ثقافة

قصص أمين الساطي.. عالم من الرعب والغضب واللاواقعية

 أحمد محمود الباشا  

تمتاز قصص الكاتب أمين الساطي، القصيرة منها والطويلة، بطابع وسمة الرعب والخوف والخيال والوهم واللاواقعية والغضب. ففي قصته “نبوءة على التلفاز”، يجعلنا نعيش عالماً لا واقعياً وخيالياً، فالبطل اعتاد على مشاهدة برنامج تلفزيوني أُعجب بمقدّمه، وأصبح فيما بعد معلّمه وملهمه وينفّذ كلّ أوامره وتعليماته، حتى إنه في النهاية طلب منه قتل نفسه والذهاب إلى الجنة، لكن الحقيقة غير ذلك، حيث إن التلفاز كان معطلاً ولا يعمل.. وهكذا عشنا في هذه القصة عالماً غير حقيقي ووهمي وغير واقعي.

ويقشعر بدن القارئ لقصة «نبوءة على التلفاز»، ويقوم بأعمال خارجة عن المألوف والقانون، إلا أنها تحلّ مشكلاته، سواء المالية أم الاجتماعية، وفق تفاصيل دقيقة يمسك بها بشدة بتلابيب القارئ، وتوقعه في حالة غريبة من الخوف والارتياب بين مكذّب ومصدّق.

ومن ثم نرى طريقة وأسلوب الساطي في «شوارع الغضب»، حيث يشارك بطل القصة في التظاهرات التي قامت في لبنان بسبب سوء الأحوال والأوضاع المعيشية، ويتحوّل إلى متعاطٍ وتاجر ومروّج للمخدرات، وللعملة المزيفة، وبذلك يتجه في طريق الانحراف والطرق غير المشروعة والخارجة عن القانون، فقد زحف مع المتظاهرين الذين طالبوا بتغيير وإسقاط تركيبة النظام للطائفية، ليجد نفسه في النهاية معلقاً بين ازدواجية القيم الأخلاقية التي تربّى عليها ورغباته الدفينة باستغلال هذا الغضب من أجل تحسين أوضاعه المادية، فتحولت أفكاره المتضاربة في عقله وفكره إلى واقع حقيقي مشحون بصور مشوشة عن حوادث لا يتوقعها، ما يملأ الفراغ الموجود في داخله بالحقد على الطبقة الغنية التي تحكم البلاد، وفق ما يراه الكاتب.

أما في «قصص قصيرة مرعبة» التي يفقد فيها بطل القصة إحساسه بذاته خوفاً من التعبير عن رغباته الجنسية المكبوتة الجامحة، كي يتماهى مع شخصية جديدة ترضي الأشخاص الذين حوله، فيضطر إلى عالم خيالي وهمي يعيش فيه مجتازاً الخط الفاصل بين الواقع والخيال حسب ما رآه كاتبنا.

يكتب أمين الساطي للقارئ من دون أن يلتفت إلى أن ما يكتبه هو قصة قصيرة أو طويلة، ويترك للقارئ أن يقرر. إن ما يهمّه أولاً وأخيراً هو أن يغزوَ عقلك، وهو ينجح دائماً.. المهم أن يقنعك بنتاج خيال خصب وثقافة عالية، وتمكّن لغوي وتوهّج اصطفائي، وتجاذب نخبوي، يضع فيه تجارب وخبرات حياة من كان دائماً الفتى الحالم السابح في بحور من خيال لا شطآن لها، شرهاً لقراءة الكتب (قصص، روايات، علم نفس، علوم)، وسافر إلى الولايات المتحدة ليعود بعدها إلى دمشق فترة قصيرة مهندساً مدنياً، ومن ثم يسافر إلى السعودية حتى التقاعد مهندساً استشارياً، ليستقرّ به المطاف أخيراً في دبي للكتابة، وقد أصدر أول كتبه «أوهام حقيقية»، وثانيها «نبوءة على التلفاز» وبعدها «الممسوسة»، وروايته «شوارع الغضب»، التي أمضى أكثر من عام في كتابتها.

وختاماً، يبقى أمين الساطي من كتّاب القصص القصيرة المنوعة في إطار نزعته وأسلوبه وطريقته في الكتابة وبحق له بصمة خاصة ولمسة لا ينازعه عليها أحد ويتفرّد بها عن غيره، وأثبت أنه كاتب بارع رغم أنه بدأ الكتابة في وقت متأخر.