ثقافةصحيفة البعث

قراءات في الشعر والعروبة من الجاهلية حتى القرن العشرين

نبوغ محمد أسعد

كتاب يجمع بين البحث والنقد والخوض في عوالم وأفكار شعراء العصور بمرورها بمختلف الثقافات والمتغيرات .. إلا أنه يؤكد على دور الشعر في حماية الثقافة العربية منذ بداية العصر القديم لأنه سيبقى ديوان العرب، ومازال يمتلك هذه السمة برغم ما تعرض إليه من تحديات الشعر حسب ما جاء في الكتاب بأسلوب موثق، يمتلك قدرة ظاهرة على التأثير والتوصيل والتلقي الواسع، ولاسيما الشعر القومي العربي ووسائل النهضة الرافضة للاستبداد وشعر المقاومة للعدوان الأجنبي على الأمة .

وكتاب الدكتور فاروق سليم يركز على وعي العروبة في التشكيل الحضاري للأمة العربية، ودور هذا الوعي في مقاومة العرب للعدوان الأجنبي منذ ما يسمى بالعصر الجاهلي حتى يومنا المنصرم .

وثمة ما يريد أن يقف عنده الكاتب خلال عبوره هذي العصور والتجوال بين ثقافاتها ومكتسباتها المتعددة فيقف عند مستوى الوعي ليرفع كل ما كان قارئاً للتراث والاصطفاء، وخوض المعركة التي تصل بالعرب إلى إنجاز مشروعهم القومي والتحرر الكامل وتحقيق الوحدة والعدالة، مما يدل على استمرارية الماضي الأصيل في الحاضر وتحقيق تطور منطقي يتلاءم مع الحركة الحياتية للمجتمعات دون حسابات تشكل أي عرقلة للتفكير بالتطور .

وجاء الدكتور فاروق في بحثه بما قدمه الشاعر الأعشى من التزام بالوعي وترتيب لحركة التاريخ لتكون العروبة هي النموذج الذي استشهد به ودلالاتها المعرفية خلال الشعر، وأهميته في البيئة الصحيحة والدقيقة في القراءة والرواية لتسجيل القيمة التاريخية وأنساق تنوع الحياة والدلالات المعرفية في ذلك الشعر، والأخبار الدقيقة والقوة الإعلامية له وغير ذلك من معطيات ثقافية، مستعرضاً عدداً من نصوصه وأشعاره التي وصلت عبر التاريخ ليؤكد ما جاء به وطرحه في بحثه .

ها هو شاعرنا يدين قيساً في قوله : لقد كان في شيبان لوكنت راضياً … قباب، وحي حلة وقنابل / و رجراجة، تعشي النوادر، فخمة … وجرد ، على أكنافهن الرواحل/ تركتهم جهلاً ، وكنت عميدهم … فلا يبلغني عنك ما أنت فاعل/ .

وفي شعر أبي فراس الحمداني يشير باحثنا الدكتور فاروق سليم إلى أن العروبة  في الكتاب تبدي للقارئ إشكالاً .. لكنه في الواقع، قدم وعياً معرفياً وجمالياً في انفتاح أكده المؤلف من خلال توصيفه والاستشهاد بأشعاره، وإظهار ما لديه من مكونات جمالية حسيّة إبان حركته وتحولاته الحياتية .. يقول في بنات عمومه: بنيات عمي هن، ليس يرينني … بعيد التصاقي أو قليل التفضل/ شفيع النزاريات غير مخيب  … وداعي النزاريات غير مخذل/.

كما أورد الباحث الدكتور وعي العروبة والإسلام في شعر أسامة بن منقذ وطلائع بن رذيك التي تعتبر في التراث الشعري، مؤسسة على أن العلاقة بين العروبة والإسلام إشكالية قديمة ومتجددة ، وهي اليوم من العناوين البارزة للتوجهات التي تقوي وحدة الأمة وتحافظ على هويتها وتعزز مقاومتها للعدوان الأجنبي عليها في عدد من الدول العربية مثل فلسطين ولبنان والعراق والسودان وسورية وليبيا والصومال، وهذا ما يؤكده الشعر المتحدي للعدوان الخارجي على الأمة العربية خلال التاريخ منذ بداية العصر القديم إلى يومنا هذا وحتى نهاية الحياة .

وأما عن وعي العروبة والثورة في شعر الشهيد عمر حمد الذي ولد في بيروت وتلقى علومه حتى أصبح ضابطاً خلال الحرب العالمية الأولى في الجيش العثماني .. فهرب حينها من دمشق برفقة عدد من الأبطال ومنهم عبد الغني العريسي وعارف الشهابي، ولمّا عجزوا من الوصول إلى هدفهم وقعوا في قبضة العدو ونقلوا إلى سجن عالية في لبنان، ومن ثم إلى بيروت وفي صبيحة السادس من أيار عام 1916نفذ فيهم حكم الإعدام شنقاً ..

ومما قاله في شعره الموجه للسلطان العثماني : إذا قيل من للعرش يحمي ذماره…من الضيم جئنا كالليوث الضراغم/ خلافاً ثقالاً كلهم يعشق الوغى …وشيباً وشباناً كبار العزائم /.

وأورد  الدكتور  فاروق في بحثه الصحراء والوعي العروبي في شعر بدوي الجبل، الذي اعتبرها الموئل الأول للثقافة العربية وعاملاً أساسياً في قيمتها الفنية والجمالية والموروثات الأخلاقية، فقد كان لها منذ الأمد البعيد حضوراً موضوعياً بصفتها نمطاً عاش فيه الشعراء حياتهم وتجاربهم التي أكسبتهم هذه القوة الشعرية والمعرفية وصولاً إلى العصر الإسلامي والأموي مما جعل شعر بدوي الجبل وغيره وسواه مميزاً بوجودها فيه كما ورد في قصيدته من وحي الهزيمة وغيرها من النصوص التي أغنت موروثه الشعري، إضافة إلى المطالع الطللية وذلك في عدد من قصائده.. كقوله : لا تسلها فلن تجيب الطلول…المغاوير مثخن أو قتيل/ غاب عند الثرى أحباء قلبي … فالثرى وحده الحبيب الخليل/.

يعتبر الكتاب الذي جئنا ببعض ما فيه من أفكار ورؤى أشار إليها المؤلف، من أكثر الكتب توثيقاً لأهمية العروبة في الشعر العربي والتأكيد على حمايتها من خلال ما أوردته وجاءت به من شعر وأدب