دراساتصحيفة البعث

اجتماع اللجنة المركزية … تحويل مكامن الخلل إلى قوة

بشار محي الدين المحمد

لقد رسم اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي الملامح لمرحلة جديدة في حياة المجتمع السوري بمختلف جوانبه، ليس فقط المعيشية الاقتصادية أو حتى السياسية، بل في ضوء التوجّه نحو إعادة دراسة واقع البلاد بعناوينه الكبرى دون الاكتفاء بالغوص في التفاصيل اليومية، بمعزل عن تراكمات وتجارب قد تعود لعقود طويلة، فالمجتمع السوري بقيادة “البعث” تم تأسيسه على قاعدة من النضال المقسّم إلى ثلاثة أقسام بشكل أساسي، إلا أنها في الوقت نفسه متضامنة ومتكاملة وتحصد النتائج أو تعاني الانتكاسات ضمن وقت واحد ولأسباب واحدة نظراً لشدّة الروابط فيما بينها، وقد أكّد السيد الرئيس بشار الأسد الأمين العام للحزب خلال اجتماع اللجنة المركزية أمس السبت، أن حالة تلك التداعيات التي يعيشها المجتمع قد تعود إلى عام 1967. وإذا حلّلنا كلام سيادته سنجد في مضامينه إشارة واضحة إلى ما مرّ به الحزب عبر اعتماده جبهة نضالية على المستوى العالمي؛ فهو يساند بشكل لا لُبس فيه ولا غموض أيَّ حركة تحرّر وطني إنساني أينما وجدت، ويشجب كل أشكال العدوان والاعتداء والاستفزاز حتى لو كانت من دولة كبرى ضدّ دولة كبرى، ويشجّع كل حركات النضال ضدّ الغطرسة وطغم الاستعمار الناهبة للشعوب والمعرقلة لتطوّرها مهما تعدّدت أساليبها وأشكالها، سواءٌ أكانت مباشرة أم عبر قطعان الإرهاب، أم كانت ناعمة “اقتصادية” عبر الضغوط والحصار، فهي مورست كلّها وعلى مراحل وبأقسى سيناريوهاتها ضدّ سورية وضدّ الحزب، فكانت النتيجة كسر قطبية العالم. أما على صعيد جبهة النضال العربي، فإن الحزب ثابت في دعم قضيته المركزية مهما اشتدّت أشكال العدوان والحصار سواءٌ على الشعب السوري، أم على أشقائه من الشعب الفلسطيني، ولا تفاوضَ ولا حلول دون إقامة الدولة الفلسطينية، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. أما على صعيد جبهة النضال الداخلية فهي تمثل المصبَّ لكل أشكال العداء ضدّ سورية وحزب البعث، التي تمثلت بأبشع صورها عبر تجنيد مجموعات من شذاذ الآفاق، مهمّتهم تدمير سورية داخلياً في محاولة زعزعة أركان تحدّيها للإرادة الاستعمارية بالتزامن مع حصار مطبق ضدها، إلا أن تلك السيناريوهات فشلت على جميع الساحات، وخسر رهان تنظيمات الإرهاب ورهان مشغليها على جميع جبهات الوطن المتأهّبة لإعلان النصر المؤزّر وإعادة الإعمار الشاملة.

وبالعودة إلى مضامين الاجتماع، فقد حثّ الرفيق الأمين العام عبر كلمته على التحلي بالإيجابية، والثقة بالقدرة على تغيير الواقع مهما تكاثرت السلبيات أو الأخطاء في تجارب سابقة، فوجود سلبيات في عملية الانتخاب الحزبية السابقة والبُعد عن التعيين لا يُلغي إيجابيات الانتخاب، وحدوث السلبيات لا يمكن نقده أو التنبّؤ به قبل حدوثه، كما لا يجب أن يمنع من التجربة مجدّداً، فالسلبيات ستحصل وهذا ليس أمراً مهمّاً، بل الأهم هو عدم تكرار الواقع بأخطائه وحتى عدم التراجع، بل لا بدّ من تكرار التجربة للوصول إلى جادة النجاح مهما كثرت الانتقادات.

لقد تطرّق اجتماع اللجنة أيضاً إلى أمور جوهرية وأساسية، حيث تم تأكيد مضامين التطور والمرونة في تحقيقها من الحزب وقياداته عبر عدة جوانب، فالعالم يتغيّر والمجتمع يسير في سياق حركة التطوّر، ولكن الحزب مطالبٌ بأن يكون فاعلاً وقائداً لمسيرة التطوّر تلك لا مسيّراً خلفها أو منفعلاً، وفي الوقت نفسه عليه الحفاظ على مرونته وتحديث عقليته، وضخّ الدماء الشابة في صفوف قياداته، حيث تقرّر بالأمس خفض مدة ترشيح الرفيق العضو العامل في الجامعات من عشر سنوات إلى أربع، وهذا التعديل الجوهري هو صورة واضحة لتوجّه القيادة إلى ضخّ تلك الدماء، وتغيير الواقع السلبي الذي سبّب مؤخراً -لا بسبب الأزمة وإنما لخطأ في التواصل- قطيعة بين الأجيال الشابة وحزب آبائهم وأجدادهم، ما نجم عنه نظرة سلبية تجاهه من تلك الأجيال، وعلينا اليوم تصحيح هذا الخلل عبر إعادة التواصل مع تلك الأجيال التي لا بدّ أن تكون أساساً في قيادة كل عمليات التغيير سواءٌ على صعيد الحزب أم على صعيد الدولة والمجتمع، كما يجدر بنا الارتكاز على قاعدة هؤلاء الشباب في فهم وإدارة الواقع الجديد بأدواته الرقمية والتقنية، مع تحقيق المواءمة بينهم وبين جيل من سبقهم لضمان ضبط إيقاع مسارات العمل عبر خبرة وسعة تجربة تلك الأجيال.

لقد عبّر الرفيق الأمين العام بوضوح خلال مداخلات اجتماع اللجنة عن جملة من الوقائع التي نعيشها، مبيّناً أن التعاطي معها لا يعني عدم الشرعية أو عدم القانونية أو الخطأ، فنحن الآن نعيش فيما يشبه مرحلة انتقالية شاملة ويفترض أن تُدار بأدوات تحقق مرونة معيّنة وإن تجاوزت حرفية نص القانون، فالمصالحات مثلاً أمر غير قانوني بجوهره، ولكن الواقع الذي تعيشه البلاد قد فرض اللجوء إليها في مرحلة ما، والحياة الحزبية الآن بحاجة إلى التغيير والألق الجديد عبر تنوّع الآراء ووجهات النظر، والكلمة الفصل لن تكون إلا للانتخابات وما تقرّره الأغلبية حتى لو حدثت السلبيات.