مجلة البعث الأسبوعية

في ظل الظروف الصعبة.. علاقات اجتماعية مشوهة بالنفاق..

 البعث الأسبوعية – بشير فرزان

تعودنا مع كثرة الهموم والتحديات وتأزم العلاقات الاجتماعية على نوع جديد من التعامل لا يخلو من المجاملة والالتفاف حول الكثير من الأمور لصالح منافع “الأنا” وغيرها من الأساليب التي تشير بكل وضوح إلى تفاقم الظواهر والمشكلات الاجتماعية ما يؤكد انحدار المجتمع وبشكل سريع نحو النفاق الاجتماعي، الذي وصفته اختصاصية الفلسفة والمجتمع الدكتورة منى خطار بأنه آفة مرضية سلبية، لافتة إلى أن تلك الظاهرة ليست حديثة الولادة، فهي موجودة منذ القديم في ثقافتنا المجتمعية، وتزداد نسبتها انتشاراً في ظل الحروب والأزمات بسبب تخلخل منظومة القيم الأخلاقية واضطرار الناس لاستخدام أي وسيلة من أجل تأمين حاجاتهم الضرورية.

بين المجاملة والنفاق خيط رفيع، هكذا رآه معظم من التقيناهم، بينما رأى آخرون أنهما وجهان لعملة واحدة هي الزيف في المشاعر، حيث ترى ىسامية الفرواتي أن المجاملة ترياق الحياة، وضرورة لابد منها في مجتمعنا لكونها باتت وسيلة لكسب القلوب بغية تحقيق المصالح، وهي تختلف عن النفاق، كما ذكرت.

أما هناد يوسف فقالت: من خلال عملي كموظفة، وجدت أن هناك كثيرين يعتمدون على أسلوب النّفاق الاجتماعي، ليكون جسر العبور إلى مبتغاهم بطريقة غير مباشرة، ويتجلى هذا الأسلوب في البيئات التي يسود فيها التنافس بين الأشخاص لنيل حظوة أو تقلد منصب ما.

وبين الرأيين يقف منار الفرح الذي بات يمضي أيامه وحيداً بعد أن كان مكتبه لا يخلو من الناس قبل إحالته إلى التقاعد، فهو يعدّ المجاملة خطوة تصب في طريق النفاق الذي كان ولا يزال أداة تُسيّر الإنسان ومشاعره ومواقفه، حسب وضع ومكانة الشخص المقابل له.

وهنا تتدخل الدكتورة خطار لتبين أنّ هناك فرقاً بين المجاملة والنفاق الاجتماعي، فالمجاملة تُعرف على أنها قول الحقيقة بأسلوب جميل، وهي فعل إيجابي، ولاسيما عندما يكون الهدف منها رفع معنويات الأشخاص الآخرين لأنهم يستحقون الثناء والتقدير، وهي مطلوبة إذا بقيت في حدود مقبولة لا ينتج عنها أي ضرر، ولكن حين يصل الأمر إلى المجاملة بطريقة تنافي الحقيقة لمصلحة شخص أو فعل لا يستوجبان الإطراء أو المديح أصلاً، فإنها عندئذ تتحول إلى نفاق اجتماعي لأنه ينطوي على الخداع والكذب، ومن ينافق هو شخص غير قادر على المواجهة ويعاني ضعفاً وازدواجية في الشخصية وعدم الثقة بالنفس، يقوم بإظهار أكثر من وجه ويبدي آراء مختلفة تتوافق مع مصلحته الشخصية، وهذا الشخص نصادفه في البيت والعمل والشارع.

ولدى سؤالها عن الأسباب التي تدفع بالإنسان لاعتماد النفاق كأسلوب في حياته، قالت الدكتورة خطار: يمكننا تقسيمها إلى أسباب تربوية وأخرى أخلاقية، فالتربوية هي التي تتعلق بطريقة تربية الشخص وببيئته ومجتمعه الذي تسوده كلمة «عيب» ومن خلالها يشجعه على مخالفة الحقيقة، ويصبح قولها وكأنه ذنب سيحاسب عليه، أما الأخلاقية فالمقصود بها منظومة القيم التي تتراجع في المجتمع وتنقلب رأساً على عقب بشكل واضح وجلي فيصير الاستثناء هو القاعدة، أضف إلى ذلك أنه علينا ألا نغفل أن النفاق يزداد بشكل طردي عند غياب ثقافة النقد البناء، فمن اعتاد النفاق لا يتوانى عن التعامل به حتى مع أقرب الناس إليه.

مواجهة حقيقية

وأوضحت أن النفاق من الأمراض الاجتماعية التي تؤدي إلى تفكك المجتمع وانعدام الثقة بين الناس وإلى سيطرة مشاعر العدوانية والكره المبطن، فتصبح العلاقات هشة وغير صحيحة، لذلك فهو يحتاج إلى مواجهة حقيقية، وهذه المواجهة تبدأ من خلال تعليم الإنسان الصدق من صغره وقول الحقيقة من دون خوف أو وجل وعدم قبول المدح الكاذب، وتدريبه على إتقان فن الحوار الناجح، وغرس بذور ثقافة النقد والنقد البناء في داخله، لكي يقول رأيه بكل صراحة، وفي الوقت ذاته يتقبل رأي الآخرين ويحترمه، وهذا العلاج لابد من أن يبدأ من الأسرة، فالأب والأم يجب أن يكونا القدوة والأنموذج أمام أبنائهم، فيتحدثان أمامهم بكل صدق وشفافية، كما أن عليهما منحهم الحرية للتعبير عن آرائهم وعما يدور في خلجاتهم، وبالنسبة للمدرسة فهي تتحمل مسؤولية تعليم كل من المدرس والطالب البعد عن الكذب والازدواجية في المجتمع والتعامل بوجه وليس بوجهين، وأن يكون إنساناً مبدئياً وثابتاً في مواقفه، ولا ضير في أن يكون دبلوماسياً في التعامل مع الناس، لكن من دون تزييف، والأهم هو القيام بتدريس طلابنا مادة الأخلاق لتكريسها في عقولهم وتصبح منهجاً وسلوكاً اعتيادياً بالنسبة لهم يساهم في تنشئتهم تنشئة سوية وصحيحة.