ثقافةصحيفة البعث

في الذكرى الثالثة لرحيله.. حاتم علي مخرج الروائع

أمينة عباس

لم تمرّ ذكرى وفاته الثالثة مرور الكرام على محبين ومشاهدين مايزالون يتابعون أعماله التي خاطبت عقولهم ووجدانهم، وهو وإن رحل جسداً فإن هذه الأعمال تذكّرنا دوماً بفداحة الخسارة التي تعرّضت لها الدراما العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص برحيله المبكر الذي كان صادماً وموجعاً للجميع.

التغريبة الفلسطينية

لا تخلو محطة من المحطات الفضائية، اليوم، من بثّ عمل من أعماله، وتأتي في مقدمتها رائعته “التغريبة الفلسطينية” تزامناً مع ما يحدث في غزة، وهو خير عمل لخَّص في 31 حلقة القضية الفلسطينية قبيل الاحتلال الإسرائيلي وخلاله، ونضال الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه وصموده في مواجهة الاحتلالين البريطاني والصهيوني، وهو العمل الذي أنجزه حاتم علي بروحه وقلبه، ولا غرابة في ذلك من مخرج عاش ما عاشه الفلسطيني حين نزح مع عائلته من الجولان وسكن أطراف مخيم اليرموك في دمشق، فكانت تغريبته من أكثر الأعمال التي حققت جماهيرية له، وقد أنجزه بالشراكة مع الكاتب وليد سيف في عام 2004، ووصِف بأنه أيقونة دراما القضية، حيث عدّه النقاد واحداً من أهم الأعمال الدرامية التي تناولت معاناة الفلسطينيين على مرّ الزمان، وحين تحدث عنه في إحدى مقابلاته قال حاتم علي: “أنا لست فقط أحد أبناء الجولان المحتل الذين عاشوا تجربة تتقاطع في كثير من تفاصيلها مع تجربة شخصيات “التغريبة الفلسطينية”، لكنني أيضاً عشتُ طفولتي وشبابي في مخيم اليرموك، وكنتُ في عام 1967 بعمر صالح الذي كان يحمله خاله مسعود، وكنتُ أيضاً محمولاً بالطريقة نفسها على ظهر أحد أخوالي.. بشكل أو بآخر استطعتُ أن أستحضر الكثير من هذه التفاصيل الواضحة أحياناً والمشوشة في أحيان كثيرة والملتبسة في بعض الأحيان وأوظّفها وأعيد تركيبها، مستكشفاً إياها من خلال العمل نفسه، وكثيراً ما سُئلتُ السؤال نفسه، وهو كيف يمكن لمخرج غير فلسطيني أن يقدم عملاً عن القضية؟ وأنا شخصياً كنت أقول إن القضية الفلسطينية هي قضيتنا جميعاً كعرب”.

روائع تاريخية

شكَّل حاتم علي مع الكاتب وليد سيف ثنائياً مبدعاً أثمر روائع تاريخية تناولا فيها مراحل مهمّة من التاريخ العربي كالأجزاء الثلاثة من رباعية الأندلس (2002–2005) التي وصفها النقاد بالتحفة البصرية، حيث تناولا في الجزء الأول “صقر قريش” سيرة عبد الرحمن الداخل وتأسيس دولة جديدة في الأندلس، وفي الجزء الثاني “ربيع قرطبة” سلَّطا الضوء على صعود مؤسّس الدولة العامرية في الأندلس محمد بن أبي عامر، أمّا في “ملوك الطوائف” فتناولا مرحلة ما بعد سقوط الدولة العامرية وبدء تقسيم ممالك الأندلس، وكان من المفترض أن تُختتم رباعية الأندلس بجزء أخير بعنوان “سقوط غرناطة” لكنه لم يرَ النور، وكان حاتم علي خلال هذه الأعمال قد أنجز مع سيف مسلسل “صلاح الدين” الذي تناول الأحداث التاريخية في القرن السادس الهجري في منطقة بلاد الشام ومصر من خلال سيرة صلاح الدين الأيوبي وكيف استطاع توحيد المسلمين والانتصار على الصليبيين في معركة حطين الشهيرة، وقد عُرض أول مرة في عام 2001 ودُبلج إلى عدد من اللغات وعُرض في عدد من الدول غير العربية، ليتناول في مسلسل “عمر” في عام 2012 سيرة الصحابي عمر بن الخطاب وهو المسلسل الذي عدّه حاتم علي “حسّاساً وفريداً من نوعه”، وقد شكّل بصمة مميزة في الأعمال التاريخية العربية، إذ ترجم ودبلج إلى لغات مختلفة على مستوى آسيا وإفريقيا.

ولا يمكن لنا، ونحن نتحدث عن روائع حاتم علي التاريخية، إلا أن نعود إلى مسلسله الشهير “الزير سالم” لمؤلفه ممدوح عدوان، والذي أُنتج وعُرض أول مرة في رمضان عام 2000 وتدور قصته حول الحرب الطويلة التي امتدت سنوات بين البسوس والبكريين، وكان العمل بمنزلة تحوّل في مسيرته، وكان المشاهدون قد استبشروا خيراً حين أعلن قبل وفاته بفترة قصيرة جداً استعداده لإخراج فيلم سينمائي تاريخي يتناول شخصية الزير سالم، وذلك بعد مرور 20 عاماً على إخراجه للمسلسل، في الوقت الذي كان يُجري فيه التحضيرات في مصر لإخراج مسلسل “السفر برلك” برفقة المخرج الليث حجو، لكنّ رحيله حال دون ذلك، فأكمل حجو إنجاز العمل منفرداً في عام 2023 وظهرت على تيتر بداية العمل عبارة “مهدى إلى روح المخرج الكبير حاتم علي”.

روائع اجتماعية

لا يمكن اختصار ما قدّمه حاتم علي من أعمال اجتماعية كثيرة، ولا يمكن لأي متتبع لسيرته الفنية إلا أن يتوقف عند مسلسل “الفصول الأربعة” كتابة ريم حنا إنتاج عام 1999، والذي يُعدّ من كلاسيكيات الدراما السورية، وهو مُسلسل عن العائلة الدمشقية، سلَّط الضوء فيه على العلاقات التي تربط أفرادها مع بعضهم ومع الآخرين ضمن إطار كوميدي، أما العمل الثاني فهو “أحلام كبيرة” الذي أنجزه في عام 2004، وهو عمل اجتماعي تناولت فيه الكاتبة أمل حنا شريحة من واقع عائلة سورية واحدة وتحديات الحياة التي تواجه أبناءها، والقائمة تطول في ذكر الأعمال الاجتماعية التي قدمها حاتم علي وكانت قريبة من الناس، تحكي عنهم وعن أوجاعهم وحياتهم، وقد مثَّل في بعضها مثل “عصيّ الدمع” و”على طول الأيام” و”ندى الأيام” و”الغفران” و”أهل الغرام” و”قلم حمرة”.

نجاح في مصر

حقق حاتم علي النجاح خارج الجغرافية السورية، وكان التحدي بالنسبة له كبيراً حين اتجه للعمل في مصر عام 2007 لإخراج مسلسل عن حياة الملك فاروق آخر ملوك مصر من سلالة محمد علي باشا، تأليف لميس جابر، وكان بشهادة الجميع من أنجح المسلسلات العربية، وقد نال عليه جائزة أفضل مخرج في مهرجان القاهرة للإعلام العربي، وكان هذا النجاح الخطوة الأولى له لتتبعها خطوات ناجحة أخرى في مصر: “تحت الأرض، حجر جهنم، كأنه مبارح، أهو ده اللي صار” وهو العمل الأخير الذي أنجزه في مصر قبل وفاته.

من التمثيل إلى الإخراج

تخرّج حاتم علي من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق- قسم التمثيل في عام 1986، وعمل مدرّساً فيه لسنوات عدة، وكممثل بدأ في عام 1988 من خلال مسلسل “دائرة النار” حيث لفت الانتباه على الرغم من صغر دوره، ثم توالت مشاركاته في الأعمال الدرامية التي جسَّد فيها شخصيات مختلفة، وكانت له مشاركات كوميدية في مسلسل “مرايا” مع الفنان ياسر العظمة، وفي منتصف التسعينيات توجّه إلى الإخراج التلفزيوني، حيث قدم عدداً كبيراً من الأفلام التلفزيونية الروائية الطويلة وعدداً من الثلاثيات والسباعيات، وفي مرحلة متقدمة برز اسمه ليصبح من أهم المخرجين العرب.

الفن السابع

أخرج علي للسينما الفيلم الروائي الطويل “العشاق” في عام 2005 المقتبس عن مسلسل “أحلام كبيرة” وفيلم “شغف” في العام نفسه، وهو فيلم قصير إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وفيلم “سيلينا” في عام 2008 وهو فيلم غنائي طويل كتبه الرحابنة وأنتجه نادر الأتاسي، والفيلم الرّوائي الطّويل “الليل الطويل”، وفي عام 2007 أعلن رسمياً عن افتتاح شركته “صورة للإنتاج الفني” التي بدأت أول إنتاجاتها مع مسلسل “صراع على الرمال”، كما أنتجت أفلاماً عدة منها “علاقات شائكة” و”8 ملم ديجيتال” و”ميكي ماوس” إخراج ابنه المخرج عمرو علي و”طوق الياسمين” إخراج علي محي الدين، كما أنتج حاتم علي فيلماً وثائقياً بعنوان “عراقيون في المنفى” وعُرض في عام 2008 .

قاصّ ومخرج وكاتب مسرحي

قبل أن يكون حاتم علي ممثلاً ومخرجاً، خاض تجربة الكتابة القصصية وله مجموعتان هما “ما حدث وما لم يحدث” و”موت مدرس التاريخ العجوز”، وفي المسرح كتب ثلاث مسرحيات بالتعاون مع المخرج المسرحي زيناتي قدسية بعنوان “الحصار”، كما كتب مسرحية “حكاية مسعود” وأخرج “مات 3 مرات” في عام 1996، و”البارحة.. اليوم.. وغداً” في عام 1998، و”أهل الهوى” في عام 1998.

جوائز

نال حاتم علي الكثير من الجوائز كمخرج عن معظم أعماله التاريخية والاجتماعية، ورحل عام 2020 في مصر أثناء التحضير لمسلسل “سفر برلك”.