إفريقيا ليست وعاء تسوّل
عناية ناصر
بالنسبة لإفريقيا، كان هناك الكثير من الأشياء المتوقعة من واشنطن خلال عام 2023، منها زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومذكرة تفاهم مع زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية حول سلسلة قيمة السيارات الكهربائية التي من المتوقع أن تتطوّر إلى عقد فعلي، وصندوق تمويل مدته ثلاث سنوات بقيمة 55 مليار دولار مخصّص لإفريقيا ابتداءً من هذا العام. ومع ذلك، يبدو أن أيّاً من هذه الأمور لم يتحقّق، والواقع أن الوعود الفارغة هي الطريقة التي يتعامل بها الغرب عادة مع إفريقيا.
وفي الوقت نفسه، تتفوّق الصين على نحو متزايد حيث فشل الغرب، فقد أصبحت العلاقة بين إفريقيا وشمال الكرة الأرضية مثيرة للجدل على نحو متزايد. إن العلاقات بين الغرب والبلدان الإفريقية آخذة في التدهور، نظراً لجذور الاستعمار واستغلال الأفارقة وموارد إفريقيا الغنية. وكان العديد من الدول الغربية قد تعرّض لانتقاداتٍ بسبب الاضطرابات في غرب ووسط إفريقيا، حيث وقعت سبعة انقلابات عسكرية وهو رقم قياسي في السنوات الأربع الماضية وحدها. فمنذ عام 1990، حدث 78% من 27 انقلاباً في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في الدول الناطقة بالفرنسية. في غضون ذلك، تواصل الصين إحراز تقدم كبير، وخاصة في غرب إفريقيا، حيث تلقت مساعداتٍ اقتصادية كبيرة من عملاق التنمية الشرقي.
وفي كينيا، أصبح المواطنون حذرين بشكل متزايد من العلاقات مع الغرب، وعبّروا بقوة عن هذه الآراء على منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وقد بدأ الناس في القارة، يشعرون بالتعب والإحباط بسبب استمرار الغرب في النظر إلى إفريقيا باعتبارها وعاء التسوّل، وتعود جذور هذه المشاعر إلى تاريخ إفريقيا المؤلم مع الغرب.
عندما حدّد الاستعمار العلاقات بين إفريقيا والدول الغربية، وقفت الصين بثبات ودعمت حركات التحرّر في إفريقيا، وخاصة في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وقدّمت المساعدات الحاسمة والضرورية للدول الإفريقية المستقلة حديثاً. لقد سلكت الصين المسار الأكثر منطقية واستدامة في تعاملاتها مع البلدان في إفريقيا. فهي لا تسعى إلى التدخل والذراع القوية وإخضاع وقمع الإمكانات الموجودة في القارة، بل تسعى إلى تسخير القوة الكامنة في إفريقيا، التي لا تزال إلى حدّ كبير عملاقاً نائماً يستيقظ ببطء من سباته من خلال شراكة متساوية مع الصين.
لقد تعرّض الغرب لانتقادات شديدة بسبب تدخله في السياسة الإفريقية، وخاصة خلال فترات الانتخابات، حتى إنه اتُهم بالتأثير في الانتخابات من وراء الكواليس. وقد سبّب هذا مخاوف من أن الانتخابات في إفريقيا ليست حرة ونزيهة. لكن من ناحية أخرى، اتبعت الصين طريقاً مختلفاً كثيراً، وليس مساراً متجذّراً في الاستعمار وظلال الإمبريالية التي أصبحت واضحة على نحو متزايد. إن نهج الصين العملي في العلاقات مع إفريقيا هو الأساس لمجتمع المستقبل المشترك الصيني الإفريقي المزدهر، وتصرّفت الدولة الشرقية بحسن نية، متمسّكة بالإخلاص والمساواة والصداقة.
ويرتكز التعاون المربح للجانبين على المسؤولية المشتركة حيث يؤسّس الجانبان على أعمالهما الأساسية ومصالحهما المشتركة، مع معالجة مخاوف التنمية جنباً إلى جنب. وقد أدّى ذلك إلى تعزيز التنسيق بشأن المسائل الحاسمة على المستويين الإقليمي والدولي، ولاقى هذا النهج ترحيباً كبيراً بالنسبة لإفريقيا التي ظلت منذ فترة طويلة مرفوضة وعلى هامش المناقشات والالتزامات الثنائية والمتعدّدة الأطراف، حتى تلك التي تؤثر في إفريقيا أكثر من غيرها. واليوم، تم تعزيز صوت إفريقيا بسبب المنصّة التي تقدّمها الصين نظراً لمكانة البلاد باعتبارها لاعباً عالمياً قوياً.
عند تطوير العلاقة مع القارة الإفريقية التي تضمّ أكبر عدد من الدول النامية، تمكّنت الصين من الاستفادة من الماضي المشترك لتسخير أهداف التنمية التي فتحت أرضية جديدة في العلاقات الصينية الإفريقية. وفي هذا الإطار ترتكز سياسة الصين الخارجية على تنمية اقتصادية قوية، في حين يركّز الغرب بشكل أكبر على النفوذ السياسي والهيمنة. إن سياسة عدم التدخل واحترام السيادة التي تنتهجها الصين قد أدخلت إفريقيا إلى عصر جديد من النمو والتنمية المتسارعين. ونتيجة لذلك، توسّعت وتكثفت المشاركة التجارية بين الصين وإفريقيا، وتم إضفاء الطابع الرسمي عليها من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي أصبحت بمنزلة أداة داعمة للتنمية الاقتصادية في إفريقيا.
وفي غضون ذلك، يظل النفوذ الغربي في إفريقيا ثابتاً في أحسن الأحوال، ولكن في أغلب الحالات هناك مشكلات عميقة دفعت إفريقيا إلى النظر بشكل متزايد نحو الشرق. على سبيل المثال، في السنوات العشرين الماضية، برزت الصين باعتبارها الشريك التجاري الأكبر لمنطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، ويقدّر أن خمس إجمالي صادرات إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يذهب إلى الصين. وبالتوازي مع ذلك، تعدّ الصين أيضاً أكبر مصدّر منفرد للبضائع التي تشتدّ الحاجة إليها بالنسبة للبلدان الإفريقية، بما في ذلك المنتجات الشعبية بأسعار معقولة للغاية. ومع ذلك، فإن الغرب يتبع نهجاً خاطئاً في إملاء ما هو أولوية كبرى بالنسبة لإفريقيا، وقد تسبّب هذا بردّ فعل عنيف. وتسترشد إفريقيا بمجموعة من القيم الفريدة المتأصّلة في الثقافة والتقاليد.
لقد أظهرت الصين فهماً لهذه القيم، وبالقدر نفسه من الأهمية، ما تحتاج إليه إفريقيا لتصبح قارة سريعة النمو ومتطوّرة. وبفضل هذا الفهم، ستواصل الصين اتباع كل الخطوات الصحيحة في تفاعلها مع القارة الإفريقية.