رأيصحيفة البعث

الجمهوريون والديموقراطيون يتسابقون لـ “كسب ود” اللوبي الصهيوني

طلال ياسر الزعبي 

لا شكّ أن قرار مجلس النواب الأمريكي الأخير الذي يساوي بين “معاداة الصهيونية ومعاداة السامية”، جاء في وقت يحتدم فيه الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة، فالحزبان يشتركان أساساً في فكرة واحدة هي أن مقياس صعود كل منهما إلى دوائر القرار المؤدلج يستند في المحصلة الأخيرة إلى مباركة اللوبي الصهيوني، والجمهوريون والديموقراطيون يخوضون سباقاً مهيناً لكسب ودّ “إسرائيل”.

والقرار الذي تقدّم به نائبان جمهوريان يهوديان “يدين بشدة”، ويؤكّد دعم مجلس النواب لـ”الجالية اليهودية” (يقصد الصهاينة الأمريكيين)، في الوقت الذي تصاعد فيه الخطاب المعادي لـ”إسرائيل” في العالم، وخاصة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، جراء حرب الإبادة التي تشنّها حالياً على قطاع غزة المحاصر، ما يعني أنه يحاول الإيحاء بأن الجالية اليهودية متّفقة على تأييد هذا الأمر، بينما هناك معارضة شديدة لمواقف الحكومة الإسرائيلية ذاتها بين شرائح عديدة من اليهود الأمريكيين، حيث يحمل بعض الطوائف اليهودية الحسيدية الأرثوذكسية “ساتمار” في نيويورك وغيرها، بالإضافة إلى أتباع الحركة العمالية اليهودية، والكثير من أبناء الجيل اليهودي الجديد، وجهات نظر تتعارض مع المفهوم الصهيوني لـ”إسرائيل”.

القرار الذي امتنع 92 من النواب الديمقراطيين عن التصويت عليه، رغم تمريره في المجلس، مشيرين بوضوح إلى أنه محاولة غير جادة من الجمهوريين لاستخدام ما يسمّونه “الألم اليهودي”، ومشكلة معاداة السامية سلاحاً لتسجيل نقاط سياسية رخيصة، يؤكّد من جانب آخر أن الجمهوريين الآن يحاولون العودة إلى السلطة عبر المتاجرة بهذا الموضوع، وخاصة أن النائب الديموقراطي عن نيويورك، والعضو اليهودي الأطول خدمة في مجلس النواب، جيرولد نادلر، أكّد أن الخطاب الذي يساوي معاداة الصهيونية بمعاداة السامية “إما مخادع فكرياً أو مجرّد خطأ من الناحية الواقعية”، وهذا التعبير أشدّ دلالة على أن ما يتم طبخه الآن هو محاولة بائسة لتعويم الصهيونية من جديد، بعد أن افتضح أمرها على أنها حركة دموية لا تقلّ خطراً عن النازية، بل هي الوجه الآخر الأشدّ وضوحاً لها.

فمعاداة السامية حسب الأدبيات المتعارف عليها تعني التحيّز ضد الشعب اليهودي، وهذه المعاداة موجودة منذ قرون، أما معاداة الصهيونية فهي بشكل عام معارضة لوجود ما تسمّى “دولة إسرائيل”، ويمكن أن تشمل الصهيونية المسيحية التي ينتمي إليها أغلب أعضاء الحزب الجمهوري، ودونالد ترامب أحدهم، وهي عبارة عن لوبي غربي مؤيّد لـ”إسرائيل” سواء أكان هذا اللوبي يهودياً أم لم يكن كذلك. علاوة على أن من ينادي بمساواة معاداة الصهيونية مع معاداة السامية، إنما ينتمي إلى الحركة الصهيونية ذاتها، وهذا طبعاً لا يتعلّق بالديانة اليهودية، وإنما يتعلّق بمصالح فئة سياسية معيّنة هي الصهيونية العالمية التي تبرّر كل جرائمها ضد العالم باسم الدين اليهودي.

إن الخلط المتعمّد الذي يمارسه أنصار الحكومة الإسرائيلية بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، لا يعدو كونه وسيلة من الوسائل المتبعة ليس لترهيب العالم، وإنما لترهيب عدد كبير من اليهود المقيمين في الولايات المتحدة وأوروبا، وإجبارهم على التوقّف عن المظاهرات المندّدة بالمجازر الصهيونية في غزة وفي عموم فلسطين، والاعتراف بما تسمّى “دولة إسرائيل” التي لا يعترفون بها أصلاً.

غير أن القرار، بصيغته الحالية، جاء أيضاً ليفضح حقيقة مهمّة يغفل عنها الكثيرون، وهي أنه أكّد أن مصطلح “معاداة السامية” استخدم أصلاً لخدمة الحركة الصهيونية، وبالتالي جاء القرار ليعرّي الصهيونية ذاتها التي اتخذت اليهود مطيّة لتنفيذ مآربها حول العالم، وليس فقط في احتلال فلسطين.