ثقافة

البناء الشكلي والشخوص عند الكاريكاتوري حيدر الياسري

رائد خليل

تشكل وجوه “بورتريهات” الفنان العراقي حيدر الياسري حالةً خاصة في الكاريكاتور العربي، فالشخوص التي يتناولها تخلق حالة بصرية متفردة في طرح أسئلة تتعلق بالشكل، وهو في ذلك يعتمد على أهم عوامل نجاح العمل الفني، أو إن صحّت التسمية اهتمامه بالوعاء الفني الحامل للفكرة التي تخرج من حيّز عقله إلى ريشته البديعة.

إذاً، خطوط وإيحاءات ودلالات حسيّة يخطّها الياسري على الورق كواحةٍ بصرية تلعب فيها الحركة دوراً بارزاً في تجسيد الفكرة، ويأتي الدمج المجسّد بقوة الخطوط وتماسكها لتجذب القارئ وتلفت نظره إلى الرسم قبل الفكرة على نحو يجعل الرسم الكاريكاتوري أكثر جاذبية وتبايناً، وهو أمر يمنح الرسام حيدر مساحة حرية أكبر في تنويع الخطوط المبالغ فيها على الرغم من المساحة المحدّدة.

ويظهر جلياً نجاح اللوحة الفنية في دراسته الإخراجية الحقيقية لعناصر العمل وتفاصيله، فالمتابع الحقيقي لأعمال الياسري يجد هذا الانسجام والتكامل ما بين الشكل والفكرة في توظيف الأدوات والتوزيع الأكاديمي لمفردات العمل الفني، فتوزيع العناصر في الرسم الكاريكاتوري لا يختلف كثيراً عن توزيعها في المشهد الدرامي، وهذه قضية جوهرية في جمالية المشهد وتأثيره النفسي والروحي على المتلقي، وتخدم الغرض في إيصال المضمون المتأصل مع الحدث.

ولابدّ من التنبيه أيضاً إلى قضية الانفعالات المرافقة للحركة والتكوين لتحقيق معادلة النجاح المرتبطة بالشكل والمضمون، وهذه خصوصية تضاف للفنان في تحقيق المعادلة المذكورة.

أما الحالات الخاصة المتجسّدة في رسم الوجوه بتفاصيلها الدقيقة، فإنها تُشكّل بنية تشكيلية متفردة في عالم الفن ومدارسه، فهو يعكس تفاصيل الوجوه وجزئياتها، ويترجم أحاسيس الناس وتطلعاتهم، ويطوّع أدواته في منظور فني مختلف، جامعاً لرؤى فنية خلاقة في سياق تكوينات جمالية تستند إلى تفصيلات تندمج مع عنصر الفكرة وتشكل تجانساً جذاباً.

وبينما يتجه بعض رسامي الكاريكاتور إلى التبسيط في رسم الخطوط وتكوين العمل، تحلق خطوط حيدر الياسري لتأخذنا في عوالم من التكامل البنيوي التشكيلي المستند إلى أساس معرفي وفهم عال لمصادر الإضاءة والتوزيع المنهجي لعناصر العمل وتفصيلاته، فالحركة في الكاريكاتور تشكل عاملاً مهماً وعنصراً من عناصر الجذب إلى الموضوع ولفت نظر القارئ على نحو يجعل الرسم أكثر جاذبية، ما يتيح للرسام الدخول في عالم المساحة البيضاء والعزف على وتر التنويع في الخطوط وحرية امتدادها، وثمّة من يعتقد أن الكاريكاتور هو مجموعة خطوط فقط، من دون مراعاة حقيقية لسلامتها وخلق فوضى في تشريح العمل وتحطيم نسبه.

وأخيراً، يبقى الوعاء الفني في الكاريكاتور حالة روحية خالصة، تنطبق عليها النظرية الفلسفية القائلة: التّأمل أوّلاًً، ثم التعرف، ومن ثم الفهم.