دراساتصحيفة البعث

على حساب المحرقة الفلسطينية.. المقاومة تدمّر الصهيونية

هيفاء علي    

يرى دانييل فاهنوف، المحلل البلجيكي، والمتطوع في “الجمعية الفلسطينية-البلجيكية” ومقرها بروكسل، أنه بعد الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني ضد ّشعب غزة، ترتفع المزيد من الأصوات للتنديد بالطابع العنصري للكيان وكذلك تطلعاته للهيمنة والإمبريالية الاستعمارية التي يفرضها إرهاب الدولة. وعلى الرغم من الصور المروعة التي وصلت من غزة، فإن الخطة الصهيونية التي تم إعدادها بصبر لأكثر من قرن من الزمان، تم سحقها في أسابيع قليلة؛ لقد فشل الصهاينة في خطة التطهير العرقي وخسروا حربهم الاستعمارية، وقد أدرك الجميع لبعض الوقت أن مروجي الصهيونية كانوا دائماً يهتمون كثيرا بطريقة تواصلهم من خلال إيلاء اهتمام خاص للاختيار الحكيم للصور والكلمات المستخدمة، ومعرفة التأثير الذي يمكن أن تحدثه على الجمهور. مضيفاً: إن النظام الإرهابي الإسرائيلي يستخدم أيضا ميزانية سنوية كبيرة للترويج لإيديولوجيته الكارثية، ولا يتردد مؤيدوه في تزييف القصة والصور التي يبثونها مرارا وتكرارا.
ومن هذا المنطلق، يرى فاهنوف أنه من واجبه أن يعود إلى المصطلح الذي استخدمه النظام الإرهابي الإسرائيلي لعقود من الزمن، والذي اتخذه العديد من بلطجيته مثل تعويذة، وذلك من أجل تسليط ضوء جديد عليه، حسبما يسمح الوضع في قطاع غزة. وقد اختار التحدث عن مصطلح “الهولوكوست”، موضحا أنه سبق وأن دحض هذه الكلمة في عدة مناسبات. وأنه في وقت إبادة اليهود على يد النازيين الألمان خلال حرب 39-45، لم يرَ أين كانت “تضحية” اليهود المقيدين والمجبرين من قبل قوة الاحتلال النازية.
ويوضح المحلل أن كلمة “محرقة” تأتي من اليونانية، وتعني ذبيحة بالنار المقدمة لله بدلاً من تقديم جزء منه فقط وأكل الباقي، الأمر مشابها إلى حد كبير للتضحية بالنفس، متسائلا أين يمكن أن تكون هناك مثل هذه “التضحية”، أي تضحية اليهود بالله في الممارسات القاتلة التي مارستها السلطات النازية التي تعرضوا لها؟ والهدف من حرفها الكبير “H” هو جعلها كلمة مقدسة، وإضفاء طابع جوهري عليها، وهو مصطلح سيُخصص من الآن فصاعدا فقط للإبادة الجماعية لليهود التي ارتكبها النازيون في ذلك الوقت.
ولفت إلى أنه في هذه الحالة بالذات، فإن هذا المصطلح غير مناسب، ومن ناحية أخرى، في الحالة الراهنة لفلسطينيي غزة، الذين سقطوا على يد قوات الاحتلال للنظام الإرهابي الإسرائيلي، يبدو هذا المصطلح مناسبا بقدر ما توجد بالفعل مقاومة ضد آلة الحرب الصهيونية الساحقة، ولأن الضحايا المدنيين والتي يدفع الأطفال من بينهم الثمن الباهظ تحظى بقبول داعمي هذا النظام الارهابي، كتضحيات لا مفرّ منها في النضال الشرس لشعب هدفه التحرر من الاحتلال والحصول على الحرية وتقرير المصير. ولذلك فإن هناك بالفعل “محرقة” تجري ضد السكان الفلسطينيين والتي تجد معناها الدلالي في هذه الحالة.
وأضاف المحلل: إن هناك فكرة أخرى يجب دحضها بشكل قاطع هي هذا الشعار الذي يتكرر إلى حد الغثيان عن “إسرائيل” التي لها “الحق في الدفاع عن نفسها”، متسائلا: منذ متى كان للنظام الاستعماري المحتل مثل هذا الحق؟
في الواقع، ورغم خطورة الحقائق البالغة، فإن ما يشهده العالم مثير للاهتمام من أكثر من جانب، لدرجة أنه رغم أن لا أحد يشكك في التفوق العسكري لهذا النظام المجرم، إلا أن ذلك لا يسمح له بالانتصار في حربه البغيضة، بل على العكس تماما، وإذا انتصر من حيث الدمار، كما رأينا أيضاً في السنوات الأخيرة في الحروب التي شنها شركاؤهم الأميركيون الأشرار، فإن هذا النظام قد خسر بالفعل في وسائل الإعلام وفي أذهان الغالبية العظمى من شعوب العالم، حيث شهدنا خروجاً جماعياً إلى الشوارع لإدانة هذا العدوان الوحشي.
وأردف المحلل: إن الصهاينة فشلوا في خطة التطهير العرقي وخسروا حربهم الاستعمارية، وسوف يتذكرها الناس في جميع أنحاء العالم لفترة طويلة، وسوف يسجل هذا الفشل وهذه الهزيمة في كتب تاريخ تحرير فلسطين، على الرغم من القدرة التكنولوجية المطلقة والغطرسة التي لا تطاق لمثل هذا النظام وأنصاره الذين ليس لديهم بديل سوى الطيران الانتحاري إلى الأمام.
وأضاف فاهنوف: إن “إسرائيل” تمارس سياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين في غزة؛ قطع الكهرباء والوقود، منع دخول الغذاء والدواء، قصف جوي، إغلاق الحدود، ما هي العقوبة القادمة؟
وشدّد على أن المشروع الصهيوني، الذي كان قادرا على إغواء الكثير من الأوروبيين بعد أهوال الحرب العالمية الثانية، يتحول بشكل نهائي ضد دعاته، حيث أن تجاوزات نظام تفوق البيض اليميني المتطرف الذي يتولى السلطة، يتجاوز كل فهم، وكل انتماء. وخلافاً لصور قطاع غزة المدمر في أماكن لا حصر لها، فإن مقاومة الفلسطينيين العنيدة هي التي ستسقطه وستنهض من جديد منتصرة لا محالة.