الكبار غنّوا لفلسطين
خصص الباحث الموسيقي عثمان حناوي جلسته الفنية الأخيرة بإدارة الملحن إيهاب المرادني والتي اعتاد إقامتها في المنتدى الاجتماعي للحديث عن كبار الزمن الجميل الذين غنّوا لفلسطين، وبيّنت د.حنان العاصي المشرفة على هذه الجلسة في تصريحها لـ “البعث” أن دور الأغنية الوطنية الريادي عظيم في شحذ الروح المعنوية لأفراد الشعب عموماً، حيث يشكل الغناء أحد أبرز أدوات التعبير الفعلي التلقائي في حياة الإنسان عامةً، وحياة الإنسان العربي خاصةً بتقلبات حياته اليومية بحلوها ومرها، انتصاراتها وهزائمها، لذلك حظي التعبير الغنائي باهتمام كبير لتفرض الأغنية الوطنية ذات الشعر الوطني واللحن المدروس وجودها على الساحة الغنائية والتي أصبحت جزءاً من الرمز الوطني المسموع وهي تتلمس مكانها كخير وسيلة لمخاطبة العقول لتكوين فكر سليم لعقول الأجيال لتكون قادرة على أن تستوعب مبادئ الانتماء الصادق.. في حين رأى إيهاب المرادني أن الفنان شخص مرهف الإحساس، يشعر بالآخرين، فما بالنا أن يكون هذا الإحساس له علاقة بالهمّ الوطني، وقد لعب الفنان العربي دوراً مهماً في كل الظروف الصعبة التي عاشها الوطن من خلال الكلمة واللحن اللذين كانا لهما عظيم الأثر على الروح المعنوية للشعب عبر فنانين كباراً كانوا مدركين لدور الفن ورسالته في الأحداث الكبيرة التي عاشها الوطن العربي.
الأغنية مرافقة لبندقية الجندي
وأكد عثمان حناوي أنه وفي هذه الظروف الصعبة التي يعيشها أهلنا في غزة وهم يسطرون ملاحم النضال كان من الضروري أن تخصص هذه الجلسة للحديث عن الكبار من الفنانين الذين غنّوا لفلسطين لتذكير الأجيال الحالية كيف كانت الأغنية مرافقة لبندقية الجندي على الجبهات والتأكيد على أن الفن رسالة أحسنَ الكبارُ نشرها في ظروف مختلفة وما زالت حتى الآن تدغدغ مشاعرنا وعقولنا.
محمد عبد الوهاب أول من غنى لفلسطين
من الأغاني الكثيرة التي توقف عندها عثمان حناوي نذكر أغنية “فلسطين” كلمات علي محمود طه، ألحان وغناء الموسيقار محمد عبد الوهاب والتي أُنجزت عام النكبة بعد مذبحة دير ياسين التاريخية ليكون عبد الوهاب أول من قدم أغنية للدفاع عن القضية الفلسطينية: أخي، جاوز الظالمون المـدى/ فحقَّ الجهادُ، وحقَّ الفـِدا/ فلسطين تحميكِ منا الصـدورُ/ فإمًا الحياة وإمــا الرَّدى” وقد غنى هذه الأغنية فيما بعد العديد من المطربين وفي مقدمتهم المطرب صفوان بهلوان على مسرح دار الأوبرا المصرية.
عبد الحليم حافظ أكثر المطربين غناءً لفلسطين
كان العندليب عبد الحليم حافظ من أكثر المطربين غناءً لفلسطين، وكانت أولى أغنياته التي ذكر فيها اسم فلسطين عام 1955 تحت عنوان “ثورتنا المصرية” تأليف مأمون الشناوي وتلحين رؤوف ذهني، وفي هذه الأغنية غنى: “ضد الصهيونية بالمرصاد واقفين، وحاترجع عربية حبيبتنا فلسطين وحاتفضل للدنيا نور يفدي البشرية” وفي العام 1960 أثناء وحدة مصر وسورية وبمناسبة وضع حجر الأساس للسد العالي غنّى أيضاً مع صباح وهدى سلطان ونجاة وشادية نشيد “الوطن الأكبر” حيث يقول فيه عبد الحليم: “العهد بعمري “أنا اللي هارفع بإيدي رايتك على القدس كله وعلى جزايرك، في فلسطين وجنوبنا الثائر ح نكمل لك حرياتك”، ليعود في العام 1961 ويغنّي مع محمد عبد الوهاب ونجاة وفايزة أحمد وشادية وفايدة كامل نشيد “صوت الجماهير” كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب:”خط النار موصول .. والجماهير بتقول دقت ساعة العمل الثوري في فلسطين باسم الجماهير”وبمناسبة مرور 3 سنوات على وحدة مصر وسورية وفي حفل أقيم في دمشق غنى مع عبد الغني السيد ونجاة وصباح ومحمد قنديل وفايدة كامل وفايزة أحمد ورفيق شكري نشيد “الثأر” كلمات أحمد شفيق كامل وألحان علي إسماعيل، وفي هذا النشيد يعلو صوت العندليب: “يا أخي العربي ياللي أغتصبوا منك أرضك في فلسطين، يا أخي العربي ياللي الدم في تل أبيب بينادي عايز تارك” وعندما ألمّت بالعرب نكسة 1967 وفي قاعة ألبرت هول بمدينة لندن بحضور 8 آلاف شخص غنّى أغنية “المسيح” كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي: “يا قدس ابنك زي المسيح غريب تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب، ابنك يا قدس زي المسيح لازم يعود على أرضها”.
أم كلثوم.. أصبح عندي الآن بندقية
قبل النكسة بأيام معدودة وعلى مسرح قصر النيل قدمت أم كلثوم أغنية “راجعين بقوة السلاح” ألحان رياض السنباطي، شعر صلاح جاهين، والأغنية موجهة للجيش، حيث غنّت فيها: جيش العروبة ما أعظمك ما أروعك ما أشجعك، مأساة فلسطين تدفعك نحو الحدود، حول لها الآلام برود في مدفعك” وفي العام نفسه كتب الشاعر نزار قباني قصيدة “أصبح الآن عندي بندقية” وهي القصيدة التي لحنها محمد عبد الوهاب وغنّتها أم كلثوم: “أصبح عندي الآن بندقية، إلى فلسطين خذوني معكم يا أيها الرجال، أريد أن أعيش أو أموت كالرجال، قولوا لمن يسأل عن قضيتي، بارودتي صارت هي القضية، أنا مع الثوار،من يوم أن حملت بندقيتي، صارت فلسطين على أمتار، تقدموا ،إلى فلسطين طريق واحد، يمر من فوهة بندقية.
فريد الأطرش وردة من دمنا
ساهم فريد الأطرش أيضاً في إثراء المكتبة الغنائية لفلسطين من خلال تلحينه وغنائه لأغنية “وردة من دمنا” وهي قصيدة للأخطل الصغير وكان من المقرر أن تغنيها أم كلثوم، وروى فريد الأطرش في أحد لقاءاته أنه بعد العام 1967 عرض الأغنية على أم كلثوم التي أبدت إعجابها الشديد باللحن والكلمات، وقال إنها طلبت منه بعض التعديلات فاستجاب وأعاد إليها اللحن، فكانت شديدة السعادة به غير أنها امتنعت عن غنائها، ولحزنه الشديد مما حدث لم يقدم الأغنية لأحد ولم يغنها هو أيضاً في أي حفل، والتسجيل الموجود لهذه الأغنية كان عبارة عن بروفة أخيرة له:
يا جهاداً صفّق المجد له لبسَ الغارُ عليه الأرجوانا، شرفٌ باهتْ فلسطينُ به وبناءٌ للمعالي لا يُدانى،نحن يا أختُ على العهد الذي قد رضعناه من المهد كِلانا.
فيروز زهرة المدائن
كثيرة هي الأغاني التي غنتها فيروز لفلسطين ومن أبرزها: راجعون، القدس العتيقة، أجراس العودة، خذوني إلى بيسان، جسر العودة، يا ربوع بلادي، يافا، سنرجع يوماً إلى حيّنا، وحدن بيبقو متل زهر البيلسان، وبعد نكسة 1967 غنّت فيروز من كلمات وألحان الأخوين رحباني القصيدة الأشهر “زهرة المدائن”:لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي،لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن، يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي.
صباح فخري.. إلهي القدس بين يديك
كان صباح فخري من أوائل الفنانين السوريين الذين أفردوا مساحات للغناء من أجل القضية الفلسطينية خلال مسيرته وقال في إحدى المقابلات التلفزيونية: “أنا أحد المطربين الذين غنوا لفلسطين عام 1948 في الإذاعة السورية” وكان قد قدم في عام 1948 أغنية “مرحب مرحب بالعربان” وتلاها بغناء قصيدة “سأحمل روحي على راحتي” للشاعر عبد الرحيم محمود، كما كان قد شارك عام 2010 مع ميادة الحناوي وسعدون جابر ولطفي بشناق في “أوبريت القدس”كلمات رامي اليوسف، ألحان نصير شمهوغنى فيها المقطع الذي يقول: أنت الحلم يا قدسي ونبض العشق في صدري وخبز القمح والزيتون والأذان في الفجر، وأنت مدينة الميلاد والإسراء والطهر، إلهي القدس بين يديك.
أمينة عباس