في نهج السيد الرئيس .. (لقاء سيادته مع اللجنة المركزية)
د. مهدي دخل الله
أي خطاب ، سياسياً كان أو اقتصادياً أو ثقافياً ، له جانبان : نهج ومضمون . المشكلة ان الخطاب – عادة – يركز على المضمون مضحياً بالنهج ، فيسقط الاثنان معاً في امتحان الإقناع .
يتميز الرئيس الأسد ، في كل لقاءاته ، بأنه يضع المضمون في قالب مناسب من قوالب النهج ، فتصل الرسالة بوضوح لتقتحم مملكة الإقناع . وقد كان لقاء سيادته مع اللجنة المركزية مناسبة جديدة لعرض هذا الخطاب الواضح والمقنع .. |
هل يمكن تحديد الخطوط العامة لنهج الرئيس الأسد في لقاءاته كلها ، ومنها لقاؤه الأخير ؟..
لقد بذلنا جهداً في القيادة ، منذ سنوات ، لاستكشاف هذا النهج وتحديد ملامحه وتعميمه على الكادر الحزبي، خاصة الكادر المتميز ، للتعلم منه ، فكان البحث الشهير ، عام 2020 ، بعنوان ( النهج والرؤى ) ، حول حديث الأسد في ملتقى وزارة الأوقاف ، ثم بحث بعنوان ( قراءة منهجية في خطاب القسم 2021 ) ، وبحث بعنوان ( الهوية والانتماء 2023 ) ..
الحديث عن النهج ، أو المنهج ، ينقسم إلى ثلاثة فروع متكاملة :
1 – تقنيات علم التواصل : وهدفها خلق بيئة ودية حارة بين الملقي والمتلقي ، لتسهيل عملية الفهم والاقتناع . وهذه التقنيات تتعلق بلغة الجسد ( حركة اليدين – الابتسامة – وفي بعض الأحيان الاستشهاد في عرض فكرة ما بمزحة لطيفة – اللغة المناسبة – تعابير الاهتمام المستمر بالمتلقي عبر حركة عضلات الوجه وحركة العينين وتنقل النظر بين المتلقين .. ‘لخ). باختصار ، أن يكون الملقي لطيفاً في عرضه لأفكاره (المضمون). وهذا مهم ، خاصة إذا كان المضمون يتعلق بقضايا إشكالية ومعقدة. وقد قال الرفيق الأسد ، في بداية حديثه ، أنه قام بمصافحة جميع أعضاء اللجنة المركزية قبل بدء الاجتماع ، وليس في آخره ، وذلك – كما أكد سيادته – لأن التواصل الشخصي مهم في الثقافة العربية .
2 – استخدام اللغة المفهومة وتجنب المصطلحات المعقدة ، والتحدث بلغة واضحة ، وتجنب الشكليات البلاغية التي تخص الشعر والنثر .
3 – وهو الأهم ، أسلوب تناول الفكرة وعرضها ( والأمر هنا يتعلق بالتقنيات الأساسية للنهج ) :
- أ- قال السيد الرئيس في أحد لقاءاته مختصراً نهج فهم القضايا : « المطلوب هو العقل ، لأن العقل فلسفة .. والفلسفة هي القدرة على التفكير والتحليل والتركيب » . إنه مفهوم الفلسفة العملية ، وليس الفلسفة التي تبحث في الماوراء ( الميتافيزيك). إن تقنية التفكير والتحليل وإعادة التركيب هي التقنية الأساسية في نهج فهم القضايا ، ثم وعيها ، والتصرف على أساس هذا الوعي .
- ب- القاعدة الهادية في التحليل والتركيب وإعادة التركيب هي النهج النقدي ، الذي يعني اكتشاف الجوهر ثم اكتشاف معناه واستخراج المقولة ( الفكرة ) على هذا الأساس . إن المقولة – كما يقول ابن رشد – هي معنى الجوهر ..
- ج- الاستناد إلى فكر القضايا ، بمعنى فهم القضايا عبر إشغال الفكر بعيداً عن الرغبات والمواقف المسبقة . وقد ركز الرئيس الأسد مراراً ، في لقائه السبت مع اللجنة المركزية ، على مقولة فكر القضايا .
- د- وجود مبادئ عامة يستند إليها فكر القضايا كي لا يقع هذا الفكر في مزلق البراغماتية ( النفعية الانتقائية ) . وبالنسبة للبعث ، هناك مجموعة مبادىء وطنية وعروبية وعالمية معروفة .
- ه- القواعد المعيارية : إذا كانت معالم النهج المذكورة عامة تصلح في كل انواع الخطاب ، فإن القواعد المعيارية خاصة بكل موضوع على حدة . وقد تحدث الرئيس الأسد في لقاءاته – وفي لقائه الأخير أيضاً – عن قواعد معيارية حسب الحالة الخاصة ، أي نوع القضايا ونوع الاجتماع واهتماماته . مثلاً ، تحدث السبت ، حول الحزب والدولة ، عن معيارية العدالة – الكفاءة ، والمرحلة المفصلية ، ماهية برنامج الحزب ، السياسات الوطنية ، دور الحزب ، تبنى المؤسسات على الآليات وليس على الثقة الشخصية ، النظرة الواقعية تقلل من الاحباطات ، العودة دائماً إلى العناوين الكبرى ، وعدم الضياع في التفاصيل .. إلخ .
لاشك في أن مراجعة خطاب السبت استناداً إلى العرض الموجز المذكور أعلاه عن النهج يفيد كثيراً في فهم مضمون الخطاب ، وبناء وعي دقيق استناداً إلى طروحاته ، وبالتالي الانتقال إلى مرحلة الإرادة ثم الفعل . |