من أمنيات الأدباء والفنّانين و”جردات” حساباتهم
نجوى صليبه
كما الغالبية، يعبّر المثقفون والفنانون السّوريون عن وداع عام واستقبال آخر، لكن يختلف بعضهم عن الغالبية بأسلوب التّعبير، فمنهم من يقول شعراً، ومنهم يقول نثراً أو خاطرةً، ومنهم من يتذكّر آلامه وأوجاعه وأحبّته الذين رحلوا خلال العام المنقضي، كالفنان أيمن زيدان الذي فجع برحيل شقيقة الفنّان شادي، يقول: “وداعاً لك أيها القاسي.. كنت عاماً موجعاً مارست خلاله كل أنواع العسف، وكان أقساها فقدان أحب الرجال إلى قلبي.. لست آسفاً على رحيلك.. أمنياتي لكل الأصدقاء بعامّ أقل حزناً”.
في حين يذهب بعض الأدباء إلى استرجاع ذكريات جميلة وأشياء مهمّة وسعيدة حصلت معه في العام السّابق، كالشّاعرة ليندا إبراهيم التي تقول: “في مصادفات سعيدة أهداني إيّاها العام الرّاحل الكريم 2023 ثلاث هدايا من ثلاث نجمات من فضاء البحوث والتعليم الأكاديمي العالي، حيث كان شعري جُلٌّهُ أو بعضُه مادةً بحثيةً لنيلهنّ درجة الدكتوراه في الأدب العربي وهي كما يلي: الباحثة السُّوريَّة الشّابة الدّكتورة رباب عبد القُدُّوس عبد القُدُّوس، حيث ناقشت رسالتها الموسومة بـ “التَّوليد الدَّلالي في الشّعر العربي السُّوري المعاصر2000-2010″، والباحثة السُّوريَّة الشّابة الدّكتورة غيداء حسن يونس ورسالتها بعنوان “الرّموز وتجلّياتها في الشّعر العربيّ المعاصر في سورية ـ الرّبع الأوّل من القرن الحادي والعشرين ـ دراسة أدبيّة نقديّة” بتقدير جيّد جدّاً، والباحثة الجزائريَّة الشّابة الدّكتورة عبير حديبي حيث ناقشت رسالتها الموسومة بـ “الأسطوري والديني في الشعر العربي المعاصرـ دراسة في نماذج مختارة”، بتقدير مشرف مع تهنئة اللجنة.
ويخصّ الشّاعر عزام سعيد عيسى المناسبة بقصيد حزين عن عام مضى وأتى، وكأنّه يقول كلّ الأعوام تشبه بعضها، حتّى العنوان “بين وهمين” يدلّ على ذلك، يقول:
ما بينَ عامين لا ماضٍ ولا آتي / ماضونَ ننزفُ أوجاع الحكاياتِ
ما بين جرحين فينا غائرين إلى / أعماقنا صرَخاتٌ دونَ أصواتِ
ما بينَ قهريهِما أسرابُ أسئلةٍ / هل نحنُ أصحابُها أم ظلُّ أمواتِ
ويتمنّى عيسى على العام الجديد أن يترفّق بنا ويقينا آلامه وأحزانه، نحن الخارجون من ليالي شديدة البرودة، يقول:
يا عامُ عِمتَ صباحاتٍ مساءاتِ / قِنا بربّكَ أنواعَ الإساءات
جئناكَ من بردِ عامٍ لا قرارَ لهُ / راجينَ دفئكَ في ليلِ الشجى الشاتي
إليكَ نفتحُ قلباً بالدّعاء / كما الأكفّ
أمّا الشّاعر أسامة الحمّود فيذهب إلى فلسفة المناسبة، ومخاطبة الذّات البشريّة وربّما تحليلها، وناصحاً بضرورة صنع منهج للتّفيكر والعمل لكي يعود عمله عليه بالخير، وداعياً إلى عدم إلقاء كلّ الذّنوب والمآسي على الدّهر، يقول:
أفسِـــــح لهذا العــــامِ كيـــما يعــبُرا / واقلُب صَحــــائِفَ وَقعِـــــهِ إن أدبَرا
وإذا أردتَ الخَيــــرَ فاصنَـــع مَنهَـجاً / وانشُــــد بِكُــلِّ العَـــــزمِ أن تتغَيَّـــرا
ما ذنبُهـــا الأيَّامُ إن ضـــاعَت سُدَىً؟/ أولى بهــــا الأعــــوامُ أن تُســــتَثمَرَا
لا تنسُـــــبُوا للدَّهـــــرِ كُلَّ مُصِيـــــبَةٍ /فالهَـــــمُّ من كُلِّ الجِهـــاتِ تَجَمـــهَرا
هذِي السُّـــــنُون مَنُـــــوطَةٌ بِتَــــواتُرٍ / للكَـــــونِ، يأذَنُ أن تَغِيبَ وتَحضُــــرا
لكِنَّــــــهُ حَــــــظٌّ مـــــنَ الدُّنيـــــا لنا / حِينًــــــا تَبَسَّــــــمَ، ثُمَّ عادَ فأقــــفَرا
إلى قوله:
فاستَبشِرُوا، وخُـــذُوا بأسـبابِ المُنى / يُؤتَى الحَصائِدَ من سَــعى واستَبشَرا
فالبِشــــرُ غُــــــــرَّةُ سَـــــعيِنا لِمَفـازَةٍ/ أرأيتَ غَيــــمًا دونَ بَــــرقٍ أمــــطَرا؟
وتوَكَّلُـــوا، بل فاعقِـــــلُوا وتَوَكَّلُــــوا / ثُمَّ ارقُبُــوا في الأُفقِ سَــهلًا أخضَـرا
مشكلات كثيرة يعانيها الوسط الثّقافي والإعلامي، ولا تنتهي بنهاية عام وقدوم آخر، إنّما تنتقل معنا من عام إلى آخر، نقول هذا لنصل إلى الفنّان التّشكيلي موفق مخّول الذي عبّر عنها بطريقته الخاصّة، وبسخريته التي عوّدنا عليها، رابطاً بين الهمّ الشّخصي والثّقافي والاجتماعي والإعلاميّ، ولن نشرح كثيراً، بل نلخّص ما كتبه: “قبل أسبوع، اتّصل أحد معدّي ومخرجي البرامج التّلفزيونية، وطلب مني أن أكون ضيفهم في سهرة رأس السنة.. فقلت له: أنا لست مطرباً، ولا راقصة، ولا خبير أبراج.. أنا فنّان درويش، تراني واقفاً أمام أيّ جدار في الشّارع أتأمله.. فقال لي: لذلك نحن نريد أن نستضيفك، من أجل أن نتكلّم عن هذا الفن”.
وافق مخّول على المشاركة في السّهرة الغرّاء، وتحضّر لها فأخذ حمّاماً ساخناً، وارتدى سترته المخططة، وحضّر عدداً من عبارات التّرحيب والشّكر، وتذكّر أن يحفظ بعض الأغنيات، تحسّباً من أن يحرجه مقدّم السّهرة ويطلب منه الغناء ـ كما جرت العادةـ، لكنّه وهو يودّع زوجته رنّ جوّاله وإذ به معدّ برنامج السّهرة يعتذر منه على إلغاء الحلقة لأنّ الاستديو محجوز لبرنامج آخر، فقال صديقنا لزوجته: “سأرفع دعوى قضائية ضدّ هذه القناة، عطل وضرر، لقد ذهب الحمّام “ببلاش”، لتردّ عليه بالقول: “إنّها الفائدة الوحيدة التي قدّمتها هذه القناة”.