دراساتصحيفة البعث

ضوء أخضر لعملية الإبادة الجماعية في غزة

هيفاء علي

كما جرت العادة، تعارض واشنطن أي وقف لإطلاق النار، وتمارس ابتزازاً فظاً وغير مبدئي، يشهد على التجاهل الصارخ لمعاناة الفلسطينيين وآمال المجتمع الدولي.

فقد صوت مجلس الأمن الدولي نهاية الأسبوع الماضي لصالح قرار يدعو إلى زيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، ويأتي التصويت في الوقت الذي كثف الكيان الإسرائيلي فيه عدوانه على وسط غزة وأصدر أوامر إخلاء قسري جديدة تؤثر على سكان مخيم البريج للاجئين، داعياً إياهم إلى الانتقال إلى دير البلح.

ودعا قرار مجلس الأمن إلى “وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق إلى قطاع غزة وفي جميع أنحاءه، كما دعا أطراف النزاع إلى تهيئة الظروف لوقف دائم للأعمال العدائية”. وبحسب مراقبين، فإن القرار، بصيغته الحالية، من غير المرجح أن يفعل الكثير للفلسطينيين الذين يعانون من الجوع والتشريد ويتعرضون لإطلاق النار في قطاع غزة، عدا الحديث عن عدد الشهداء منذ اندلاع ” طوفان الأقصى” والذي بلغ أكثر من 20 ألف فلسطيني، في حين ما يزال آلاف آخرون في عداد المفقودين ويعتقد أن الكثيرين منهم لقوا حتفهم تحت أنقاض المباني المدمرة.

ومن خلال عدم الدعوة إلى وقف الأعمال العدائية، ناهيك عن وقف إطلاق النار، قال بعض الدبلوماسيين إن القرار يُنظر إليه على أنه ضوء أخضر للكيان الإسرائيلي لمواصلة  عدوانه الهمجي على غزة.  وبحسب المراقبين، فإن هذا العدوان يعد الأكثر فتكاً وتدميراً في التاريخ الحديث.

من جهته، انتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تصريح صحفي بعد تصويت مجلس الأمن، استمرار الوضع الراهن في غزة، قائلاً: “لا توجد حماية فعالة للمدنيين”. وانتقد الكيان المحتل لقيامه بخلق عقبات هائلة أمام توزيع المساعدات الإنسانية داخل غزة. وأضاف غوتيريش أن عملية المساعدات الفعالة في غزة تتطلب الأمن ، وقدرات لوجستية واستئناف النشاط التجاري، مشيراً إلى أن 136 من موظفي الأمم المتحدة قتلوا في غزة منذ 7 تشرين الأول، وأن معبر كرم أبو سالم التجاري تعرض للقصف، بينما كانت شاحنات المساعدات في المنطقة.

وصوتت 13 دولة لصالح الاقتراح بعد أيام من المفاوضات للتوصل إلى مشروع لا يخضع لحق النقض من جانب الولايات المتحدة التي امتنعت عن التصويت. في السياق، وصف فاسيلي نيبينزيا، مندوب موسكو الدائم لدى الأمم المتحدة، التصويت بأنه “لحظة مأساوية للمجلس، وليس انتصارا للدبلوماسية المتعددة الأطراف”، حيث تم تجريد نّص القرار الذي تم تبنيه في النهاية من لغة النسخ السابقة التي دعت إلى “الوقف العاجل للأعمال العدائية”.

إلى ذلك، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرارين سابقين يدعوان إلى وقف إطلاق النار، مما أدى فعلياً إلى عرقلة ما وصفه خبراء مستقلون في الأمم المتحدة وباحثون في القانون الدولي بأنه إبادة جماعية تجري في غزة.  واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة قرارات تدعو إلى وقف إطلاق النار، مما يدل على الدعم العالمي لإنهاء الحرب. و على عكس قرارات مجلس الأمن، فإن تلك التي وافقت عليها الجمعية العامة ليست ملزمة قانوناً للدول الأعضاء، على الرغم من أن عدم التنفيذ أثر على قرارات مجلس الأمن السابقة التي تدين انتهاكات حقوق الفلسطينيين من قبل الكيان الإسرائيلي.

وكانت الولايات المتحدة قد رفضت نسخة مبكرة من قرار مجلس الأمن ، والذي كان من شأنه أن يمنح الأمم المتحدة مسؤولية تفتيش تسليم المساعدات إلى غزة، وبالتالي تهميش الكيان الإسرائيلي.  في السياق، قالت العديد من المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان وخبراء مستقلون في الأمم المتحدة إن “إسرائيل” تستخدم التجويع كسلاح حرب في غزة، حيث أعلنت سالي أبي خليل، مديرة منظمة أوكسفام، أن عدم الدعوة إلى وقف إطلاق النار يشكل تقصيراً عميقاً في أداء الواجب من قبل منظمة أنشئت لدعم ميثاق الأمم المتحدة والحفاظ على السلام وحماية الأرواح.

من جانبه، انتقد كريغ مخيبر، المسؤول الكبير السابق في الأمم المتحدة، قرار مجلس الأمن خلال البث المباشر لمسلسل الانتفاضة الإلكترونية قائلاً: “كان من المفترض أن يتضمن النص الأصلي وقف الأعمال العدائية، وإدانة انتهاكات القانون الإنساني، ووجود مراقب مساعدات تابع للأمم المتحدة”. مضيفاً أن القرار “المدمر” الذي تم تبنيه “لن يكون له تأثير كبير”، وسيكون دور المنسق الخاص للأمم المتحدة الذي أنشأه عبارة عن آلية خاضعة للسيطرة السياسية ولن تتخذ مواقف مبدئية تستند إلى القانون الدولي . وأردف مخيبر أن هذه هي ورقة التوت الأخرى التي سمحت للولايات المتحدة “بتجنب الإدانة العالمية لتواطئها في الإبادة الجماعية في غزة”.

وتساءل مخيبر كيف يمكن تقديم مساعدات إنسانية ذات معنى بينما تمطر القنابل ويطلق القناصة النار وتستمر الإبادة الجماعية، وأضاف: “في رأيي يمكن اعتبارها لاغية، لأن وكالات الأمم المتحدة تساعد الكيان الإسرائيلي في تحقيق أهدافه الحربية”.

في السياق، حذرت منظمات إنسانية وحقوقية فلسطينية الأمين العام للأمم المتحدة من أن وكالات الإغاثة التابعة للمجتمع الدولي في غزة “تدعم أهداف الحرب الإسرائيلية في انتهاك للقانون الدولي”. وقالت المنظمات إن وكالات الأمم المتحدة تخضع “للقيود الإسرائيلية غير القانونية للمساعدات الإنسانية”، لأن الفلسطينيين في القطاع لا يحصلون على الغذاء والماء الصالح للشرب إلا بشكل أقل.  وقالت جماعات فلسطينية إن الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك اليونيسف والأونروا ومنظمة الصحة العالمية، فشلت في احترام مبادئ القانون الإنساني الدولي بسبب “تعاونها الوثيق مع الكيان الإسرائيلي في هذا الأمر الذي يتعلق بإيصال وتوزيع المساعدات”. واتهمت الجماعتان الأمم المتحدة بالسماح لهذا الكيان بإفراغ شمال قطاع غزة من السكان الفلسطينيين من خلال الامتثال لأوامر الإخلاء القسري التي أصدرها لآلاف الأشخاص.  وقالت فرانشيسكا ألبانيز، الخبيرة المستقلة في الأمم المتحدة، في منتصف تشرين الأول الماضي، إن أمر الإخلاء القسري الذي أصدرته سلطات الكيان الإسرائيلي كان يهدف إلى “تبرير ما يرقى إلى مستوى التطهير العرقي” على غرار طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين في عام 1948.