مشروع الموازنة العامة للدولة لا يزال محط جدل.. كيف تعتمد الموارد على قطاع عام متهالك؟
دمشق – ريم ربيع
لا تزال الموازنة العامة لعام 2024 بأرقامها وبياناتها محط جدلٍ وتساؤلاتٍ عدة، وحتى تشكيك بدقتها من قبل خبراء وباحثي الاقتصاد، الذين فنّدوها بالتفصيل تزامناً مع مناقشتها تحت قبة البرلمان، لعل الحكومة التي لطالما صمّت آذانها عن آرائهم تعيد حساباتها في آخر فرصة قبل إقرار المشروع الحالي رسمياً، فما يكشفه مشروع الموازنة لا يشي إلا بالمزيد من الفقر والتضخم وغياب العدالة، اعتماداً على أرقام غير واقعية، وعمل -وصفه رئيس جمعية العلوم الاقتصادية فؤاد اللحام- بالشكلي فقط، حيث لا يوجد جدية بالطرح، أو دراسة عميقة للموازنة التي كانت تستغرق شهراً من الدراسة في المجلس الأعلى للتخطيط، اختصر بساعات قليلة اليوم.
“هل يمكن حقاً إطلاق اسم موازنة عامة للدولة على المشروع الحالي أو الموازنات السابقة”؟ هو تساؤل استهلت به الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب محاضرتها في جمعية العلوم الاقتصادية، حيث نرى أنه لا يوجد فعلياً التزام ببنود وسياسات الموازنة، كما أنها لا توضح على ماذا يتم الإنفاق، ولم تحدد معدل النمو الاقتصادي المستهدف، أو معدل البطالة الذي ترغب بتخفيضه، أو معدل التضخم، كما أنها لا توضع على أساس أرقام مرتبطة بالواقع، فمثلاً موازنة العام القادم تشكل جميع الأرقام الفعلية التي أنفقت خلال سنوات الحرب!
والأسباب الأساسية لارتفاع النسب والأرقام في الموازنة الحالية –وفقاً لسيروب- هو تحديد سعر الصرف بـ11500 ليرة، فهو بمفرده زاد الأرقام 283%، فضلاً عن رفع سعر القمح المحلي لـ4200 ليرة، وزيادة سعر القمح المستورد 300%، فإذاً الرقم الضخم للموازنة هو نتيجة سعر صرف وتضخم، مضيفةً أن أكبر نسبة زيادة هي بالاعتمادات الاستثمارية، كما أن الاعتمادات الجارية زادت 95%، لكنها فعلياً أقل، لأن كتلة الرواتب نفذت أساساً بالعام الماضي.
وفي “تشريح اقتصادي” للموازنة بيّنت سيروب أن الاعتمادات الاستثمارية زادت 200%، لكنها فعلياً لا تشكل أكثر من 25% من مجمل الإنفاق العام، فهي لا تزال قليلة جداً مقارنة ب2011 حين كانت 46%، مؤكدةً أنه بظل الحرب لا يمكن للقطاع الخاص أن يكون بديلاً عن انسحاب الدولة من الاستثمار العام، فانخفاض الاعتماد الاستثماري يعني خلل هيكلي حقيقي في واقع الاقتصاد يجعله غير قادر على زيادة الناتج المحلي، أو السلع والخدمات المنتجة، أو تخفيض معدلات البطالة وحجم المستوردات الفعلية بشكل رسمي أو مهرب.
وأشارت سيروب إلى وجود 2 ترليون ليرة في 2024 عبارة عن ديون وسداد أقساط وفوائد، فخلال 3 سنوات حدث تغير للتركيبة الهيكلية للإنفاق الجاري، إذ كانت الديون في 2021 بنسبة 26%، وأصبحت 44% في 2024، مضيفةً أن النفقات التحويلية (والجزء الأساسي منها هو مساهمة الدولة في تثبيت الأسعار وإعادة توزيع الدخول للطبقات الأكثر فقراً) انخفضت لـ26% بعد أن كانت أكثر من 52% في 2021، أما النفقات الإدارية ارتفعت لـ 13.7%، فالكتلة التي كانت تستخدمها الدولة لحماية المواطنين سواء عن طريق الرواتب والأجور أو النفقات التحويلية تراجعت من 67% قبل 3 سنوات لـ43% اليوم، إذاً تساهم السياسة المالية بشكل أساسي بتدهور المستوى المعيشي لعموم المواطنين.
أما الإيرادات المخططة من الحكومة فقد أثارت تساؤلات عديدة طرحتها سيروب، حيث تعتمد الحكومة على 25% من إيراداتها على القطاع النفطي الذي كانت مساهمته خلال الحرب لا تتجاوز 3% بحسب قطع الحسابات! كما تعتمد على الفائض المتاح من القطاعات الحكومية بنسبة 16%، فأصبح لدينا 41% من الإيرادات تعتمد على القطاع الحكومي، علماً أنه دائماً يتم الحديث عن خسارة القطاع، فعلى أي أساس يستند على موارد كبيرة بهذا الحجم من القطاع العام!!
وأضافت سيروب أن مصدر الدخل الأساسي لكل حكومات العالم هو الضرائب، أما محلياً الضريبة على الأرباح 13.4% وهي منخفضة جداً، وضريبة الرواتب والأجور 1%، وهي جيدة لكن بالمقارنة مع الضريبة على ريع رؤوس الأموال المتداولة وعلى ريع العقارات وهي أقل من 2 بالألف، فنلاحظ أن ضريبة الرواتب والأجور أكبر بكثير، إذاً لدينا سياسة مالية لا تدعم قوة العمل بل رأس المال، مع الإشارة إلى أن إيرادات أملاك الدولة واستثماراتها 2 بالألف فقط! كما تعتمد الحكومة بـ18% من إيراداتها على رسوم وضرائب مرتفعة بسبب ارتفاع سعر الصرف، وهي إشكالية حقيقية أن تعتمد على سعر صرف مرتفع لتحقيق إيرادات أكبر.
كما اعتبرت سيروب أن السياسة المالية تحقق عدم عدالة بتوزيع الدخل، فهي تعتمد على الرسوم والضرائب غير المباشرة، وليست المباشرة التي لم تتجاوز 4.5% طيلة سنوات الحرب، بينما تتعدى 30% بالدول الرأسمالية، و60% بدول اقتصاد السوق الاجتماعي.
ورأت سيروب أن هناك إشكالية حقيقية بتمويل عجز الموازنة الذي يتم عبر قروض خارجية ( وهي نسبة لا تذكر)، وبنسبة 90% عبر قروض داخلية وتمويل بالعجز، وهما يتسببان بزيادة المعروض النقدي، وبالتالي زيادة التضخم، مما يعني أن الإنفاق العام هو أحد أسباب زيادة التضخم، ليس بسبب الكتلة، بل عدم كفاءته لعدم تحقيق زيادة بمعدلات النمو الاقتصادي.
وفيما طرح الحاضرون نقاط عدة تتعلق بالتهرب الضريبي وطريقة إعداد الموازنة، والتضخم الناتج عنها، وإشكالية الخطط الاستثمارية التي تغطي مشاريع قائمة أساساً وليست جديدة، بيّنت سيروب أن الدولة تحتاج موارد للقيام بمسؤوليتها، ومصدر هذه الموارد هو الضرائب العادلة التي تعد نسبتها بسيطة جداً في الوقت الحالي بالنسبة للتجار، معتبرة أن الحكومة استطاعت أن تخلق من الجميع أعداءً لها نتيجة الخلل بالقرارات والتشريعات.