مجلة البعث الأسبوعية

لواقعهم المرير.. أحلام الشباب تلتقي في حقائب السفر..

البعث الأسبوعية – بشير فرزان

رغم كثرة الأحلام الشبابية وتعدد مساراتها، إلا أنها اليوم تلتقي جميعاً وتتحد في حمل حقيبة السفر والهجرة إلى بلدان أخرى يحققون فيها طموحاتهم وأهدافهم التي عجزوا عن تحقيقها بسبب الواقع المعيشي والاقتصادي الصعب وطبعاً في المقابل هناك بعض الشباب من الذين يفضلون إبقاء أحلامهم داخل حدود بلدهم حيث ترسم في مخيلتهم عشرات الأحلام التي تدور في فلك تحقيق النجاح المادي والعلمي والثقافي والاجتماعي، ولكنها صعبة المنال والتحقق ولذلك يدخل هؤلاء فيما نسميه أحلام اليقظة التي تكون بمثابة رسم لأحلامهم في مخيلتهم الواسعة دون تخطيط صحيح للتنفيذ وهذا ما يجعلها مجرد أحلام يقظة غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع لتتحول بعد فترة إلى نوع من أنواع الأمراض النفسية التي تقود صاحبها إلى الفشل الذريع.

تباين وجهات نظر

وخلال السنوات الماضية فقد الكثيرون متعة العيش في الواقع المرير الذي فُرض علينا تحت وطأة ظروف معيشية واقتصادية قاسية جعلت الكثيرين يهربون منها إلى عالمهم الآخر الذي رسموه في مخيلتهم بشكل أجمل من الواقع ليستطيعوا الاستمرار في الحياة.. هي أحلام اليقظة التي تراودنا بشكل دائم، فمن منا لا يفقد الارتباط بواقعه بشكل كامل لدقائق معدودة ويستسلم للعيش في أحلامه وتخيلاته سارحا في دنيا الأحلام، حيث متعة الهروب من واقع مرير، أو مغاير للآمال والتطلعات لتأخذنا هذه الأحلام إلى حيث يصعب علينا الذهاب، وتحقق لنا أهدافا بعيدة المنال، وبالرغم من تباين وجهات النظر حول أحلام اليقظة بين من يدرجونها ضمن مواقف لا شعورية يتمنى الإنسان تحقيقها، وآخرون يذكرون بأنها معلومات غير واقعية تنطلق من الذاكرة وتسيطر على الفرد عندها يحاول تحقيقها بواسطة أحلام اليقظة، فإن واقع هذه الأحلام يبقى واحد.

إن إغراق شبابنا اليوم في أحلام اليقظة ربما يعطيهم شعورا بالرضا عن أنفسهم، حيث يعوض الواقع بالخيال ليكون بمثابة مادة مخدرة يتعاطاها للهروب من الواقع إلى خيال ممتع سرعان ما يعود منه إلى الواقع ليجد أن الواقع قد أصبح أكثر صعوبة، ولكن خلال هذه المحن التي نمر بها اختلفت أحلام اليقظة عندنا لتتحول إلى أحلام صغيرة كانت سابقا أمرا واقعا نعيشه قبل الحرب فهذا يحلم بدخل مادي بسيط بعد أن كان صاحب لأكبر معامل الألبسة، وتلك تحلم بمنزل دافئ بعد أن فقدت منزلها، وذاك يسرح في أحلامه ليحلم بانتهاء الحصار، والطفلة الصغيرة تحلم بالعودة للمدرسة هي وأخوتها بعد أن حرمهم الفقر وفقدان منزلهم من الذهاب إليها.. لتبقى هذه الأحلام مجرد عالم من الأوهام الذي يطير فيه الحالم فوق السحاب على أجنحة من التخيلات المرئية طمعا في تحقيق الأمل المنشود.

وأكثر ما تنتشر أحلام اليقظة في فترة المراهقة التي تشهد اضطرابات صاخبة، نفسية وجسمية وعقلية وتختلف طبيعة الأحلام بين الجنسين، فبينما يحلم الشبان بالبطولة والمغامرة، فإن الأحلام الرومانسية هي التي تشغل عقول المراهقات وتساهم قراءة القصص الرومانسية بأبطالها وأحداثها في إشعال أحلام اليقظة، وكثيرا ما تكون هذه الأحلام بمثابة صمام أمان يسمح بتحقيق ما هو بعيد المنال على أرض الواقع ليصبح أمرا ممكناً على صعيد الخيال، وأحلام اليقظة شائعة أيضا عند الأطفال، فالمعروف عن هؤلاء أنهم يتمتعون بالخيال الخصب الذي يمكنهم من التغريد لبعض الوقت بأفكارهم بحرية ومن دون قيود، ما يعطيهم الفرصة للابتكار والإبداع.

تعرض شبابنا خلال السنوات الأخيرة للكثير من الصدمات الجسدية والصدمات النفسية، فالواقع المرير الذي فرضته الأزمة جاء كالسد المنيع في وجه طموحاتهم وأحلامهم برأي الدكتورة “رشا شعبان” علم اجتماع، بالتالي فقد وجدت هذه الفئة من الشباب حلاً وحيداً وهو الهروب للعالم الخيالي لتحقيق ما فشلوا به على أرض الواقع، ومع ذلك فإن أحلام اليقظة قد تكون مفيدة في حال كانت عبارة عن رسم لخطط مستقبلية في الخيال بغية النجاح في الحياة العلمية والعملية من خلال ترتيب الأفكار واتخاذ الخطوات لتحقيق الهدف الذي يحلم به الشخص، ومن ناحية أخرى قد تنعكس هذه الأحلام سلبا على الشخص إذا وصل إلى حالة إدمان بها ليهرب في خياله ليلا نهارا إلى واقع أجمل من واقعه فالمشكلة اليوم ليس في أحلام اليقظة بل بالأشخاص الذين أصبحوا يعتقدون بصحتها ويتحدثون عنها بشكل يشير إلى أنها أمر واقع وحدث حقيقي لا أنه مجرد حدث في مخيلة الشخص، لذا لابد للفرد الذي يعيش هذه الحالة من أحلام اليقظة أن يمارس نوعا من الضبط عليها كي لا تبقى حياته رهينة لها وبالتالي تتحول إلى حالة مرضية وأوهام ليس لها حدود وقيود.