مجلة البعث الأسبوعية

شغب الملاعب يتنامى والرؤى قاصرة.. مكافحة الشغب مسؤولية جماعية تبدأ من الأندية ولا تنتهي عند الحكام وروابط المشجعين!

البعث الأسبوعية-ناصر النجار

الأحداث الكروية التي تشهدها ملاعب كرة القدم من شغب وشطط بكل الدرجات والفئات، تشعرنا أن فرقنا لا تملك ثقافة كرة القدم، ولم تتعلم معاني الانضباط، ولا تعرف ما الطريق إلى البطولة وحمل اللقب، أو الظهور الجيد في المباريات على أقل تقدير.

الدوري في خطر، فشتم الحكام والفريق المنافس هنا ورمي مفرقعات وقنابل صوتية ودخانية وشماريخ هناك واعتراض على الحكام في ملعب آخر، بهذه الصورة لن تكون نهاية الدوري سعيدة إن لم تعالج هذه السلبيات بحزم، فالعقوبات الرادعة اليوم مطلوبة ولو كانت قاسية لأن سلامة الدوري ونظافة المباريات أهم بكثير من أي اعتبار آخر.

أرقام مخيفة

الأرقام التي تملكها “البعث الأسبوعية” عن المخالفات المرتكبة كبيرة وكثيرة وهي عامة ارتكبها أكثر من أربعين فريقاً في الدرجتين الممتازة والأولى وبفئتي الرجال والشباب، وتشمل أيضاً مباريات الدوري الأولمبي وبداية مباريات دوري السيدات وكأس الجمهورية.

والأرقام تقول: الجلسات المنعقدة من لجنة الانضباط اثنتا عشرة جلسة، والقرارات المتخذة: 125 قرار في: 155 مباراة، منها في رجال الممتاز: 42 مباراة، 35 عقوبة للأندية و21 عقوبة للكوادر واللاعبين، وفي شباب الممتاز: 38 مباراة، عقوبتان للأندية و11 عقوبة للكوادر واللاعبين، وفي رجال الدرجة الأولى: 78 مباراة، ثماني عقوبات للأندية و17 عقوبة للكوادر واللاعب، وشباب الدرجة الأولى: 78 مباراة 16 عقوبة للأندية و21 عقوبة للأفراد، والدوري الأولمبي: 15 مباراة عقوبة واحدة للأندية وثماني عقوبات للكوادر والأفراد، ودوري السيدات: أربع مباريات عقوبة واحدة للاعبة ومثلها لإداري.

الملاحظ في العقوبات أن أكثر من سبعين بالمائة منها فرض على أرض الملعب نتيجة مخالفات قام بها لاعبون أو أحد كوادر الفريقين، والمشكلة التي تزعج كل المتابعين أن العديد من المخالفات قام بها من هم في موقع من المفترض أن يكونوا حكماء وقدوة في الانضباط لفرقهم وجماهيرهم، ففرضت عقوبات على رؤوساء أندية ومديري فرق وإداريين ومدربين ومساعديهم ومعالجين، حتى حاملي التجهيزات والمصورين والإعلاميين كان لهم نصيب من الشغب وارتكاب المخالفات في المباريات.

ولو أن كل شخص من هؤلاء الكوادر انشغل بمهمته ما وصلت المباريات إلى ما وصلت إليه، وأكثر من مرة تحدثنا أن فتيل الشغب يحدث في الملعب أولاً قبل أن يمتد إلى المدرجات وهذا ما كان واضحاً في الكثير من المباريات فالجماهير قد تكون منضبطة أو هي على شعرة من الثوران ليأتي لاعب أو أحد من الكوادر ليؤججها فيحدث ما يحدث!

مخالفات متنوعة

الكثير من المخالفات مسؤولة عنها إدارات الأندية وروابط المشجعين فيها، فالتأخر عن المباريات والتأخر عن موعد تسليم اللائحة الاسمية للفريق أو النزول إلى أرض الملعب كلها إجراءات إدارية يجب المحافظة على مواعيدها بدقة ودون ذلك ستنتشر فوضى مواعيد المباريات أو إن الأمور ستسلق سلقاً فيغيب التدقيق والتمحيص عن هذه المباريات فيجعلها أقرب ما تكون لمباريات الأحياء الشعبية.

الاستفزاز أمر وارد في عالم كرة القدم والكثير من الجماهير تمارسه على مواقع التواصل الاجتماعي، والمفترض أن تمارس إدارات الأندية دورها في توعية منتسبيها ومنعهم من ممارسة هذا الدور السلبي الذي له تبعات كثيرة في المباريات لأن الفرق الأخرى وجماهيرها ستصل إلى الملعب محتقنة وغاضبة وهو أول فتيل للشغب قبل بداية المباريات.

وللأسف فإن روابط المشجعين باتت تقود الجماهير نحو الأسوأ بدل أن يكون دورها في الملاعب إيجابياً، الجماهير على المدرجات تحتاج من يقودها، والمفترض أن تكون هذه الروابط هي المسؤولة عن تحركات الجماهير وعن نوع الكلمات المفترضة في التشجيع وعن اختيار الأهازيج المحببة وعليها أن تنشر الألفة والمحبة ترحيباً بالفريق الضيف وجماهيره من خلال لافتات محببة تكرم الضيف وترحب به، لكن للأسف ما نجده عكس ذلك تماماً، لذلك فإن روابط المشجعين تساهم بإلحاق الأذى بفرقها بدل أن تجلب له المنفعة، في بعض المباريات للأسف نجد أن الفريقين وكأنهما دخلا الملعب ليقتتلا وتنتقل هذه الإشارة والحساسية إلى المدرجات، ونفتقد في مثل هذه المباريات العصبية إلى رجل حكيم يقود المباراة نحو بر الأمان.

لكن الأسوأ ما يحدث في الملعب وعلى إدارة الأندية تداركه منذ اللحظة الأولى لأنه يولد الكثير من المشاحنات بين الفرق، وعلى سبيل المثال: اللافتات التي تعرض على المدرجات وداخل المضمار والتي تهين بصورها وكلماتها الفريق الزائر، هي نقطة انطلاق لفتيل شغب لا يتوقع أحد أن يعرف إلى أين سيصل، وصمت إدارات الأندية وعدم تحركها لإزالة هذه اللافتات يدل على أن هذه الأندية موافقة مضموناً على محتواها.

ثم تأتي حالات من التصرفات في الملاعب هي بالأصل تعبر عن الفرح لكنها تستعمل بطريقة مشوهة تلحق الضرر والأذى بالجمهور والملاعب، ومنها الشماريخ، فإشعال الشمروخ على المدرجات غير ممنوع إن لم يصب أحد بأذى، لكن رميه على مدرجات الفريق الآخر أو على مضمار الملعب هو ممنوع ومخالف للقوانين ويستوجب العقوبات المناسبة، ولا يوجد شيء في القانون يسمح باستخدام القنابل الصوتية والدخانية والمفرقعات لأنها تسبب الأذى بطريق مباشر وغير مباشر، وهي بطريقة أو بأخرى لا تعبر عن الفرح بقدر ما تسبب الخوف والرعب والأذى.

الأمر الأخر هو الشتائم ورمي الحجارة والعبوات البلاستيكية على الملعب كنوع من أنواع الاحتجاج على قرار الحكام، والملاحظ دوماً أن هناك حلقة مفقودة بين الحكام والجماهير الكروية وأن الحكم متهم دوماً، والحالة الوحيدة التي يمكن أن يكون هناك رضا عن التحكيم هو حالة الفوز، فالفريق الفائز سيكون راضٍ عن التحكيم حتماً بغض النظر عن القرارات المتخذة فالمعيار هنا الفوز وليس القرار التحكيمي.

وعلى سبيل المثال قام جمهور الحرية بمباراة فريقه مع الفتوة بشتم الحكم لمجرد أنه أنذر أحد اللاعبين، فكيف بالحكم لو طرد لاعباً أو أعلن عن ركلة جزاء ماذا كان سيحدث بالمباراة؟ هذه الحالة تدفعنا للقول: إن موضوع الشتم وما يرافقه من إلقاء حجارة وعبوات بلاستيكية هو وسيلة من وسائل الضغط على الحكم في المباراة، وهذا المفهوم متداول ومتعارف عليه ويعرفه الجميع ومنهم الحكام، وهنا نستطيع التمييز بين الحكم الشجاع الذي لا ترهبه هذه الحالات وغيرها ومن في حكمها فيدير المباراة بعيداً عن هذه المؤثرات والتأثيرات وبين الحكم الجبان الذي يرضخ للضغوط، فيقود المباراة حسب صيحات الجمهور!

إدارات الأندية

والآن علينا أن نسأل: ما دور إدارات الأندية في التصدي للمخالفات ومكافحة الشغب؟، من حيث المبدأ فإن دور الأندية في هذا المجال سلبي للغاية، ونلاحظ بشكل مباشر أن المكاتب الإعلامية في الأندية تمارس دورها في نقل الخبر فقط، بينما لا تلاحظ هذه المكاتب أموراً مهمة في طليعتها توجيه الجماهير نحو التشجيع الإيجابي وعدم التعرض للحكام والفريق المنافس وجمهوره، وتبيان الأذى الذي يلحق بالأندية جراء الشغب والخروج عن النص في المباريات، ونلاحظ أن الضرر الذي يلحق بالأندية جراء ذلك متنوع منها الغرامات المالية ومنها إقامة المباريات بلا جمهور ومنها نقل المباريات خارج الأرض وقد تصل العقوبات إلى شطب النقاط ولنا أن نتخيل أن شطب نقطة أو نقطتين قد تساهم بحرمان فريق من البطولة أو هبوطه إلى الدرجة الأدنى!

على الطرف الآخر وهذا يعرفه الجميع أن هناك مواقع على صفحات التواصل الاجتماعي غير رسمية تقوم بدور سلبي ضد الأندية وتحرض الجماهير عليها وهناك من يغذيها، وهناك بالمقابل صفحات موالية للأندية وهي غير رسمية وغايتها نشر ما لا يصح نشره على الصفحات الرسمية ومنها الضغط على اتحاد كرة القدم وعلى لجانه وحكامه وقد يصل هذا الضغط إلى مرحلة التهديد المباشر وغير المباشر، وهنا الطامة الكبرى!

لذلك نعتقد أن السياسات الإعلامية في الأندية سلبية لأن دورها يساهم في تزكية الشغب وتنميته، وبهذه الطريقة لا يمكن مكافحة الشغب، وإدارات الأندية بالتعاون مع روابط المشجعين عليها دور كبير بمكافحة الشغب بطرق عديدة منها التصدي للمسيئين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واستعمال حق النادي في محاسبة كل من يستغل النادي في كلامه ومنشوراته عبر الطرق القانونية، والتعاون مع رجال حفظ النظام بإبعاد كل من يسيء للنادي في المباريات عن الملاعب.

من جهة أخرى المفترض بإدارات الأندية أن تمنع دخول المحظورات إلى الملاعب بالتعاون مع رجال حفظ النظام مثل المفرقعات والشماريخ والقنابل الدخانية والصوتية مع العلم أنه في كل ملاعب العالم يمنع إدخال القداحات إلى الملاعب، فأين نحن من هؤلاء؟

 المحاسبة الجادة

الخطوة الأهم التي يجب على إدارات الأندية أن تمارسها هي محاسبة كوادرها ولاعبيها عند ارتكاب الأخطاء ووقوعهم تحت سيف العقوبات، الأندية لا تقصر مع كوادرها ولاعبيها سواء جهة العقود والرواتب والمكافآت، والحق يمنحها سلطة فرض العقوبات على المخالفين سواء في التمارين أو المباريات أو أي تصرف يخالف شروط التعاقد، ولو أن هذه الإدارات حاسبت المخطئين لساهمت بلجم الشغب، ولكن للأسف فإنها تداري المشاغب وتناصره وتدافع عنه بكل الوسائل الشرعية وغير الشرعية.

الجمهور فاكهة الملاعب وهو الركن الجميل في كل المباريات، وبإمكان هذا الجمهور أن يحول المباريات إلى كرنفالات محببة وأن يبعد المشاغبين عن صفوفه، فمكافحة الشغب مسؤولية الجميع، تبدأ من اتحاد كرة القدم ولجانه، ومن الأندية ومكاتبها الإعلامية وروابط المشجعين، والجمهور مسؤوليته كبيرة ومهمة في ضبط الملاعب والتحلي بالروح الرياضية والحفاظ على المنشآت الرياضية سليمة دون العبث بها.

قضاة الملاعب

الحكام العنصر الرئيس في كل مبارياتنا الكروية الرسمية والودية، ولا نظن أن حكماً يريد أن يخرج عن النص بقراراته إلا الحكم الفاسد وهؤلاء عندما يثبت فسادهم سينبذون من الأسرة الكروية.

المسألة بسيطة فالقرار التحكيمي هو بالأصل قرار جدلي، أي يمكن تفسيره على وجوه عدة، وهذه التفسيرات متعلقة بخبرة الحكم وحالة الملعب وظروف المباراة، ونحن لا نريد الخوض في مهام التحكم وطبيعة التحكيم وأسلوبه، لكننا نؤكد أن على الحكم أن يتخذ قراره بسرعة كبيرة، وقد يكون الحكم في قراره صائباً وقد يكون مخطئاً، والحكم الذي يدخل المباراة واثقاً بنفسه في قمة لياقته البدنية وتركيزه الذهني هو حكم ناجح بالمطلق.

من المفترض أن يتعامل الجميع مع الحكم ضمن ظروف كل مباراة على حدا، وعلينا أن نحترم الحكام ونقدرهم فهم أصحاب مهنة شاقة وصعبة، ومن المعيب أن يدخل الحكم على المباراة ليشتم في عرضه وأهله!

في المحصلة العامة علينا أن نقتنع أن قرار الحكم لا رجعة عنه ومهما امتد الشغب في الملاعب فإن ذلك لن يغير من الأمر في شيء، فلن تعاد المباريات ولن تتغير النتائج، لذلك لا بد من الصبر على الحكام مثلما نصبر على فرقنا ولاعبينا، فجمال كرة القدم يأتي من كونها لعبة أخطاء، ومسؤولية مكافحة الأخطاء ولجم الشغب مسؤولية الجميع.