210566 ألف سورية متزوجة من أجنبي يطالبنَ بحقوق مدنية على الأقل.. في ظل استحالة تجنيس أطفالهن!
دمشق – لينا عدره
بلغت أعداد السوريات المتزوجات من أجانب 210566 ألف سيدة، تبعاً لما تحدث به لـ “البعث” المهندس أيمن الحسين، رئيس دائرة تقانة المعلومات في الإدارة العامة للشؤون المدنية، في حين أن عدد الرجال السوريين المتزوجين من أجنبيات يبلغ 150488 ألفا، وفقاً لما هو موجود أيضاً في بيانات الإدارة العامة للشؤون المدنية، دون أن يستبعد، مع ذلك، أن يكون الرقم 210566 ألفا (الخاص بالسوريات المتزوجات من أجانب) أكبر، لعدم تثبيت بعض السيدات لزواجهن، مع تأكيده على أن هذا الرقم هو الرسمي والمعتمد.
يعني ذلك، فيما لو انتقلنا إلى قراءة هذه الأرقام، كلاً على حدة، بأن هناك 150488 ألف رجل سوري يمنحه القانون حق إعطاء زوجته الأجنبية الجنسية، مقابل حجب القانون ذاته هذا الحق عن أبناء وزوج المرأة السورية المتزوجة من أجنبي، ليكون بذلك قانون الجنسية السوري الأكثر تأخراً عما هو موجود في محيطه من قوانين، بسبب الثغرات التي يتضمنها، والتي يلزمها الكثير من التعديلات، ليس فقط فيما يخص منع المرأة السورية من إعطاء الجنسية لأولادها، بل في الكثير من التفاصيل كـتلك المتعلقة بـ تعريف المواطن المغترب على سبيل المثال، لما يحتويه من تناقضٍ ما بين العمل على أرض الواقع والنصوص القانونية.
الدكتورة وفاء فلحوط، أستاذة قانون الجنسية في جامعاتدمشق والعربية الدولية والافتراضية، قدمت عرضاً مفصلاً عن بعض الثغرات الموجودة، وتحديداً تلك المتعلقة بعدم قدرة الأم السورية إعطاء جنسيتها لأولادها في حال زواجها من أجنبي، مشيرةً إلى الإخلال في مبدأ المساواة، وتحديداً في النقاط المتعلقة بالجنسية، سواء الأصلية التي لا يُسمَح للأم السورية إعطاءها لأولادها، أو الجنسية اللاحقة فيما يتعلق بالزوجة السورية إذا ما أرادت تسهيل دخول زوجها بالجنسية.
ولفتت د. فلحوط إلى أنه وبموجب المرسوم التشريعي 276، لعام 1969، النافذ حالياً، فإن الجنسية تُمنَح بموجب “حق الدم لجهة الأم و الأب والإقليم”، والمقصود بحق الدم – لجهة الأب – منح الجنسية حُكماً لأي شخص يُولَد من أب سوري بغض النظر إذا وُلِد داخل أو خارج سورية؛ وعليه فإن حق الدم لجهة الأب غير مدعوم بحق الإقليم، وهو حق أساسي. وإلى هنا لا يوجد مشكلة، فالمشكلة – بحسب فلحوط – تكمن في حق الدم لجهة الأم، كونه يأتي معياراً ثانوياً ضعيفاً، أو – بمعنى قانوني أدق – لا يمكن للأم السورية، بموجب النصوص القانونية القائمة، أن تعطي الجنسية إلا إذا كان هذا الحق مدعوما بحق “الإقليم”، أي أن يكون الطفل مولوداً داخل سورية، ومشروطاً بالطفل غير الشرعي، لأن المادة 3 “الفقرة ب” تضمنت شرطين أساسيين لأخذ الطفل جنسية أمه، وهما: أن يكون مولودا داخل سورية ولم يثبت نسبه لأبيه، وفي حال ثبت نسبه، وكان الأب أجنبيا، يخسر جنسيته بأثرٍ رجعي. وهنا نتحدث طبعاً عن المرسوم النافذ 1969 لنشهد بذلك تراجعاً على محورين فيما يتعلق بالطفل غير الشرعي.
واللافت للانتباه، كما توضح فلحوط، أن الوضع في المرسوم السابق لعام 1961 كان أفضل لسماحه للأم السورية إعطاء جنسيتها لطفلها غير الشرعي بغض النظر عن مكان ولادته داخل أو خارج سورية، مع السماح له بالاحتفاظ بجنسية والدته حتى لو ثبت نسبه، وكان والده أجنبيا، وهو تصرفٌ سليم حسب رأيها .. لأن ولادة طفل غير شرعي خارج سورية قد تعرضه لانعدام الجنسية، خاصةً إذا وُلِدَ في إحدى الدول العربية التي تعطي الجنسية لجهة الأب، وتقتصر في منحها جنسية الأم لمواطناتها فقط، في حالة الطفل غير شرعي، ما يؤكد على بقاء الطفل غير الشرعي المولود خارج سورية عديم الجنسية كون والدته سورية، والأب مجهول.
واقترحت فلحوط إعطاء الجنسية للطفل غير الشرعي سواء وُلِدَ داخل أو خارج سورية، أسوةً بالإمارات التي تسمح بإعطاء جنسيتها للطفل غير الشرعي بغض النظر عن مكان ولادته، داخل أو خارج الإمارات، حمايةً له من أن يبقى عديم الجنسية.
أما الإشكالية الثانية فهي بغياب النص القانوني في حالة الأم السورية المتزوجة من شخص عديم أو مجهول الجنسية عند إنجابهما لطفلٍ شرعي، وهي إشكاليةٌ لا يُسَلَّط الضوء عليها أبداً على الرغم من اعتبارها ثغرةً تشريعية، وفق ما تؤكد فلحوط، مع التنويه إلى “أننا دائمو التغني بوضع المرأة وحصولها على الكثير من الحقوق، ولكن بمقارنة بسيطة بين نصنا القانوني وبين ما هو موجود في دولٍ كالسعودية سنلمس القفزات النوعية التي حققتها في معالجتها لهذه النقطة في نصها القانوني، لاعتبارها ابن المواطنة السعودية المولود من أب عديم أو مجهول الجنسية “سعودياً” سواء كان طفلاً شرعياً أو غير شرعي حسب الحالتين السابقتين، لافتةً إلى أن المشكلة التي لا تزال الحكومة تصر على التمسك بها، من ناحية قانونية، تتمثل في منع “ازدواج الجنسية”، شأنها شأن معظم الدول، حيث أنها لا ترى أي مبرر لإعطاء الطفل جنسية والدته السورية إلى جانب جنسية والده، مع أن الوضع، في حالة الأب عديم أو مجهول الجنسية، مختلف، بسبب عدم وجود حالة ازدواج أصلاً، منوهةً بوجود هذا النص القانوني الغائب لدينا عند معظم الدول العربية من دون أن يشعرها بحرج، ما يضعنا حقيقةً في الموقع الأسوأ على مستوى المنطقة العربية بدليل النص القانوني.
هذا بالنسبة لحق الدم لجهة الأم، أي الجنسية الأصلية، أما فيما يتعلق بالجنسية اللاحقة فهي أيضاً تتضمن تمييزا ضد المرأة، وهذا التمييز يلحق بها على مستوى الزواج، ويُخالف اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). فالتمييز يظهر هنا – تؤكد فلحوط. – عبر منح الزوجة الأجنبية المتزوجة من سوري شروطاً وامتيازات ميسرة جداً إن كان لجهة الإجراءات والمضمون من خلال سماح القانون للرجل السوري إدخال زوجته بالجنسية السورية، وحجبه هذا الحق عن المرأة السورية المتزوجة من أجنبي، ما يضع إشارة استفهام للمرة الثانية ويخرق مبدأ المساواة، لمنحه الجنسية اللاحقة للزوجة الأجنبية والعربية في حال زواجها من سوري وحجبها نهائياً عن المواطنة السورية عند زواجها من أجنبي أو عربي، في حين أن هناك قوانين أخرى – كما في الجزائر – تُخضِع المرأة والرجل الجزائري للشروط نفسها، وتعطي تسهيلاً لمن يتزوج مواطن أو مواطنة جزائرية على حدٍّ سواء.
لذلك ترى فلحوط أننا إذا ما أردنا معالجة قضية الجنسية فـنحن أمام خيارين: إما منح الجنسية دون الخوف على بعض الحقوق لوجود نصوص خاصة تحجبها عن ابن المواطنة السورية، وبالتالي نسمح للأم السورية إعطاء جنسيتها لأطفالها، كالجزائر التي تمنحها للمولود من أم أو أب جزائري، أو إعطاء ابن المواطنة السورية بطاقة تثبت أن والدته سورية، وعلى أساسها يتمتع بالحقوق – أو لنقل “بعض” الحقوق – التي تترتب على الجنسية السورية، وهو الحل العملي الأفضل، برأي فلحوط، كونه غير تعجيزي ريثما نجد حلاً قانونياً نهائياً.. لأن جُل ما تريده الأمهات السوريات هو منح الحق المدني على الأقل إذا لم نتمكن حالياً من منح الجنسية.
ختاماً..
لا شك بأن موضوع الجنسية شائكٌ ومثيرٌ للجدل لدى شريحة كبيرة جداً من مجتمعنا، إلا أن مطالبة الأمهات السوريات بتحقيق العدالة لا تُشعرهن بحرجٍ كونهن يتحدثن بالأرقام والقانون والأدلة والاتفاقيات، خاصةً وأن ما يطالبنَ به هو فقط تحقيق العدالة التي لا يقصدن بها تلك الموجودة في القوانين الغربية، بل الموجودة أقلُّهُ في نصوص قوانين الدول المجاورة!
لذلك وانطلاقاً من مفهوم المواطنة الحقيقية المستندة على سيادة الدستور، يتوجب معاملة المرأة كما يُعامَل الرجل، ما يؤكد مرةً أخرى على ضرورة معالجة هذا الملف الذي طُوي لفترةٍ طويلة، خاصةً مع حجم المسؤوليات الكبيرة والثقيلة الملقاة على كاهل المرأة وتحديداً في فترة الحرب.