دراساتصحيفة البعث

في ذكرى القرار الأممي 194.. حق العودة والتعويض لا ينقضي بمرور الزمن ولا يخضع للمفاوضة أو التنازل

د. معن منيف سليمان

صدر القرار الشهير رقم /194/ من الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض معاً في 11 كانون الأول عام 1948، أي بعد يوم واحد لصدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ذلك الحق الذي ينبع من حرمة الملكية الخاصة التي لا تزول بالاحتلال أو بتغيير السيادة على البلاد، ولا يسقط بالتقادم، أي بمرور الزمن، مهما طالت المدة التي حرم فيها الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم، وهذا القرار غير قابل للتصرف فهو من الحقوق الثابتة الراسخة، مثل باقي حقوق الإنسان لا تنقضي بمرور الزمن، ولا تخضع للمفاوضة أو التنازل، ولا تسقط أو تعدّل أو يتغيّر مفهومها في أية معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقّعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين أو تدّعي أنها تمثلهم، لأنه حق شخصي، لا يسقط أبداً، إلا إذا وقّع كل شخص بنفسه وبملء إرادته على إسقاط هذا الحق عن نفسه فقط.

وكان القرار قد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بناءً على تقرير المندوب الخاص للجمعية “الكونت برنادوت” الذي أكّد أحقية الشعب الفلسطيني “المضهطد” في العودة إلى بلاده والتعويض عن الأضرار التي لحقت به، حيث قال في تقريره الذي رفعه إلى الأمم المتحدة: “إن خروج العرب الفلسطينيين من بلادهم جاء نتيجة الطرد والرعب والذعر الذي سببه القتال في مواقعهم والإشاعات حول الأعمال الإرهابية”. واختتم تقريره بعبارة واضحة وذات مغزى: “ستكون هناك إساءة لمبادئ العدالة الإنسانية إذا ما أنكر على هؤلاء الضحايا الأبرياء في الصراع حق العودة إلى بيوتهم”.

جاء هذا القرار في خمس عشرة فقرة، ولعل أهم هذه الفقرات ما تعلق منها بوضع سكان فلسطين تحت الاحتلال، ووضع مدينة القدس، والناصرة والأماكن المقدسة، وكذلك عودة اللاجئين والتعويض عليهم. ظهر ذلك في الفقرات السابعة والتاسعة والحادية عشرة والرابعة عشرة من هذا القرار.

جاء في الفقرة 11 من القرار رقم 194 عام 1948 المتضمن حق العودة والتعويض الآتي: “تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب وضع تعويضات عن ممتلكات الذين يقرّرون عدم العودة إلى بيوتهم، وعن كل مفقود أو مصاب عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوّض عن ذلك الفقدان أو الضرر من الحكومات أو السلطات المسؤولة”. وأهمية التعويض عن الممتلكات المفقودة أو المتضرّرة أنه أتى استكمالاً لحق العودة وليس بديلاً عنه، وذلك أن الملكية هنا تبقى لصاحب الشأن وتسقط معادلة، إما العودة أو التعويض. وعلى هذا الأساس يجب المطالبة بحق العودة والتعويض معاً. هذا مع التأكيد مجدّداً أن حق العودة غنيّ عن المطالبة به لأنه من حقوق الإنسان غير القابلة للتصرّف. أما حق التعويض فيجب أن يندرج مع حق العودة.

وجاء في نص الفقرة 14 منه: تدعو الحكومات والسلطات المعنية جميعاً إلى التعاون مع لجنة التوفيق، وإلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة للمساعدة على تنفيذ هذا القرار، في حين تضمّنت توصية الكونت برنادوت الذي اغتالته العصابات الصهيونية: “إن حق العودة هو العلاج الأكثر ملاءمة لإصلاح ما حدث من طرد جماعي للفلسطينيين، وانتهاك هائل لحقوقهم الإنسانية الجوهرية”.

ويعدّ القرار 194 قراراً ملزماً وإن كان صادراً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. فالمعروف أن قرارات هذه الجمعية تصدر عادة بشكل توصيات غير ملزمة، إلا أن ثمة قراراتٍ تكون ملزمة استثنائياً. والقرار 194 واحد منها، وذلك لأن ثمة اجتهاداً في القانون الدولي يؤكد أن القرارات التي تتخذها الجمعية العامة بأكثرية بارزة والتي تعود إلى تأكيدها في مناسبات متكرّرة تعكس رأياً عاماً دولياً غير متردّد، وبالتالي يقتضي اعتبارها ملزمة قانوناً. وهكذا فإن حق العودة للاجئين الفلسطينيين هو حق قانوني وسياسي وليس مجرد حق إنساني أو أخلاقي. ولهذا راحت الأمم المتحدة في كل عام تؤكد حق عودة اللاجئين إلى “ديارهم وأملاكهم التي شرّدوا عنها واقتلعوا منها”، وتبدي قلقها لعدم إحراز تقدم في الموضوع.

وكانت الجمعية العامة قد عدّت حق تقرير المصير (ومن مستلزماته حق العودة والتعويض) من الحقوق الإنسانية غير القابلة للتصرف، فمنذ عام 1974 مثلاً أصدرت الجمعية قرارها رقم 3236 الذي أكّد الحقوق غير القابلة للتصرّف للشعب الفلسطيني, التي تشمل حقه في تقرير المصير والاستقلال والسيادة وحقه في العودة إلى دياره، ولم تغيّر الجمعية العامة موقفها منذ ذلك الحين، وإنما أكدته تكراراً في القرارات السنوية اللاحقة إلى هذا الوقت. ولذلك عندما قبلت الجمعية العامة “إسرائيل” عضواً في الأمم المتحدة فرضت عليها الالتزام مسبقاً بشرطين: قبول القرار 181 (قرار التقسيم) لعام 1947 وقبول القرار 194 (حق العودة والتعويض). ولم تصدر الجمعية العامة آنذاك (أي في عام 1949)  قرارها بقبول “إسرائيل” في عضوية المنظمة الدولية إلاّ بعد تأكّدها من قبول “إسرائيل” هذين القرارين والتزام تنفيذهما.

إن “إسرائيل” عندما تتخلّف عن هذا الالتزام بالقرار 194 (قولاً أو فعلاً) أو تتنكر له فإنها تكون قد خالفت شرطاً دولياً لحظته المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة التي تنصّ على أن “العضوية مباحة لجميع الدول الأخرى المحبة للسلام، التي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمّنها هذا الميثاق، والذي ترى الجمعية العامة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات، راغبة فيه”.

أما مرحلة ما بعد صدور القرار 194 فقد شهدت، فيما شهدته، آثار حرب 1967، ومنها أن مجلس الأمن: “يدعو حكومة “إسرائيل” إلى تأمين سلامة وخير وأمن سكان المناطق التي جرت فيها عمليات عسكرية، وتسهيل عودة أولئك الذين فرّوا من هذه المناطق منذ نشوب القتال” (القرار 237 تاريخ 14/6/1967).

وبعد صدور هذا القرار بدأ الحديث عن مستندين قانونيين للعودة: عودة اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، وفقاً للقرار 194 الآنف الذكر، وعودة النازحين بعد حرب 1967، وفقاً للقرار 237. والمعروف أن قرارات مجلس الأمن ملزمة مبدئياً (وفقاً للمادتين 25 و103 من ميثاق الأمم المتحدة). وقد أصدر مجلس الأمن قراراتٍ لاحقة (منها القراران 248/1978 و259/1968) تذكّر بوجوب التزام القرار 237، كذلك أصدرت لجان حقوق الإنسان قراراتٍ متعاقبة تطالب بالتزام القرار 237 نفسه.

وبدأ التمييز بين اللاجئين والنازحين يرد منذ صدور القرار 237، إلاّ أن هذا التمييز لا يؤثر في حق العودة والتعويض لأن المطلوب، قانوناً، هو عودة الفلسطينيين­ لاجئين ونازحين ­على حدّ سواء إلى ديارهم كمجموعة بشرية تتمتع بحقوق إنسانية واضحة وليس كأفراد يطالبون بجمع شمل العائلات وحسب.

إن حق العودة والتعويض هو حق الفلسطيني الذي طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948، أو في أي وقت بعد ذلك، في العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948، وهذا الحق ينطبق على كل فلسطيني، سواء أكان رجلاً أم امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن وجودها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ينطبق حق العودة على كل مواطن فلسطيني طبيعي، سواء ملك أرضاً أم لم يملك لأن طرد اللاجئ أو مغادرته موطنه حرمته من جنسيته الفلسطينية وحقه في المواطنة، ولذلك فإن حقه في العودة مرتبط أيضاً بحقه في الهوية التي فقدها وانتمائه إلى الوطن الذي حرم منه.