدّ إحدى أهم الأقنية التي لا بدّ من تطويرها وتوسيعها بغية تحقيق قيمة مضافة للسلع الزراعية، وتوفير مورد مستمر للقطع الأجنبي، إلا أن الواقع الحالي لا يبشّر بأن الأمور تسير بالشكل الصحيح نحو التصنيع الزراعي، فحتى الآن لم يتمّ ربط الخطة الزراعية مع الخطة الصناعية بشكل صحيح، ولا تتمّ متابعة تنفيذ القوانين الناظمة لعمل القطاع العام الصناعي باتجاه منحه مزيداً من المرونة في متابعة تنفيذ الخطط الإنتاجية والاستثمارية، مع التشديد على مبدأ المحاسبة لتحقيق إنتاج حقيقي في مختلف الشركات.
وطبعاً، من المفترض، بعدما وصل إليه حال الصناعة بشكل عام والقطاع العام الصناعي بشكل خاص، أن يتغيّر دور وزارة الصناعة، ويرقى لمسمّى وزارة السياسات، بغية وضع سياسة عامة للصناعة بالتنسيق مع وزارة الزراعة، والاستفادة من المواد الأولية الموجودة، ومن الميزة النسبية التي تتمتّع بها بعض المواد الأولية الموجودة، والتي على أساسها تقوم صناعة تصديرية تؤمن قطعاً أجنبياً. ولكن ذلك يحتاج إلى قرار جريء يتمثّل بقيام القطاع العام بالاستغناء عن بعض الصناعات لصالح الخاص ليهتمّ العام بدوره بصناعات استراتيجية تصديرية تحتاجها الدولة، شريطة أن تكون قادرة على اتخاذ قرارات وإجراءات بشأنها، وإصدار مراسيم وقوانين تحمي هذه الصناعة وتمكنها من خرق الأسواق الخارجية، وهي خطوة يحتاجها البلد بعد انتهاء الحرب والحصار.
ولا شكّ أن استمرار الشكوى من قِدَم خطوط الإنتاج، وهي اليوم عاجزة عن إعطاء الجودة المبتغاة للمنافسة في الأسواق، يرتّب تكاليف أكبر بالصيانة وسوء المنتج التي تزيد بالتالي من التكاليف وارتفاع السعر الذي بدوره أيضاً يخرج السلعة من مضمار المنافسة، ولذلك لا بدّ من التقدم في مسار التجديد ووضع خطط للتسويق من خلال التشبيك المباشر مع وزارة الزراعة والاتفاق على طريقة التسويق كشكل وحجم ونوع العبوة والتغليف وكل ما يؤثر على ذوق المستهلك، إلى جانب دراسة السوق المستهدف، وهي خطوات يجب أن تتمّ قبل عملية التصنيع، فمثلاً القرار الصناعي يجب أن يتمّ بالتوازي مع دراسة كيفية عصر وتعبئة زيت الزيتون لاحتوائه على ميزات خاصة.
وللأسف، حتى الآن، لم تتمّ عملية الاستفادة من توفر المادة الأولية، كونها المرتكز الرئيسي لنجاح التصنيع الغذائي، حيث إن المشكلة تكمن بوضع الأولويات وتوزيع الأدوار ما بين القطاعين العام والخاص والعمل بحرية ضمن قانون واحد، ووضع خارطة زراعية للمرحلة المقبلة والتنسيق بين الوزارات، ولاسيما الزراعة ووضع روزنامة لأهم المحاصيل التي يحتاجها البلد لخمس سنوات، إضافة للتشبيك بينهما لإنشاء معامل للتصنيع الغذائي في مناطق مناسبة.
ومن المؤكد اقتصادياً أن تصنيع المنتجات الزراعية يمنحها قيمة مضافة، ويساهم في تشغيل يد عاملة محلية ويحقق موارد مالية بالقطع الأجنبي، لذلك لا بدّ من إيقاف عمليات تصدير أية مادة زراعية خام إن كان بالإمكان تصنيعها محلياً وبشكل يحقق قيمة مضافة ويساهم في تسويق المادة المصنّعة خارجياً، وهذه المعادلة الاقتصادية ما زالت تنفّذ على الورق تحت غطاء الواقع الصناعي والاقتصادي الصعب رغم وجود الكثير من الأوراق الرابحة في هذا المجال بيد الجهات المسؤولة، ولكن الاختيار دائماً يكون بعكس المطلوب رغم ضخامة خسائره!