ثقافةصحيفة البعث

الشّاعر خالد القطان: الثقافة في العراق تسير باتجاه التعافي

هويدا محمد مصطفى

يكتب الشّاعر العراقي خالد القطان قصيدته برؤى فلسفية وبذكاء المحترف بلغة الحرف وبلاغته وطريقة إيصاله للمتلقي، وذلك من خلال عمق ثقافي، فالنّص الوجداني والإنساني لديه بمنزلة رسالة يريد إيصالها بطريقته المتفرّدة بعالم الشّعر، يقول: “أنا أنظر إلى الحياة من زوايا عدّة لتكتمل الرّؤيا لديّ، لأنّ من يرى الحياة من جانبٍ واحدٍ ستكون رؤيته ناقصة وعقيمة، ولا يستطيع أن يكوّن فكرة ناضجة عن ما يحيط به من هذا الكم الهائل من المتغيرات المتسارعة التي يجب مواكبتها، أمّا فيما يخصّ قراءاتي الفلسفية، فقد أثّرت على قصيدتي التي أكتبها، كذلك العوامل والمؤثرات الحياتية اليومية كالغربة سواء خارج الوطن أم داخله، وحالات الفقد التي منيت فيها جعلتني أنظر إلى الحياة رؤية مغايرة، وهذا الأمر انسحب إلى القصيدة التي أكتبها، لقد قال لي أحد النقّاد إن أسلوبي متميّز ومتفرّد في الكتابة، ولم أقلّد أحداً، كما يفعل الكثير من الشعراء، بحسب توصيفه.

هل تكتبك القصيدة؟ أم أنك تذهب إلى عالمها؟

في الأعم الأغلب، القصيدة تأتي هكذا من دون مقدّمات أو استئذان، إذ إنني وبمجرد أن أمسك القلم، وأبدأ الكتابة على الورقة تنساب الأفكار وتتدافع كلمات القصيدة لتكتمل من دون تكلّف، هذا طبعاً خلال سنوات التسعينيات قبل دخول الحاسبات الإلكترونية إلى بيوتنا، أما حالياً فأنا أستخدم “الكمبيوتر، اللاب توب” في الكتابة، لأنّ عهد الورقة والقلم انتهى، وتنضج القصيدة في مخيلتي باعتمال رؤى وأفكار تأتي من دون تحضيرات في أي مكان، سواء في العمل أم في البيت أم في المقهى، حتى وأنا أستقلّ إحدى وسائل النقل كالسيارة مثلاً، ومرات كثيرة تأتي فكرة القصيدة وأنا أسير في الشارع، وبدخول التقنيات الإلكترونية في حياتنا، فالكثير من القصائد كتبتها على الجوال.

من خلال عناوين مجموعاتك الشعرية، نجد أن هنالك حزن دفين وكأن القصيدة تتحدث عنك، فماذا تحدثنا عن ذلك؟

هذه حقيقة وأخبرني بها بعض أصدقائي، أي أن الطابع الذي يغلب على قصائدي هو طابع الحزن، وهذا ناتج عن إرهاصات الماضي والحاضر وما عانيته وأعانيه من الأوضاع المأساوية التي يعيشها بلدي والمجتمع المحيط بي الذي أعيش بين أوساطه، كذلك حياة الغربة التي عشتها في الأردن، ثم في سوريا خلال سنوات التسعينيات، والابتعاد عن الوطن والأهل، وفقدان والدي ووالدتي ولم أستطيع حضور عزائهما، كل هذه الظروف المأساوية وغيرها من المنغصات، وجّهت قصيدتي إلى هذا المنحى لا شعورياً، واصطبغت قصائدي بصبغة الحزن والشجن.

نجد أن قصيدة النثر رائجة، وخصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أين أنت من هذا؟

للأسف هنالك الكثيرين من “الكتبة” الذين يستسهلون الكتابة ومنها كتابة قصيدة النثر، ويعتقدون واهمين أن قصيدة النثر سهلة الكتابة، وهم بالتأكيد على خطأ، أمّا فيما يخص النشر على مواقع التواصل الاجتماعي فهذه مشكلة كبيرة، وصار كل من هبّ ودبّ يسمّي نفسه شاعراً، والشعر منه براء، فالنشر على هذه المواقع لا يخضع لرقيب أو للجنة تفحص النصوص المنشورة، فهي متاحة للجميع وتحت الطلب في أي وقت يشاء مدّعوا الشعر، وهذا الكم الهائل من هكذا نوع مما يدعى بالشعر زوراً وبهتاناً، هو مجرد تهويمات وخزعبلات وكلمات مبعثرة غير مترابطة لا يفهم منها شيئاً، وهذه حقيقة مرّة يعانيها الشعر هذه الأيام، طبعاً هكذا نوع من الشعر لا ينطلي على القرّاء الذين يميّزون الغث من السمين.. حقيقةً أنا أمقت هذا الاستسهال في كتابة الشعر، وأوجه النصائح والإرشادات والتوصيات لكتّاب هكذا نوع من الشعر، فإذا وجدته منشوراً على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، أوجه النصح لكاتبه على الخاص، أما إذا وجدته في مطبوع، فيكون نصحي لكاتبه على انفراد، دفعاً للإحراج، وحتى لا أسبب لكاتبه ألم نفسي.

ما القصيدة التي لم تكتبها بعد؟

أعتقد وبقناعة تامة أنني كتبت كلّ ما أريد أن أكتبه من القصائد، فقد كتبت القصيدة الفلسفية، وقصيدة المعاناة اليومية، وقصيدة الحرب، والقصيدة العاطفية الوجدانية “قصيدة الحب”، وقصيدة الحزن والشجن، وقصيدة الصداقة، أما القصيدة التي لم أكتبها بعد، هي قصيدة الطفل، على الرغم من أنّ هذا النوع من القصائد التي تخص الطفولة، لها شعراء متخصصين اتّخذوا هذا الخط في الكتابة، بالتأكيد هذه القصيدة لها خصوصيتها، وجدواها في تربية الطفل وإرشاده وتوجيهه الوجهة المجتمعية الصحيحة والسليمة.

لديك مشروع العمل الروائي، هل للشعر والرواية التأثير ذاته على المتلقي؟

لكل جنس أدبي قراء، وهذا يعتمد على الذائقة الحسّية للقارئ أو المتلقّي بخصوص ما يقرأه، والمقولة السائدة الآن “العصر الحالي هو عصر الرواية، وزمن الشعر قد انتهى” وهذا برأيي غير صحيح، ولا يجوز أن نطلق الأحكام هكذا جزافاً، فكما للرواية قرّاؤها ومتابعوها، كذلك للشعر قرّاؤه ومتابعوه، فما يزال الشعر بخير وعافية، ودليلي على ما أقول هو اكتظاظ وازدحام القاعات بالمتلقين والمتابعين هذه القاعات التي تقام فيها الجلسات أو الأصبوحات أو الأمسيات الشعرية، سواء في بغداد أم في محافظات العراق الأخرى، كذلك الإقبال على شراء المجاميع الشعرية من دور النشر والمكتبات، وهذا الكم الكثير من طباعة الكتب والمطبوعات التي تختص بالشعر، ومشاركاتها الواسعة في معارض الكتب، التي تقام في العديد من الدول العربية، طبعا أنا اقصد الشعر الرصين الذي يجد فيه القارئ الإفادة والمتعة، وتذوّق الجملة الشعرية، وفيما يخصّ مشروعي الروائي، فما يزال في طور الكتابة.

سننتقل الآن إلى النّقد.. هل تجده ضرورياً في العمل الأدبي أياً كان جنسه؟

فيما يخصني، أستطيع أن أقول: إن النقد أنصفني.. ففي وقت قياسي بعد صدور مجموعتي الشعرية الأخيرة، كتب عنها أربعة نقّاد وهم من المبدعين في مجالهم، والعدد في تزايد، وهنالك نقّاد لم تصلهم مجموعتي واتصلوا بي وطلبوها للكتابة عنها، أمّا فيما يخص الشق الثاني من السؤال، بالتأكيد النقد ضروري لإضاءة النص الأدبي أياً كان جنسه، ومن واجب الناقد الذي عليه أن يضيء للقارئ، أي زاوية يسهم إيضاحها في تعميق إدراكه للنص، وفهم رسائل الكاتب الفكرية والنفسية التي يمرّرها من خلال استعارة تلك النتاجات الفنية، فالناقد الحقيقي والموضوعي هو حامل “مصباح ديوجين” في تسليط الضوء على مفاصل العمل الأدبي وبأجناسه المتعددة، ويبرّز ما يريد أن يقوله الكاتب أو ما يريد أن يوصله إلى القارئ أو المتلقّي.

كيف تجد الواقع الثقافي العربي بشكل عام، والواقع الثقافي في العراق بشكل خاص؟

حقيقةً.. أستطيع أن أقول إنّ الواقع الثقافي العربي عموماً ما يزال فاعلاً ومتفاعلاً مع محيطه المجتمعي، وفي أغلب الدول العربية، حيث نشاهد المهرجانات والمؤتمرات والندوات والفعاليات الثقافية وبكل مفاصل الثقافة في أغلب الدول العربية، مع تفاوتها في حراكها بين دولة وأخرى، أيضاً نشاهد معارض الكتب السنوية في عموم الدول العربية، وهذا الأمر يعطي زخماً للثقافة العربية، فضلاً عن أنّ معارض الكتب السنوية هذه تعدّ واجهات ترفيهية للأسر العربية، ودافعاً لزوّار المعارض في اقتناء الكتب وبشتى عناوينها، كذلك انتشار المسابقات التي تخص النتاجات الثقافية، وتخصيص المكافآت المالية المجزية، لأصحاب النتاجات الفائزة المشاركة في هذه المسابقات.. هذا فيما يخص الواقع الثقافي العربي، أما على صعيد الواقع الثقافي العراقي، فأرى أن الثقافة في العراق تسير باتجاه التعافي ورجرجة الساكن منها، والحراك الثقافي العراقي مشابه إلى حدّ ما للحراك الثقافي في عموم الدول العربية مع بعض الفوارق، إذ لابد أن يكون هنالك فوارق واختلافات، فلكل دولة عربية ظروفها ووضعها الخاص وإمكاناتها فيما يخص الموارد المادية والموارد البشرية، وهما عنصران رئيسان في تحريك الوسط الثقافي وإدامة فاعليته.

هل أثّرت ظروف الحياة والحرب على الحراك الثقافي، برأيك؟

نتاج طبيعي لظروف الحياة الصعبة والمعقدة، كذلك الحرب، أن تؤثر على الحراك الثقافي، وهذا حصل ويحصل في كل دول العالم التي خاضت وتخوض الحروب، إذ إن كل إمكانيات الدولة توجّه وتخصص لدعم الجهد الحربي وإدامة زخم المعارك على الجبهات المتعددة، وهذا يؤدي إلى استنزاف موارد الدولة، بدلاً من أن توجه أو تخصص هذه الموارد، ولاسيّما الموارد المادية منها، لدعم القطّاعات الثقافية والذين يشتغلون بالثقافة وبكل مفاصلها وتفرعاتها، وبذلك يكون الحراك الثقافي محدوداً وفي نطاق ضيق، على مستوى النشاطات والفعاليات الثقافية التي تقام في أوقات متفرقة، وبالتأكيد لن تكون هذه النشاطات بالمستوى المطلوب الذي يطمح إليه الجمهور أو المتلقين، وهذا الأمر ينسحب إلى المثقفين أو القائمين بالعمل الثقافي.

هل لديك مشاركات أدبية في سوريا؟

عشت في سوريا مدة أكثر من ثماني سنوات، من أواسط التسعينيات من القرن الماضي، حتى أواسط سنة 2003، ثمّ عدت إلى بلدي، لكن للأسف خلال تلك الفترة لم أشارك في النشاطات والفعاليات الأدبية المقامة في سورية آنذاك، وذلك بسبب مشاغل الحياة والمتطلبات المعيشية لأسرتي التي تركتها في العراق، لكن في أواخر سنواتي في سوريا، والتي أعدّها بلدي الثاني فقد شربت من مائها، وأكلت من طعامها، أصدرت مطبوعاً على شكل جريدة صغيرة الحجم بعنوان “أصوات عراقية” وكان معنياً بالثقافة والأدب العراقيين فقط، وبعدها عملت في إحدى صحف العراقية، التي كانت تصدر في دمشق آنذاك، مسؤولاً للصفحة الثقافية، ونشرت لكثير من الأدباء والكتّاب السوريين والعراقيين على اختلاف مشاربهم الأدبية.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟

طموحات ومشاريع أي كاتب وفي أي جنس أدبي، لا تتوقّف عند حدّ معيّن، فالطموحات والمشاريع مستمرة، ما دام الكاتب مستمراً في الحياة، ومن ضمن مشاريعي إكمال طباعة مجموعتي الشعرية الجديدة “إلى المنفى.. أو تقويم الأحزان” التي مازالت تحت الطبع في “مؤسسة دار الشؤون الثقافية” التابعة لوزارة الثقافة، ثم إيجاد منافذ لتوزيعها، والانتهاء من كتابة مجموعتي الشعرية “غواية الحكمة على أبواب الفقراء”، وكذلك إكمال كتابة روايتي والبدء بغيرها.