دراساتصحيفة البعث

العواقب الوخيمة لمخطط “إسرائيل” إغراق أنفاق غزة

 عناية ناصر

قامت “إسرائيل” حسب تقارير إخبارية بنصب مضخّات بالقرب من مخيم الشاطئ للاجئين في مدينة غزة، قادرة على غمر الأنفاق خلال أسابيع عن طريق ضخ آلاف الأمتار المكعبة من المياه في الساعة داخلها. ولم تؤكد سلطات الاحتلال أو تنفي هذه الخطة، لكنها قالت: إن تدمير الأنفاق هو الهدف الرئيسي لحملتها ضد المقاومة الفلسطينية. وتزعم “إسرائيل” أن المقاومة الفلسطينية تستخدم الأنفاق لإخفاء الرهائن والأسلحة، وأن بعض كبار قادتها مثل يحيى السنوار يختبئون في تلك الأنفاق.

أثارت الخطة مخاوف بشأن الأضرار المحتملة التي قد تلحق بطبقة المياه الجوفية والتربة في غزة، في حال تسرّبت مياه البحر إلى الأنفاق، فضلاً عن التأثير المحتمل على أساسات المباني. وفي هذا الخصوص حذّرت روسيا “إسرائيل” من مغبّة إغراق أنفاق قطاع غزة بمياه البحر، وقالت: إن هذه الخطوة ستعدّ بمنزلة جريمة حرب. في سياق متصل نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين قولهم: إن الآراء في إدارة جو بايدن كانت متباينة، حيث أعرب البعض عن قلقهم بشأن الخطة “الإسرائيلية” بينما أيّد آخرون جهود “إسرائيل” لتدمير الأنفاق. وتدرس “إسرائيل” القيام بهذه الطريقة الآن لأنها واجهت صعوباتٍ في تحديد مواقع الأنفاق وتدميرها بالوسائل التقليدية مثل المتفجّرات والقوات البرية. من المستبعد جداً أن تتمكّن “إسرائيل” من تعطيل جميع أنفاق المقاومة الفلسطينية في غزة، لأنها عديدة ومخفية، وتعيد بناءها باستمرار، كما تعلّمت المقاومة الفلسطينية  التكيّف مع أساليب “إسرائيل” وتحسين شبكة أنفاقها مع مرور الوقت. ولذلك، تواجه “إسرائيل” تحدّياً هائلاً في محاولة إزالة الأنفاق التي تشكّل رصيداً رئيسياً لاستراتيجية المقاومة الفلسطينية العسكرية والسياسية.

الآثار المحتملة لغمر الأنفاق

من الصعوبة بمكان التنبّؤ بالآثار المحتملة لإغراق الأنفاق بمياه البحر، لكنها قد تكون كبيرة وبعيدة المدى. ومن بعض العواقب المحتملة:

 الآثار القانونية

يمكن أن يؤدّي إغراق الأنفاق إلى انتهاك القانون الإنساني الدولي، الذي يحظر الهجمات التي تسبّب أضراراً جانبية مفرطة أو تلحق الضرر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية. إن الجوانب القانونية لإغراق أنفاق غزة بمياه البحر معقدة لأنها تنطوي على تطبيق وتفسير القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. ومن بعض الأسئلة والتحديات القانونية الرئيسية، هل يعدّ إغراق الأنفاق بمنزلة استخدام مفرط وعشوائي للقوة يخالف مبدأ التمييز بين عناصر المقاومة الفلسطينية والمدنيين؟.

وهل يتوافق غمر الأنفاق مع قواعد حماية البيئة في النزاعات المسلّحة، أم أنه يتسبّب في أضرار جسيمة وطويلة الأمد للموارد الطبيعية والنظم البيئية في غزة والمنطقة؟.

وهل يترتب على غمر الأنفاق مسؤولية “إسرائيل” عن تعويض ضحايا الضرر الذي سبّبته العملية، أم أنها تندرج ضمن أعمال الحرب المشروعة التي لا تحتاج إلى تعويض؟.

تلك هي بعض الجوانب القانونية للقضية التي قد تثيرها وتناقشها جهات فاعلة مختلفة مثل الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمات حقوق الإنسان، والمحاكم الدولية. وقد يعتمد التحليل والتقييم القانوني للمسألة على مصادر القانون وأدلته، ووقائع القضية وظروفها، ووجهات نظر ومصالح الأطراف المعنية.

قد يكون الأثر القانوني لإغراق “إسرائيل” أنفاق غزة شديداً، لأنه من المرجّح أن يشكّل جريمة حرب وانتهاكاً صارخاً لقوانين الحرب. وحسب المبعوث الروسي لدى الأمم المتحدة، فإن مثل هذه الخطوة ستشكّل انتهاكاً واضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر تدمير الممتلكات واستخدام العقاب الجماعي ضد المدنيين، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تواجه “إسرائيل” أيضاً تحدّياتٍ قانونية من المحكمة الجنائية الدولية التي تتمتع بالولاية القضائية على جرائم الحرب المرتكبة في الأراضي الفلسطينية منذ عام 2015، كما يمكن مقاضاة “إسرائيل “من السلطة الفلسطينية أو السكان الفلسطينيين عن الأضرار الناجمة عن الفيضانات مثل فقدان الحياة والمنازل وسبل العيش، ويمكن أن تفقد “إسرائيل” دعم وثقة حلفائها، وخاصة الولايات المتحدة. ولذلك، فإن خطة “إسرائيل” إغراق أنفاق غزة يمكن أن تكون لها عواقب قانونية خطيرة، على الصعيدين المحلي والدولي، فضلاً عن عواقب سياسية وإنسانية.

 

الآثار الاقتصادية

قد يكون لغمر الأنفاق بمياه البحر آثار سلبية خطيرة على الاقتصاد المحلي مثل تلف أو تدمير المباني والبنية التحتية والمحاصيل والماشية والممتلكات الشخصية، كما يمكن أن يؤدّي إلى تهجير الناس من منازلهم وأراضيهم وإجبارهم على البحث عن مأوى في أماكن أخرى. ويمكن أن يؤثر أيضاً في سبل عيش الناس ودخلهم، وخاصة المزارعين والصيادين الذين يعتمدون على الزراعة وعلى البحر من أجل بقائهم. علاوة على ذلك، قد يؤدّي ذلك إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردّي بالفعل في غزة، حيث ينتشر الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع. ويمكن أن تكون الآثار الاقتصادية قصيرة وطويلة الأجل، اعتماداً على مدى الفيضانات ومدتها، ومدى توافر وفعالية المساعدة الإنسانية والإنمائية.

 

التأثيرات السياسية

قد تواجه “إسرائيل” تحدّيات قانونية وعقوباتٍ من الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية بسبب انتهاك قوانين الحرب واتفاقيات جنيف، التي تحظر تدمير البنية التحتية المدنية واستخدام العقاب الجماعي، كما تواجه انتقاداتٍ وإداناتٍ دولية لانتهاكها حقوق الإنسان وكرامة الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، والذين يعانون بالفعل من أزمة إنسانية. علاوة على ذلك، يمكن أن تثير هذه العملية ردود أفعال وآراء مختلفة من المجتمع الدولي والجهات الفاعلة الأخرى، مثل الولايات المتحدة والدول العربية والعالم الإسلامي والدول الأوروبية وحلفاء “إسرائيل” الآخرين.

وقد تخاطر “إسرائيل” أيضاً بتصعيد الصراع مع المقاومة الفلسطينية، التي لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستردّ بالمزيد من الهجمات الصاروخية، وعمليات أسر الجنود “الإسرائيليين”. وقد تقوّض أمنها واستقرارها من خلال خلق المزيد من الاستياء والكراهية بين السكان الفلسطينيين، وخاصة الشباب.

 

التأثيرات البيئية

قد يؤدّي إغراق الأنفاق إلى الإضرار بطبقة المياه الجوفية والتربة في غزة، إذا تسرّبت مياه البحر إلى الأنفاق، وهذا بدوره سيؤدّي إلى تفاقم أزمة المياه المؤلمة بالفعل في غزة، حيث إن 97 بالمائة من المياه الجوفية غير صالحة للاستهلاك البشري وتتفشى الأمراض المنقولة بالمياه، كما يمكن أن يؤثر ذلك أيضاً في القطاع الزراعي، الذي يعتمد على الري ويمثل حوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة.

إن أحد الآثار الرئيسية لفيضانات مياه البحر هو تملّح التربة، الذي يحدث عندما تتبخر مياه البحر الناتجة عن الفيضانات في نهاية المطاف ولكنها تترك وراءها محتوى الملح الذي يتراكم على مر السنين في التربة. وسيؤدّي تملّح التربة إلى تقليل خصوبتها وإنتاجيتها، ويجعل من الصعب على النباتات امتصاص الماء والمواد المغذية، كما أنه يؤثر في بنية التربة، وملمسها ونسيجها. ويمكن التخلص من تملّح التربة عن طريق ترشيح الملح من التربة بالمياه العذبة، ولكن هذا يتطلب الكثير من الماء والوقت، وربما لا يكون ممكناً في المناطق القاحلة والشحيحة المياه مثل غزة.

 

التأثيرات في الأماكن الصالحة للسكن

قد يؤدّي إغراق الأنفاق إلى تعريض حياة وسبل عيش الملايين من سكان غزة للخطر، وهم يواجهون بالفعل تحدّياتٍ إنسانية خطيرة، حيث تعدّ غزة واحدة من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان والتحضر في العالم، ويعيش أكثر من 2 مليون شخص في مساحة قدرها 365 كيلومتراً مربعاً. ويشكّل اللاجئون حوالي 70% من السكان، ويعتمد حوالي 80% منهم على المساعدات الإنسانية. وقد تؤدّي فيضانات الأنفاق إلى إحداث أضرار هيكلية في المباني والطرق والمرافق، وإجبار الناس على إخلاء منازلهم، كما يمكن أن يزيد من خطر الفيضانات والانهيارات الأرضية والحفر الباطنية وخاصة في موسم الأمطار.

 

التأثيرات الاجتماعية

يمكن أن يكون لإغراق الأنفاق آثار اجتماعية عميقة على سكان غزة الذين عانوا عقوداً من الاحتلال والقمع والعزلة. الأنفاق ليست مصدراً للبقاء فحسب، بل هي أيضاً مصدر للهوية والكرامة والأمل للعديد من سكان غزة الذين ينظرون إليها كرمز لصمودهم وبراعتهم وتحدّيهم. ومن الممكن أن يؤثر إغراق الأنفاق في النسيج الاجتماعي والتماسك والروح المعنوية لمجتمع غزة، الذي يعاني بالفعل من التشرذم والصدمة بسبب الحرب والعنف والنزوح. ويمكن أن يؤثر أيضاً في الصحة العقلية والرفاهية وآليات التكيف لسكان غزة، وخاصة الأطفال والشباب، الذين يشكّلون حوالي نصف السكان.

 

التأثيرات التقنية

قد يشكّل إغراق الأنفاق تحدّياتٍ تقنية وشكوكاً لـ”إسرائيل”، وكذلك للخبراء والمهندسين المشاركين في العملية. الأنفاق معقدة وسرية، وموقعها وحجمها وعمقها وبنيتها غير معروفة على وجه التحديد لمعظم الناس، ومن غير الواضح مدى فعالية وكفاءة نظام الضخ، وما هي كمية المياه اللازمة لملء الأنفاق وإغلاقها، كما أنه من غير الواضح كيف ستتصرّف مياه البحر وتتفاعل مع التربة والأنفاق، وما نوع التفاعلات والمضاعفات التي ستسبّبها.

 

التأثيرات الأخلاقية

إن إغراق الأنفاق بمياه البحر يمكن أن ينتهك المبادئ والقيم الأخلاقية لحقوق الإنسان والعدالة والكرامة المنصوص عليها في القانون والاتفاقيات الدولية. وقد تم استخدام الأنفاق للتأكيد والدفاع عن حقوق ومصالح سكان غزة، الذين يتعرّضون للاحتلال والقمع والتمييز من “إسرائيل” وحلفائها. ويمكن أن تشكّل هذه الفيضانات أيضاً تحدّياً للقواعد والمعايير الأخلاقية لحماية البيئة واستدامتها، التي تعدّ ضرورية للأجيال الحالية والمستقبلية في غزة والمنطقة.

 

التأثيرات الثقافية

ومن الممكن أن يؤثر إغراق الأنفاق في التراث الثقافي وهوية غزة، التي تتمتع بتاريخ وثقافة غنية ومتنوعة، حيث تشكّل الأنفاق جزءاً من مشهد غزة وذاكرتها، وهي تعكس طابعها وروحها. وقد يؤدّي غمر الأنفاق إلى إتلاف أو تدمير بعض المواقع الأثرية والتاريخية المدفونة تحت غزة، مثل مدينة أنثيدون القديمة، وكنيسة جباليا البيزنطية، وقلعة قصر الباشا العثمانية. ويمكن أن يؤثر أيضاً في أشكال التعبير والممارسات الثقافية لسكان غزة، مثل الفن والأدب والفولكلور المستوحى من الأنفاق أو المرتبط بها.

 

وفي الختام، يمكن القول: إن خطة “إسرائيل” لإغراق أنفاق غزة بمياه البحر هي خطوة مثيرة للجدل ومحفوفة بالمخاطر، ويمكن أن تكون لها آثار قانونية وبيئية وإنسانية وسياسية خطيرة على غزة وعلى “إسرائيل” والمنطقة. ورغم أن “إسرائيل” تزعم أن هذا إجراء ضروري ومشروع لتدمير شبكة المقاومة الفلسطينية السرية، فإنه قد يشكّل أيضاً انتهاكاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ويلحق الضرر بالموارد الطبيعية والبنية الأساسية في غزة، ويؤدّي إلى المزيد من العنف وعدم الاستقرار.