“بايدن – نتنياهو” من الخصام إلى الانفصام
تقرير إخباري
نذكر جيداً كيف ادعى الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه حذّر بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة باستخدام أسماء إئتلافها المتطرّف الحالي، معللاً ذلك بأنها ستسبب سوء العلاقات بين الكيان ودول العالم، ومع ذلك التقيا بعد تشكيل تلك الحكومة في لقاء مقتضب بحجة أن بايدن “عاتب” على نتنياهو لتشكيله تلك الحكومة.
بعد بدء العدوان الإسرائيلي على غزة سارع بايدن رغم “العتاب” إلى زيارة “إسرائيل” مع وزرائه وحاملات طائراته وجسوره الجوية، ما يعني أن الإجرام الصهيوني ينفّذ تحت ستار شخصية بايدن الشزوفرينية المتأرجحة التي وضعتها شركات المجمع الصناعي العسكري كواجهة لحكومة العالم الحالي، وشماعة للفشل والخراب والدمار والإخلال بأمن الكوكب الطاقوي والغذائي والمناخي والعسكري؛ طمعاً بتركيع المزيد من الشعوب وحصاد المزيد من مليارات الدولارات من أرزاقهم.
لقد ولّد بايدن ومن سبقه قناعةً تامة لدى الحلفاء قبل غيرهم من الدول بأن أمريكا تقول ولا تفعل ما تقول، وتفعل عكس ما تقول، تحقيقاً لمصالح طغم الشركات المتربعة على عرش قرارها. هذه الحالة سرّعت وبشكل كبير هروب معظم الدول من تحالفها مع الولايات المتحدة، أو على الأقل تنويع تحالفاتهم وعلاقتهم، أو التوجه نحو أقطاب العالم الجديد وتحالفاته الاقتصادية ومبادراته المثمرة؛ لأن هذا التخبّط الأمريكي سبب لهم كارثة وحالة غير مقبولة أمام شعوبهم وأمام الحق والقيم والقوانين والأعراف الدولية، وجعل بلادهم واقتصاداتهم في مهبّ خطر هذا التخبط في أي لحظة.
وأمام التكرار المقيت للمشهد الشزوفريني للإدارة الأمريكية لم يبقَ من سائرين خلفها سوى قطيع الزعماء الغربيين الباحثين عن الدفء لشعوبهم حتى لو عادوا إلى الفحم الحجري، أو ربما العصر الحجري نتيجة سيرهم الأعمى خلف تلك الإدارة سياسياً واقتصادياً. فبعد ويلات المستنقع الأوكراني الذين سبق وانزلقوا فيه، هاهم الآن ورغم عدم خروجهم منه يغوصون مجدداً في رمال وبحور الشرق الأوسط، آملين في حماية إمداداتهم النفطية وناقلات بضائعهم ومصالحهم التي يظنون أنها في استمرار بقاء الكيان الصهيوني كحامٍ وسط تلك المنطقة، وهم اليوم في مرمى المقاومة اليمنية التي تقول كلمتها بحقهم، كما قالت كلمتها بحق ناقلات الكيان وسفنه من قبلهم.
على المقلب الآخر، يقف العالم صفاً واحداً ضدّ تلك السياسات الصهيو-أمريكية التي لم يعد من الممكن الرضوخ لها مهما كانت العواقب لأنها فاقت كل تصور في إجرامها واستباحتها حتى مدارس الأونروا ومشافي علاج السرطان، بل فرضت حتى العقوبات على من يرسل المشافي إلى مكان محاصر مثل قطاع غزة، وكان هذا الموقف الرصين متجسداً بقوة في اعتماد الجمعية العمومية بأغلبية ساحقة لقرار يطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، والذي لم تعارضه سوى ثمان دول والكيان الصهيوني.
رغم كل ذلك يجدّد بايدن المشهد المتخبط ويعلن دعمه نتنياهو شرط أن يستبدل ائتلاف حكومته المتطّرفة -طبعاً ليس الآن وإنما بعد الحرب على غزة- وبعبارة أصح بعد إنهاء مهمتهم في تصفية المدنيين العزل والأطفال في حاضنات المشافي، ثم بعد ذلك إحضار حكومة “أقل تطرفاً”، وطبعاً رغم ذلك بايدن لم يشترط وقف إطلاق النار لإنهاء “الخصام”، بل على العكس هو أكثر المشجعين لعدوان تلك الحكومة بدليل إفشاله مجلس الأمن للمرة الرابعة في إتخاذ قرار بوقف إطلاق النار خلال ثلاثة أشهر من بدء العدوان على غزة.
بشار محي الدين المحمد