صانعا الاستراتيجية الامريكية
د. مهدي دخل الله
قبل أيام مات هنري كيسنجر، وقبله – عام 2017 – مات زبيغنيو بريجنسكي. هنري كان صانع رؤية الفيل( الحزب الجمهوري) للإستراتيجية الأمريكية تجاه العالم، وهذه الاستراتيجية تسمى السلام الأمريكي ( PAX AMERICANA). الثاني، زبيغنيو، كان صانع رؤية الحمار (الحزب الديمقراطي) لتلك الاستراتيجية. ( ملاحظة: الفيل هو الشعار الرسمي للحزب الجمهوري والحمار للحزب الديمقراطي)..
كانت الاستراتيجية الامريكية تجاه العالم تستند إلى نظرية الرئيس مونرو الانعزالية في القرن التاسع عشر ( 1823 ) ، التي كانت تحمل شعار أمريكا للأمريكيين . الانعــزال معنــاه عــدم التدخل بشؤون « العالم القديم » أي القارات الثلاث بسبب وجود صراع هناك بين دول استعمارية تقليدية ، أهمها بريطانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا ، ناهيك عن الدولة العثمانية وروسيا .
عندها كانت الولايات أضعف من أن تدخل في صراع مع تلك القوى بغية إعادة اقتسام « الحلوى العالمية » . وجد مونرو أن قطعة الحلوى موجودة بجانب بلاده وهي قارة أمريكا اللاتينية الغنية . دعمت الولايات عندها ثورات تحرر دول أمريكا اللاتينية من الاستعمار الأوروبي تحت شعار ( أمريكا للأمريكيين ) أي – عملياً – أمريكا كلها بقارتيها ملك الولايات المتحدة ..
عندما قصف اليابان بيرل هاربور ( 1941 ) انتهت بذلك النظرية الانعزالية ، وأعلن الرئيس روزفلت دخول الحرب ضد دول المحور . ثم بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت أمريكا القوة الوحيدة والأقوى قي الغرب وطرحت ما يسمى بإستراتيجية الاستعمار الجديد ، القائم على الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية بدون احتلال ميداني ، لكن مع أحلاف وقواعد عسكرية ..
هذه الاستراتيجية أخذت شكلاً عشوائياً تقريباً حتى نهاية الثمانينات ، مع الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون وظهور نجم كيسنجر. كان الجمهوري دوايت آيزنهاور قد وضع أول مستند للرؤية الجمهورية في موقفه الشهير تجاه العدوان الثلاثي على مصر ( 1956 ) . أما هنري كيسنجر فقد وضع في السبعينيات الرؤية المتكاملة لهذه الاستراتيجية ، وهي رؤية قائمة على مفهوم الهيمنة الاقتصادية والثقافية عبر المنافسة التامة مع الاتحاد السوفيتي والصين .
بالمقابل ، كان الرئيس ليندون جونسون قد وضع أول مستند للرؤية الديمقراطية لهذه الاستراتيجية ، وهي قائمة على الهيمنة عبر الحروب والنزاعات . لكن بريجنسكي وضع تقنية عملية لهذه الرؤية عبر خلق ما يسمى بالإسلاموية السياسية المسلحة التي نعاني منها حتى اليوم . كان شعار بريجنسكي « تحويل الجهاد في سبيل الله إلى الجهاد في سبيل أمريكا – أفغانستان أولاً – » ..
الحرب على سورية طرحت أمراً جديداً على الرؤيتين ، الجمهورية والديمقراطية ، وهي استعادة بعض أساليب الاستعمار القديم لدعم استراتيجية الاستعمار الجديد . الحديث هنا عن الاحتلال العسكري شمال شرق سورية وفي العراق . فالاستعمار الجديد لم يعد مقتصراً على الهيمنة الاقتصادية والقواعد والأحلاف …