ناس ومطارح.. آية بلال.. أجنحة متكسّرة تخفق من جديد
ليندا تلي
من أمواج البحر استمدّت قوّتها، كاسرةً كلّ صخور الإحباط واليأس والخوف التي حاولت الوقوف في وجه طموحها، ومن زرقة مياهه تلوّن روحها بالموج، وبكلّ إيمان وثقة مضت الشّابة آية بلال ـ 20 عاماً ـ نحو تحقيق هدفها، واليوم هي طالبة في كلية الآداب ومتدرّبة في الإعلام، فقد وجدت التّشجيع من أصدقائها في الكلية وأساتذتها في الجامعة، ولا سيّما بعد تردّدها في الذّهاب إليها، خشية النّظرات العبثية، لكن هذا ليس حال الجميع، ففي إحدى المرات رآها أحد أساتذة الجامعة وهي تعاني هذا التردّد، فخطا باتّجاهها ومن ثم رافقها إلى أحد مدرّجات الكلية مرحّباً بها أمام زملائها الذين صفقوا لها بحرارة، وبدت كفراشة أطلقت جناحيها للحياة، لتثبت للعالم أجمع أنّ الإعاقة لا تمنع أحداً من الوصول إلى ما يصبو إليه، بل ضعف الإيمان، وقلّة الثّقة، ومن حينها أحبّت آية الجامعة والذهاب إليها.
وفي تفاصيل الحكاية، آية فتاة عانت الإعاقة وهي صغيرة، وعندما كانت في الصّف الثّامن، كانت بحاجة إلى عملية خطرة في عمودها الفقري “جنف”، لكن تكلفتها العالية وعسر الحال وقفا عائقاً دون تحقيق ذلك، ولا سيّما أنّ الجمعيات الخيرية التي طرقوا بابها قالت إنّ الحالة ليست اضطرارية، بل وصفوها بأنّها حالة تجميلية.
عمليات جراحية عدّة تركت أثرها العميق في جسدها الصّغير، الذي لا يزال حتّى اليوم يخضع لجلسات معالجة فيزيائية في المنزل، وعلى الرّغم من تكلفته العالية وضيق الحال، هناك تفاؤل كبير يكنّه والداها لتحقق آية أمنياتها وتتلقّى العلاج المناسب لتخطّي إعاقتها، وهذا غير ممكن في حالة العائلة المادية، ولهذا تؤمن آية بأن الله يرسل من يخفّف من المحنة، ويذلل قسوتها، على الأيدي والقلوب البيضاء.
تحدّت آية وبعمر فتيّ إعاقتها الجسدية، ضاربةً ثرثرات النّسوة ونظراتهن وشفقتهن بعرض الحائط، هذه الثّرثرة التي كانت جبلاً زاد الطين بلّة لوالدين يعانيان بطبيعة الحال أوضاعاً مادّيةً لا يحسدون عليها، لكن ثقتهم المطلقة بأن ابنتهم فتاةً مميزةً وستكون لها بصمتها الخاصّة، جعلتهما يتجاهلان تلك الترّهات ويرهنان حياتهما ووقتهما لنور عيونهم وفرحتهم الأولى “آية”، من دون أي تأفف أو تذمّر، بل كان حبّهما يزداد كلّ يوم، كذلك حبّهما وشغفهما في التّضحية كُرمى أن تبلغ آية المكان الذي تصبو إليه.
طريق آية لم يكن معبّداً كما بقية أقرانها، بل كان وعراً جداً وبدا كسلسلة طويلة لا تنتهي، ولكن مساندة من حولها من أهل وأحبة خفّفت ثقل مشوارها، فأشرقت شمس حياتها من جديد، حتّى صارت مصدرَ طاقة إيجابية تبثّ الأمل في نفوس مَن حولها، وبذلك تخطّت ابنة قرية “كرتو” في محافظة طرطوس، كلّ العقبات التي اعترضت مسيرتها، طبعاً وبفضل دعم والديها اللذين آمنا بقدراتها على الوصول إلى ما تصبو إليه، وغاية طموحها أن تجد علاجاً للتّغلّب على إعاقتها، وكلّها يقين بأنّ هذا ليس مستحيلاً مع تطوّر عالم الطب.
الكتابة أسلوب اتّبعته آية ليكون بيت سرّها المكنون الذي يمدّها بالحيوية والسّعادة منذ صغرها لتفاجئ به محيطها في شبابها، وكانت القصّة والشّعر وما يزالا أكثر رفاق دربها مودّة وإخلاصاً، فكتبت العديد من القصص والقصائد، وحصلت على شهادة فخرية مسجّلة بالبورد الأمريكي الكندي، كما اتّبعت دورة مهارات إعلامية وحصلت على شهادة تقدير مصدّقة من وزارة الإعلام.
آية، اليوم، ممتلئة ثقة، وفي روحها تورق أحلام وأمنيات بأنّ القادم لها، وبأنّها سترى اسمها يزيّن عناوين كتب تعمل على تأليفها، لتضع فيها خلاصة تجربة طويلة من الكفاح ليس ضدّ المرض وحده، بل ضدّ أمراض المجتمع أيضاً.. ونحن ننتظر كتبك يا آية.