“إسرائيل” تبحث عن صورة انتصار
قسم الدراسات
يواجه الجيش الإسرائيلي معضلة استحالة تحقيق الأهداف التي أعلنتها قيادة الاحتلال لحربها على غزّة، وتتلخّص في القضاء على حركة المقاومة عسكرياً، واستعادة الأسرى الإسرائيليين. هذا العجز الكلّي في الميدان دفع “إسرائيل” إلى البحث المحموم عن صورة انتصار يعوّضها عن فقدان الانتصار الحقيقي الذي يبدو مستحيلاً.
خلال أيام هدنة عملية تبادل الأسرى، تبدّدت “الإنجازات” العسكرية التي افترض الجيش الإسرائيلي أنه حقّقها، وبرزت حقيقة لا لُبس فيها، أنه على الرغم من القتل الجماعي والتهجير القسري لم ينجح الجيش الإسرائيلي في تحقيق الهدف الأساسي، أي القضاء قضاء مبرماً على المقاومة التي لا تزال موجودة في شمالي القطاع في جباليا وحي الزيتون والشجاعية، وفي مدينة غزّة أيضاً حيث جرى تسليم محتجزتين إسرائيليتين إلى الصليب الأحمر.
وشكّك محلّلون إسرائيليون مؤخّراً في إمكانية أن تحقق “إسرائيل” أهدافها في الحرب التي تشنّها على قطاع غزّة، بل إنهم يحضّرون أنفسهم إلى حرب استنزاف طويلة وأكثر إحباطاً. وعلى الرغم من همجية هذه الحرب والقصف التعسفي الشديد والتوغّل البري في المناطق المكتظة بالسكان، في خانيونس، إلا أن حركة المقاومة ما زالت بعيدة عن إمكانية استسلامها، وقوّتها لم تتراجع لأنها لم تشارك في قتال مكثّف مع الجيش الإسرائيلي حتى الآن.
ويعاني “الجيش الإسرائيلي” من صعوبة المواجهة المكلفة في منطقة خان يونس، حيث يخرج مقاتلو المقاومة من أنفاق بين الردم وأكوام الهدم ويفاجئون الجنود الإسرائيليين بصواريخ وبنادق، وأحياناً فوّهات الأنفاق مفخّخة.
وبالإضافة إلى صعوبة المواجهة يتعرّض الجيش الإسرائيلي إلى خسائر بشرية، حيث كشف تقرير لـ”يديعوت أحرونوت”، عن إصابة 5000 جندي إسرائيلي، حتى الآن 2000 منهم باتوا معاقين رسمياً.
ويتزامن ذلك مع بداية تصاعد حالة تململ وتساؤل عن جدوى الحرب في الشارع الإسرائيلي، في ضوء الكشف عن كلفتها الباهظة، واتساع الفجوة بين التهديد والوعيد، والأحاديث المتكرّرة في الإعلام عن نجاحات عسكرية، بينما الوقائع على الأرض (وخاصة شراسة المعارك، وكثرة الجنود القتلى والجرحى) تقدّم مؤشرات مغايرة، وأحياناً معاكسة، وهي تدحض هذه المزاعم، وتؤجّج التساؤلات والتشكيك بقدرة الجيش على تحقيق أهدافه المعلنة.
وهذا علاوة على تصاعد الانتقادات ضدّ “إسرائيل” في العالم، كما تجلّى في تصويت 13 من 15 دولة داخل مجلس الأمن ضدّها قبل أيام، بينما الحكومة الإسرائيلية تخسر في هذا المجال، ولم يعُد المجتمع الدولي مقتنعاً بذريعتها التي تتمحور حول أن المقاومة تحتمي بالمدنيين كدروع بشرية، وما يراه أن “إسرائيل” ترتكب المجازر من خلال قصف المستشفيات والكنائس والتجمعات المدنية.
وبالتزامن، تتزايد أيضاً الانتقادات الإسرائيلية لمعالجة ملف المخطوفين والأسرى، وسط اتهامات للمستويين السياسي والعسكري بالتنازل فعلياً عنهم.
وأمام هذا العجز الكلّي عن تحقيق إنجاز ميداني يُذكر، تسعى “إسرائيل” إلى البحث عن “صورة انتصار”، وتصعيد الحرب النفسية، التي يشارك نتنياهو فيها بنفسه، بـ”دعوته مقاتلي حماس للاستسلام، وعدم التضحية بأنفسهم من أجل يحيى السنوار”، وكذلك بالتصريحات الأخيرة للناطق العسكري “دانئيل هاغاري” حول التصميم على قتل السنوار والضيف وعيسى حتماً. إن “إسرائيل” تسعى في وضع كهذا إلى اغتيال رئيس حماس في قطاع غزّة، يحيى السنوار، بادّعاء أن تحقّق ذلك سيمنحها “صورة انتصار”، وهذا ما يدفع وسائل إعلام صهيونية نحو تغطيات لا تختلف عن مزاعم الناطق العسكري، وتبلغ حدّ السخرية بسعيها لعرض صورة انتصار، تارة على شكل “علم إسرائيلي” يرفعه الجنود الغزاة في دوار فلسطين في قلب مدينة غزّة، وتارة صورة لرجال من غزّة عراة، تبيّن لاحقاً أن معظمهم مدنيون.
وعلى ما يبدو أنه كلما طالت الحرب وتعقدت، يظهر أن التفكير الإسرائيلي يتركز على الحاجة لاستهداف السنوار. والاعتقاد هو أن إخراج السنوار، وربما المجموعة المحيطة به أيضاً، من الصورة سيسمح على الرغم من كل شيء بفرض تغيير في موقف الحركة حيال استمرار القتال. وعلى الرغم من ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الطريق من أجل تحقيق هذا الهدف ليست واضحة، وأن لدى “إسرائيل” ميْلاً إلى البحث عن صور انتصار رمزية ولا تقود غالباً إلى انتصار فعلي في الحرب.
إن “إسرائيل” تحاول في كل مرّة أخذ صورة نصر مزعوم وعرضه على ما يسمى “الجبهة الداخلية” لإعلان نصر غير حقيقي، ومع وجود المقاومة واستمرارها على الأرض يدفعهم ذلك إلى مزيد من القتل للمدنيين العزل الذين تقوم بإعدامهم ميدانياً وإذلالهم وتصويرهم عراة أمام العالم. والأرجح أن هذا كلّه لن يتيح لـ”إسرائيل” الوصول إلى صورة الانتصار الذي يبدو من مجريات المعركة ضرباً من ضروب المستحيل.