رينيه نبعة.. دروس مستخلصة من العدوان على غزة
هيفاء علي
للمرة الأولى يكتب الصحفي اللبناني-الفرنسي، رينيه نبعة عن العدوان الإسرائيلي على غزة، وعن موقف فرنسا، موضحاً أن القصة هي قصة لقاء مهرّج وسيده، قاصداً ماكرون وبرنارد هنري ليفي، الأمر الذي سيؤدّي إلى فوضى دبلوماسية كبيرة من فرنسا خلال العدوان على غزة.
وقد أطلق على برنارد هنري ليفي، لقب “مستشار الأمراء” الأبدي، بينما لقب إيمانويل ماكرون، “بكوكب المشتري في فرنسا”. بمعنى آخر، لقاء العبقرية الشريرة للدبلوماسية الفرنسية مع العبقرية الصغيرة للدبلوماسية الفرنسية، خلال العدوان على غزة، في تشرين الأول 2023، ما سيتسبب في انفجار مدمّر للدبلوماسية الفرنسية، بل إنه عيب هائل في الدبلوماسية الفرنسية.
وأضاف نبعة: في عام 2023، طرح المدعو برنارد ليفي فكرة إنشاء تحالف دولي ضد حركة المقاومة حماس، على غرار التحالف الدولي ضد “داعش”، الذي أنشئ خلال الحرب على سورية عام 2012، لكن الفكرة كانت تخفي فخاً كبيراً، فقد ضمّ التحالف الدولي ضد “داعش” دولاً عربية، في حين أثار التحالف الدولي ضد حركة المقاومة حماس انتقاداتٍ دولية بسبب طبيعته المنافية للعقل، وهو في الواقع رأس حربة الحرب الإعلامية المؤيدة للكيان الإسرائيلي في المسرح الأوروبي. وليفي هو رجل حلف شمال الأطلسي أكثر من كونه رجل دولة. ونتيجة لهذه النصيحة الحكيمة، كان كوكب المشتري الفرنسي، أي ماكرون، موضع تبادل لإطلاق النار من الصحافة العربية والصحافة الفرنسية. فقد استغل ماكرون الاضطرابات الدبلوماسية التي أثارتها عملية “طوفان الأقصى”، وأرسل مبعوثه المعين، السيد جان إيف لودريان، إلى لبنان نهاية تشرين الأول الماضي، للتحقيق مع السلطات اللبنانية، حليفة فرنسا، حول إمكانية تعديل قرار مجلس الأمن الدولي 17401، بهدف إنشاء منطقة منزوعة السلاح في لبنان -المنطقة الحدودية الإسرائيلية ما يعيق أي احتمال لعمل المقاومة اللبنانية ضد الكيان الإسرائيلي. توسّل لودريان لمصلحة انتخاب القائد العام للجيش اللبناني العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية “لمصلحة فرنسا وأوروبا”، معتبراً أن وجوده على رأس السلطة يمكّن الدولة اللبنانية من أن تحدّ من تدفق هجرة اللاجئين السوريين نحو أوروبا، متناسياً أن فرنسا كانت في عهد الاشتراكي فرانسوا هولاند، الذي كان وزير دفاعه، إحدى الدول الرائدة في تدمير سورية.
ويوضح نبعة أنه في ذلك الوقت، طلبت فرنسا من لبنان الإذن برسوّ سفينة تحمل 500 جندي و50 مركبة مدرعة، لكن الطلب الفرنسي قوبل بالرفض، ونتيجة هذا التناقض، لم تتردّد صحيفة الأخبار اللبنانية في وصف فرنسا بأنها “عميل بغيض مأجور في خدمة العدو”، بينما كتبت صحيفة لوموند بعنوان أكثر رصانة “في دبي، يتحمل إيمانويل ماكرون العبء الأكبر من غضب الإماراتيين والقادة العرب”. وبدأت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، التي كانت محظورة حتى ذلك الحين في فرنسا عند بداية العدوان، تعمّ الساحات العامة الفرنسية.
ومن ثم تحدّث نبعة عن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي في حرب غزة، معتبراً أنه اعتراف بالضعف، ومع تفوّقها الجوي المطلق، قامت سلطات الكيان الإسرائيلي بوضع الذكاء الاصطناعي في الخدمة لقصف قطاع غزة، دون الحصول على أيّ استسلام لحركة حماس، الذي تعهّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو به. وبالتالي، فإن عدم نجاح الكيان الإسرائيلي، المدعوم عسكرياً بقوة من الولايات المتحدة، ودبلوماسياً وإعلامياً من الكتلة الغربية، في تسليم القطاع الذي يخضع أيضاً للحصار منذ عام 2008، أي لمدة 14 عاماً، يشكّل اعترافاً بالعجز للجميع.
وفي السياق العسكري، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل عدد كبير جداً من البيانات المستمدة من الاستخبارات، والخدمات اللوجستية في حالات معينة، وتقدير تأثيرات الخيارات الاستراتيجية المختلفة المحتملة بسرعة. يقال: إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم أداتين على وجه الخصوص في سياق الهجمات التي تم تنفيذها منذ 7 تشرين الأول، “الإنجيل” (أو “الهبسورة”)، يهدف إلى اقتراح الأهداف الأكثر صلة بالهجوم، داخل محيط معين، والثاني، “مصنع النار”، يُستخدم لتحسين خطط الهجوم للطائرات والطائرات دون طيار، في الوقت الفعلي، اعتماداً على طبيعة الأهداف المختارة.
وأشار نبعة إلى أن هذا الصراع “يعدّ واحداً من أكثر الصراعات تدميراً وفتكاً في القرن الحادي والعشرين”، عزّزه الجسر الجوي الأمريكي، لدرجة أن المؤرخ الفلسطيني الشهير وليد الخالدي، مؤسس معهد الدراسات الفلسطينية، قدّر أن الكيان الإسرائيلي قتل ما يقرب من 20 ألف فلسطيني خلال ستة أسابيع من العدوان على حماس في غزة، معظمهم من المدنيين، وهو عدد يفوق عدد الشهداء خلال 106 أعوام من الحرب، وهي واحدة من أكثر الخسائر دموية في هذا القرن. وعلى الجبهة الشمالية، على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، كبّدت المقاومة اللبنانية جيش الاحتلال خسائر كبيرة، بحيث إن استخدام الذكاء الاصطناعي والأسلحة الأكثر تطوّراً في الترسانة الغربية لم يثنِ أعداء الكيان الإسرائيلي.
وهكذا، على الجبهة الشمالية، المرحلة الأولى من الحرب، نفّذت المقاومة اللبنانية 299 عملية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أجبر العدو الصهيوني على إخلاء 70 ألف شخص من 43 بلدة في المنطقة. ومن خلال اختيار استراتيجية زيادة التوتر تدريجياً على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، نجحت المقاومة اللبنانية في تحييد نظام المراقبة والتتبّع والتنصّت المُنشأ على طول الحدود الإسرائيلية، حتى إنه ألحق أضراراً بالحدود الإسرائيلية، وجاءت الخسائر الإسرائيلية على الجبهة اللبنانية على النحو التالي: إسقاط 21 طائرة مسيرة، وتضرّر 40 موقعاً محصّناً، فضلاً عن 170 كاميرا مراقبة، و77 نظام اتصالات، و47 راداراً، و47 نظام تشويش إلكتروني، في حين بلغ عدد الخسائر البشرية 355 قتيلاً من جنود الاحتلال، كما قامت المقاومة اللبنانية بشلّ حركة ثلث أفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي اللوجستي، بما في ذلك قوات النخبة، في منطقة الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ونصف قواتها البحرية، بينما تمركز 50 بالمائة من قوّتها الباليستية في اتجاه الجنوب.
وقدّرت تكلفة الحرب خلال هذه الفترة نفسها بنحو 50 مليار دولار، بما في ذلك 28 مليار دولار للإنفاق العسكري الإسرائيلي. ولا يأخذ هذا الرقم في الاعتبار الجسر الجوي الذي قدّمته الولايات المتحدة لتزويد جيش الاحتلال الإسرائيلي بالصواريخ، ولا سيما صواريخ “باتريوت” لتجهيز القبة الحديدية الإسرائيلية التي تحمي المجال الجوي من المقذوفات الفلسطينية، ولا القنابل الخارقة المضادة للتحصينات لاختراق أنفاق حماس.
في الختام، أشار نبعة إلى أن المراقبين يتوقعون أن يستمر العدوان على غزة عدة أسابيع، وذلك على حساب دافعي الضرائب الأميركيين المدعوين أصلاً للحرب في أوكرانيا.