حرب غزّة تتجاوز باب المندب إلى مضيق هرمز
د. معن منيف سليمان
تشير التطورات إلى أن نطاق الصراع في البحر الأحمر ومضيق باب المندب قابل للاتساع ليصل إلى مضيق هرمز والخليج العربي، وذلك على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وهو ما يثير المخاوف من اتساع الحرب إقليمياً.
الحرب الدامية التي يشنّها الكيان الصهيوني على الفلسطينيين ربما تتطور إذا حاولت واشنطن التضييق على إيران ما قد يضطرّ إيران إلى إغلاق مضيق هرمز. فبعد أن تصاعد التوتّر جنوبي البحر الأحمر، بعد إعلان صنعاء منع السفن المتجهة إلى “إسرائيل” من المرور في البحر الأحمر، في حال لم يدخل إلى قطاع غزّة حاجته من الغذاء والدواء، محذرةً السفن والشركات من التعامل مع الموانئ الإسرائيلية، عادّةً أن أية سفينة تتجه إلى “إسرائيل” هدفاً مشروعاً.
إزاء ذلك أعلنت واشنطن عن مبادرة “عملية الازدهار والحماية والعمل” الخاصّة بتشكيل قوّة دولية بحرية وذلك لردع هجمات الجيش اليمني ضدّ السفن الإسرائيلية وتأمين حركة الملاحة الإسرائيلية بالبحر الأحمر. وتزامن ذلك مع تزايد الاتهامات الأمريكية لطهران بأنّها تزوّد الجيش اليمني بمعلومات استخباراتية عن السفن الإسرائيلية بواسطة السفن الإيرانية التي تبحر في البحر الأحمر للرصد والمراقبة.
الشعور بالخطر من جانب إيران وأنّها هي وحلفاؤها مستهدفون من وراء التحالف الأمريكي بسبب دعم المقاومة الفلسطينية دفع طهران إلى إعداد قوّات تعبئة خاصة للعمل في مياه الخليج العربي ردّاً على تشكيل واشنطن قوة دولية في البحر الأحمر تستهدف تطويق إيران والإضرار بها بشكل مباشر، مع تصعيد إيراني في لهجة التهديد بلغت حدّ التصريح بإغلاق جميع الممرات المائية وفي مقدمتها مضيق هرمز فيما لو أصرّت أمريكا على قرارها في المضي قدماً في تشكيل قوّة دولية في البحر الأحمر.
جاء التلويح الإيراني باتساع نطاق عملياتها من الخليج العربي إلى ساحل تنزانيا، وهو ما يشمل بحر العرب ومضيق باب المندب. بهدف إرسال رسالة إلى واشنطن بأن تنفيذ عمليات عسكرية ضدّ حلفائها في محور المقاومة، أو استهداف السفن الإيرانية في البحر الأحمر سيكون له تبعات مكلفة بما تمتلكه طهران من خيارات متعدّدة للرد.
ومن جهة أخرى تحرص طهران على التأكيد بأنها قوّة فاعلة ومسيطرة في مياه الخليج العربي، وأنها طرف حاضر في البحر الأحمر وبحر العرب وربما البحر المتوسط، وأنها قادرة على تهديد مصالح خصومها في حال تعرّضت مصالحها للتهديد.
إن معادلة الحرب بالنسبة لطهران تتجه نحو إغلاق الممرات البحرية خاصة الخليج العربي، ومضيق هرمز، وباب المندب ذلك أن تلك الممرات البحرية يمرّ عبرها حجم كبير من مصادر الطاقة، التي تنعكس بشكل مباشر على اقتصاديات العالم، وليس دول المنطقة فحسب. وهو ما يمثّل سلاحاً بيد إيران التي تلوح دائماً بإمكانية إغلاق مضيق هرمز، وتعطيل الملاحة في مياه الخليج العربي.
ويفصل مضيق هرمز بين إيران وسلطنة عمان، ويربط بين الخليج العربي شمالاً وخليج عمان وبحر العرب جنوباً، ويبلغ عرضه 33 كيلومتراً عند أضيق جزء منه، لكن الممر الملاحي لا يتجاوز عرضه ثلاثة كيلومترات في كلا الاتجاهين.
يمرّ نحو خمس استهلاك العالم من النفط عبر المضيق يومياً. وأظهرت بيانات صادرة عن شركة “فورتكسا” للتحليلات أن 20.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات والمنتجات النفطية مرّت في المتوسط عبر مضيق هرمز خلال المدّة من كانون الثاني إلى أيلول 2023.
ويمرّ عبر المضيق معظم صادرات الخام من السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق، وجميعها دول أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ويمرّ عبره أيضاً كل إنتاج قطر تقريباً من الغاز الطبيعي المسال، وتعدّ الدوحة أكبر مصدر له في العالم. ولهذا فإن إغلاق المضيق سيؤدّي إلى نتائج كارثية على الدول المنتجة للنفط لأنه سيؤدّي إلى تصفير الصادرات عبر مضيق هرمز.
وفيما يتعلّق بالغاز فإن الحرب وإغلاق المضيق تهدد بصورة خطرة سوق الغاز الطبيعي الإقليمي ويمكن أن يكون لها تأثير في إمدادات الغاز الطبيعي المسال. خاصة بعد أن أوقفت شركة “شيفرون” الأمريكية العملاقة أنشطتها في منصة “تمار” قبالة الساحل الفلسطيني. ويمثل هذا الحقل “نحو 1.5 بالمئة من إمدادات الغاز الطبيعي المسال في العالم، ويمدّ السوق الداخلية بصورة أساسية، ثم مصر والأردن. وستكون العواقب أكثر إثارة للقلق في حال تم إغلاق حقل “ليفياثان” أكبر حقل للغاز في “إسرائيل”.
إن تزايد التهديد بالتعرّض لهجوم في الخليج العربي ومضيق هرمز وخليج عُمان والمناطق المطلّة على البحر الأحمر بالنسبة إلى السفن التي لها صلات بـ”إسرائيل” أو الولايات المتحدة، هو بسبب العدوان الصهيوني الدموي على قطاع غزّة والدعم الأمريكي اللامحدود لهذا العدوان، وهذا التهديد بمهاجمة السفن الإسرائيلية مرهون بوقف العدوان على قطاع غزّة والسماح بإدخال الغذاء والدواء والوقود، وهو مستمرّ ومتواصل ولن توقفه التهديدات الأمريكية والتلويح بتشكيل تحالفات دولية تظن واشنطن أنها قادرة من خلالها على إيقاف هذه الهجمات المشروعة.