“باب المندب”.. ما مصير التجارة العالمية إذا غامر الغرب بالهجوم على اليمن؟
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
لا شك أن قيام البحرية اليمنية بالاستيلاء على سفينة الشحن “غالاكسي ليدر” المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، في البحر الأحمر، واقتيادها إلى الساحل اليمني، تضامناً مع “المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة”، صدمت الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين قبل أن تصدم الكيان الصهيوني الذي يعتقد أن لديه مظلة غربية يمكن أن تساعده في حل جميع العقبات، وذلك أن الغرب نفسه وقف مشدوهاً أمام هذه العملية التي وضعت أكبر ممر تجاري في العالم رهناً بقرار من هذا النوع.
ولا شك أيضاً أن اليمن لم يتخذ مثل هذه الخطوة قبل قراءة المشهد الدولي جيّداً، وإلى أين يمكن أن تصل الأمور في حال قرّر الغرب دعم “إسرائيل” في هذا المكان، لأن اليمن كان قد أعلن سلفاً قرار الحرب على الكيان تأييداً للمقاومة الفلسطينية في غزة ودعماً للشعب الفلسطيني المظلوم، وهذا قرار سياديّ بامتياز ولا يمكن لأحد أن يتدخّل به، إلا إذا قرّر الغرب أن يصبح طرفاً صريحاً في هذه الحرب، بمعنى أن اشتراك واشنطن وحلفاءها في الدفاع عن الكيان الصهيوني في مواجهة اليمن، يجعل الغرب الجماعي الذي ادّعى أنه لا يشترك في العدوان على غزة إلى جانب “إسرائيل” طرفاً أصيلاً في هذه الحرب، الأمر الذي يستدعي أيضاً دخولاً تلقائياً لحلفاء اليمن في هذه الحرب، وهذا بدوره يقتضي أن تستعدّ واشنطن وحلفاؤها لحرب شاملة لا يرغب الخصم في خوضها الآن بالنظر إلى العجز الواضح والرهيب في ترسانة الأسلحة الغربية التي دفعت الجميع إلى الإعلان عن عجزهم عن الاستمرار في دعم النظام الأوكراني بالسلاح إلى ما لا نهاية، وهذا ما جاء على لسان أغلب المسؤولين الغربيين، وعلى رأسهم أمين عام حلف شمال الأطلسي “ناتو” ينس ستولتنبرغ.
وإذا صحّت الروايات الغربية بأن الجيش اليمني يستهدف سفناً غير تابعة مباشرة للكيان الصهيوني، فإن ذلك يضع علامات استفهام كبيرة حول عدم قيام الغرب بالردّ على هذه الهجمات، فقد أعلنت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم”، إسقاط عدة طائرات مسيّرة، بعد هجمات استهدفت سفن شحن في البحر الأحمر “ترتبط بـ14 دولة منفصلة” على حد قول البيان.
وأكدت القيادة المركزية الأمريكية أن هذه الهجمات “تمثل تهديداً مباشراً للتجارة الدولية والأمن البحري”، مشيرة إلى أن القوات اليمنية “عرّضت حياة الطواقم الدولية التي تمثل بلداناً متعدّدة حول العالم للخطر”، بينما أكد المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع أن بلاده مستمرة في منعِ السفن الإسرائيلية من الملاحة في البحرين الأحمر والعربي “حتى يتوقف العُدوان الإسرائيلي على إخواننا الصامدين في قطاع غزة”.
وبينما رحّبت المقاومة الفلسطينية بقرار القوات المسلحة اليمنية منع مرور السفن الإسرائيلية، وكل السفن المتجهة إلى إسرائيل ومن أي جنسية كانت، وذلك في حال لم تدخل إلى قطاع غزة حاجته من المواد الغذائية والدواء، صرّح رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، بأن إسرائيل ستقوم بالردّ عسكرياً على الهجمات اليمنية، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات ضدها.
ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن هنغبي قوله: إن “نتنياهو أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس عزمه التحرّك عسكرياً ضد اليمن إذا لم يتخذا أيّ إجراءات ضدهم”.
وسبق ذلك دعوة هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية الجمعة الماضي السفن في البحر الأحمر إلى توخّي الحذر، عقب تلقّيها بلاغاً عن “كيان مجهول” يأمر السفن بتغيير مسارها.
وقالت الهيئة البريطانية: إنها “تلقت تقارير عن كيان يعلن أنه السلطات اليمنية، ويأمر السفينة بتغيير مسارها في جنوب البحر الأحمر”، مضيفة: “ننصح السفن الموجودة بتوخّي الحذر، والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه”، وذلك في إشارة خفية إلى الاستهتار بحجم هذا التهديد، ولكنهم حقيقة يدركون المخاطر الكبيرة التي تترتّب عليه، لأن الحرب في هذه المنطقة من العالم وخاصة أنها تحتضن أكبر ممر ملاحي في العالم محفوفة بالكثير من المخاطر، ولا سيما المتعلقة بأمن الطاقة.
وحول خطر هذه التهديدات على الملاحة في قناة السويس، كتب إيغور سوبوتين، في “نيزافيسيمايا غازيتا”: تتوقع Globes تطور السعي نحو إيجاد طرق تجارية بديلة تتجاوز البحر الأحمر على نطاق واسع. والسبب هو الخوف من قرار القوات المسلحة اليمنية دعم المقاومة الفلسطينية بنشاط، مهدّدة بالخطر ليس فقط السفن الإسرائيلية، وإنما العبور الدولي من حيث المبدأ.
ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، يمر حوالي عُشر إمدادات النفط البحرية عبر البحر الأحمر. ويُستخدم هذا الطريق البحري لعبور البضائع القادمة من آسيا. ومن المعروف أن المستوردين الأوروبيين يحصلون عبر البحر الأحمر على المواد الهيدروكربونية من منطقة الشرق الأوسط.
ويمثل هذا الطريق نحو 12% من التجارة العالمية، بما في ذلك 5% من النفط الخام، و8% من الغاز الطبيعي المسال، و10% من المنتجات النفطية. وتمر عبر قناة السويس 50 سفينة يومياً، وهو ما يمثل 30% من حركة الحاويات العالمية.
وتشير غلوبز إلى بديل يتجاوز المنطقة الخطرة، يمكن أن تلجأ إليه السفن التجارية القادمة من الغرب بحيث تبحر حول إفريقيا عبر المحيط الهندي. ولكن “هذا التغيير (في المسار) يكلف ملايين الدولارات، ويضرّ بشكل مباشر بإيرادات مصر”.
مع وجود جميع هذه المخاطر فإن المغامرة بشنّ أيّ حملة عسكرية غربية على اليمن ستؤدّي قبل كل شيء إلى تغيير حركة الملاحة إلى جنوب إفريقيا، وهذا سيكلّف زيادة خيالية في التكاليف، فضلاً عن ارتفاع تكاليف التأمين والشحن بشكل كبير، وتأخير واضح في زمن وصول البضائع إلى المستهلك النهائي الأوروبي، والضغط الكبير على الأسواق الذي يشكّله هذا التأخير، وكل ذلك ينبغي على الغرب الجماعي أن يدرسه بعناية تامة.
فالأمر ليس سهلاً كما يحاول الغرب تصويره، لأن الحملة العسكرية التي سيشنّها ستكون مكلفة بجميع المقاييس، فالممر مهم للملاحة بجميع أنواعها ومنها العسكرية، حيث تمرّ من هناك القطع العسكرية الأمريكية والغربية، وهذا كله له ثمن، وبالتالي فإن المغامرة بالدخول عسكرياً في صراع مع اليمن ليست من مصلحة الغرب، وهو يدرك ذلك جيّداً.
ومن هذا المنطلق فإن التهديد بأيّ عمل عسكري على اليمن هو للتهويل فقط، ولا يستطيع الغرب بأساطيله أن يحقّق أيّ نصر عسكري هناك إذا لم يقم بالاجتياح بريّاً، وهذه الأرض من أكثر الأراضي استعصاء على الاحتلال في العالم، فضلاً عن أن القرار بإغلاق باب المندب نهائياً أمام العالم سيضرّ الغرب بالدرجة الأولى، بينما تمتلك الصين وروسيا بديلاً طبيعياً له في المحيط المتجمد الشمالي، وهذا أمر آخر مثير للرعب في الغرب، ومن هنا لا يزال الغرب يدرس قراراته هنا بعناية خاصة.