الغرب المنحاز والضّلال
عبد الكريم النّاعم
للتفريق بين “الانحياز” و “الضّلال”، نبيّن أنّ ” الانحياز” يكون عن علم، واختيار للموقف، أو للفعل، بينما ” الضّلال” يكون عن وهم في أنّ صاحبه قد اختار ما يراه حقّاً، وقد أفصح عن هذا الأمر الإمام عليّ ( ع) حين وصّى ولديه قبل موته بقوله: “ولا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس مَن طلب الحقّ فأخْطأه كمَن طلب الباطل فأصابه”.
قيادات الغرب معظمها، في موقف “الانحياز” منذ أنْ خرجت قواته لاحتلال البلدان الأخرى، لنهب خيراتها، وتحويلها إلى سوق تصريفيّة، وارتفع هذا الموج، الجائحة، بعد تسلّط الولايات المتحدّة على مقدّرات طغانيّة، ترى الخير فيما ينفع معاملها، وبيْع أسلحتها، وهذا ظلم فظيع، فحكوماتهم تسعى لتقديم خدمات لمواطنيها على حساب سلب لقمة الجياع في العالم، وأفْدَح ذلك الظّلم وقع علينا في الأرض المحتلّة، فمنذ نابليون حتى الآن، والغرب يعمل لخلق حاجز غريب، بكلّ ما للكلمة من معنى، بين آسيا العربيّة، وشمال إفريقيا العربيّ. ولقد سبق أن ذكرْنا أنّ أحد مسؤولي الولايات المتحدّة الحاليّين صرح بأنه لو لم توجدْ “إسرائيل” لكان علينا اختراعها، فكلاهما، الغرب وقادة الصهاينة، متكاتفان، متساندان، مصلحتهما واحدة، لا فرق بين أن يكون النّفوذ هنا للصهيونيّة، بفروعها الماسونيّة، وبمجالس سيطرتها السرّانيّة، أو لتلك القيادات، كما قد يبدو، أنظروا إلى انحياز الغرب للصهيونيّة بوقاحة لم تُعرَف من قبل.
تستطيع في الغرب أن تكون مُلْحِداً، أو متديّناً، أو لا هذا ولا ذاك، فذلك شأنك. وتستطيع أن تكون شاذّاً، سلباً أو إيجاباً، وتُفصح عن ذلك، بل وأن تُعلن زواجك من رجل، وفي احتفال عرس يحضره آخرون. وتستطيع أن تُشكّك في معجزات المسيح عليه السلام، في بلد أهله مسيحيّون، ويُسمَح للبعض أن يحرق القرآن الكريم، بحجّة أنّ ذلك حريّة شخصيّة!! أمّا أن تدعو مجموعة ما للتظاهر ضدّ حرق القرآن، فذلك امتهان للحريّات!! يوهمون مواطنيهم أنّهم حقّقوا لهم كلّ أسباب السعادة والرّفاه، متناسين أنّ “مدنيّة” الغرب بكاملها هي إغراق للناس في صنميّة جديدة، بعيداً عن أيّ قيمة روحيّة. وتستطيع أن تصرّح بما تشاء، فيما يتّفق مع سياقهم العام، ولكنّك لا تستطيع أن تقول إنّ محرقة “الهولوكست”، قد بولِغ فيها، وإنْ بدر شيء من ذلك فستُحال إلى المحاكم التي التزمتْ بتجريم قائله!!
نذكّر في هذا المقام بما حدث لروجيه غارودي أحد أهمّ مفكّري القرن العشرين، وهو لا يحتاج إلى تعريف لشهرته، حين كتب كتابه المهمّ، الموثّق، عن “الأساطير المؤسِّسة لإسرائيل”، فقد حوصِر إعلاميّاً، ونعرف جميعاً سيطرة الصهاينة على الإعلام، وبيوتات المال، والمافيا، ومحال العُهْر، وذلك تطبيقاً لبروتوكولات صهيون، فقد هُوجم غارودي، وعجز في بلده فرنسا عن الوصول إلى فسحة في الصحافة للدفاع عن نفسه، وفي تقاليد الصحافة، حين يجري ردّ، يُنشر في الصحيفة ذاتها، وعلى الصفحة التي تناولتْ أمراً يخصّ الرّاد،، غير أنّ نفوذ الصهيونيّة في وسائل الإعلام الفرنسيّة، منعتْ ذلك، وحين وُجد مَن ينشر الردّ، فقد نُشر كإعلان مدفوع الأجر، هذا كان حال غارودي، المفكّر الكبير، فكيف بالآخرين؟!!
بثقة كاملة يمكن القول أنّ الغرب منحاز انحيازاً “بصيراً” لما تريده “إسرائيل”، وهذا قائم منذ نشأتها حتى الآن، وذلك يعني أنّه على مَن أصرّ على الانتماء لوطنه، في هذه الأرض، ولآمالها، ولكلّ ما يحقّق لها شيئاً من سُبُل النّهوض، وفي المقدّمة التصدّي للمشروع الصهيوني.. أن يكون اعتماده على ذاته، وأن يطوّر ما لديه لكيلا نُباع في سوق العبيد المعاصر…
aaalnaem@gmail.com