الصراعات والانقسامات تحتدم داخل الإدارة الأمريكية حول العدوان على غزة
ريا خوري
ما زالت الإدارة الأمريكية تعاني من التخبّط وعدم الاتّزان في اتخاذ القرارات، حيث يعيش الرئيس الأمريكي جو بايدن حالةً من القلق نتيجة الانقسامات داخل البيت الأبيض وخارجه بخصوص ما يجري في قطاع غزة.
فقد أشارت الوقائع إلى أنّ هناك انقسامات حادة وقعت داخل البيت الأبيض حول موقف إدارة الرئيس بايدن من الحرب العدوانية التي تشنّها قوات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، وسرّبها مسؤولون أمريكيون كبار اشترطوا عدم ذكر أسمائهم، وقالوا: إن اجتماعاً لم يُعلن عنه رسمياً تم عقده بين عدد من العاملين من أصحاب المراكز المرموقة، وهم من مستويات وظيفية مختلفة بالبيت الأبيض، وبين كبار مساعدي بايدن، بناءً على طلبهم معرفة كيفية معالجة إدارة الرئيس أضخم أزمة أحدثت انقساماتٍ حادّة وغير معلنة رسمياً داخل حكومته، بدرجة لم يواجهها طوال فترة رئاسته.
وكانت بعض المعلومات الموثوقة التي سُرّبت تتحدّث عن تفاصيل دقيقة حول الانقسامات التي حدثت داخل البيت الأبيض، ووصل بعضها إلى الصحافة الأمريكية التي نشرت ما تحصّلت عليه من معلومات تحت عنوان: (البيت الأبيض يعانى انقساماتٍ حول حرب إسرائيل في قطاع غزة)، حيث قالت صحيفة (واشنطن بوست): إن مجموعة من عشرين شخصاً من العاملين بالبيت الأبيض هم الذين طلبوا الاجتماع مع كبار مستشاري الرئيس بايدن، وكان لديهم مطلب محدّد هو معرفة ما هي استراتيجية الحكومة الأمريكية من أجل الحدّ من أعداد الوفيات من المدنيين بسبب الغارات التي تشنّها الطائرات الحربية الصهيونية، وإن مستشاري بايدن استمعوا باحترام لمطلبهم، لكن بعض المشاركين في الاجتماع شعروا بأن هناك نقاطاً تتعلق بما يجرى في قطاع غزة، يجب أن تظهر في موقف الولايات المتحدة الأمريكية، لكن اتضح أن الحكومة الأمريكية حريصةٌ على عدم توجيه انتقاداتٍ للكيان الصهيوني بشكل علني، بالقول: إنّ ذلك يمكّنها من التأثير فيها بعيداً عن العلن. وطبقاً لما ذكره عدد كبير من مساعدي بايدن وحلفائه داخل وخارج البيت الأبيض، فإنّ هذه الأزمة سبّبت ارتباكاً وقلقاً للحكومة فيما يتعلق بمشكلة تعدّ أكثر حدّة من أي مشكلة أخرى واجهها بايدن خلال سنوات حكمه الثلاث.
وقال كثير من العاملين ذوي المراكز العليا في البيت الأبيض وفي مختلف المستويات الوظيفة: إنهم بدؤوا يشعرون بقدر كبير من الانزعاج بسبب علاقة الرئيس بايدن الطويلة الأجل منذ سنوات مع الكيان الصهيوني. وقالوا أيضاً: كيف لإدارة بايدن الآن أن تقبل ما تفعله الحملة العسكرية العنيدة التي تشنّها القوات الصهيونية على قطاع غزة والتي تسبّبت في مقتل أكثر من ثمانية عشر ألف فلسطيني وتشريد مئات الآلاف من بيوتهم، والتسبّب في وقوع كارثة إنسانية لا مثيل لها، والإضرار بمكانة الولايات المتحدة الأمريكية وصورتها الأخلاقية في معظم دول العالم.
فريق آخر من مساعدي بايدن للسياسة الخارجية أشار إلى دور ونفوذ منظمات اللوبي الصهيوني (إيباك) المساند للكيان الصهيوني وضغوطه على الحكومة الأمريكية، وإن كان ذلك يقابله من ناحية أخرى التغيير الذي حدث في موقف الرأي العام الأمريكي المؤيّد للفلسطينيين، وهو ما دفع أعداداً كبيرة من أعضاء الحزب الديمقراطي إلى التساؤل عن حقيقة ما تعلنه الولايات المتحدة دائماً من مراعاتها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وهو ما عبّر عنه السيناتور الأمريكي المستقل (بيرني ساندرز)، حيث طالب بأن يربط الرئيس بايدن بين إعطاء الكيان الصهيوني مبلغ ثلاثة مليارات وثمانمائة مليون دولار سنوياً كمساعدة، واشتراط إنهاء حملته العسكرية التدميرية على قطاع غزة ووقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية. في الاتجاه نفسه ووسط الخلافات والانقسامات الحادّة عقد مستشار بايدن للأمن القومي جيك سوليفان اجتماعاً مع عشرين من الأعضاء الديمقراطيين بمجلس الشيوخ، الذين أبدوا قلقهم من أن الكيان الصهيوني يستخدم المساعدات الأمريكية في تصعيد عملياته العسكرية في قطاع غزة.
لقد شعر البعض في دائرة الرئيس بايدن بالقلق من أنه لا يميّز بين الصورة المثالية لـ”دولة الكيان الصهيوني” وواقع حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، التي تضمّ عدة ممثلين من الشعبويين المتطرّفين. وقال أحد حلفاء الإدارة الأمريكية: (إنّ الالتزام التاريخي الشخصي للرئيس بايدن تجاه “إسرائيل” لم يتم تعديله من خلال حقيقة أنّ “إسرائيل” هذه لديها حكومة هي أسوأ حكومة وصلت إلى السلطة واجهتها على الإطلاق)، مضيفاً: إن بايدن كان قد قلّل من الدرجة التي يتعيّن عليك فيها الفصل بين كيفية ردّ فعل الكيان الصهيوني على هذا، وكيفية ردّ فعل حكومة نتنياهو على ذلك.
في أعقاب ذلك قالت صحيفة (نيويورك تايمز): إن بايدن أشبه بمن يبحر في سفينة متهالكة تسودها الانقسامات داخل البيت الأبيض وخارجه حول ما يجري في قطاع غزة، كما يواجه غضباً عميقاً من بين عدد من مؤيّديه وأعضاء طاقمه الرئاسي.
وكان بايدن قد استضاف مجموعة صغيرة من الشخصيات الأمريكية المسلمة التي تؤدّي دوراً كبيراً في المجتمع لزيارته في البيت الأبيض لمناقشة حول ظاهرة الإسلاموفوبيا وانعكاساتها على المجتمع، وأنهم لم يكونوا على اتفاق معه خاصة بسبب تأييده الشديد للكيان الصهيوني بعد 7 تشرين الأول، ويرون أن موقفه هذا هو السماح للكيان الصهيوني بقصف قطاع غزة بالقنابل والصواريخ والأسلحة المحرّمة دولياً مثل الفوسفور الأبيض، وأن اجتماعه معهم الذي كان محدّداً بثلاثين دقيقة قد استمرّ أكثر من ساعة.
وتبيّن أن المشاركين في الاجتماع أوضحوا أنهم لن يعطوا بايدن أصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024، كما أن العرب والمسلمين لن يصوّتوا كذلك لمصلحة الرئيس السابق دونالد ترامب.
غير أن الانعكاسات الخطيرة لما يجري الآن في غزة ستظهر مباشرة بُعيد إلزام الحكومة الصهيونية بوقف إطلاق النار، حيث ستكون النقاشات داخل الحكومة الأمريكية وفي الشارع على صفيح ساخن، وربّما أطاحت بالكثير من الرؤوس الساخنة في مراكز القرار الأمريكي.