دراساتصحيفة البعث

اليمن يصنع استراتيجيّة ردع جديدة

د.معن منيف سليمان

زعمت الولايات المتحدة، أنّ عدوانها الذي شنّته برفقة المملكة المتحدة على اليمن، سيردع القوّات المسلّحة اليمنيّة عن شنّ عملياتٍ في البحر الأحمر، ولكن بالنظر إلى أهميّة المواقع المستهدفة تبيّن أنها ليست ذات أهميّة عسكريّة استراتيجيّة، لأنها قديمة وليس فيها أيّ عتاد عسكريّ، ولهذا فإنّ الهجوم المعادي ليس له أيّ تأثير فعليّ، بل على العكس تماماً فقد أعطى القوّات المسلّحة اليمنيّة مسوّغاً قويّاً لبناء استراتيجيّة ردعٍ جديدة تتجاوز اعتراض السفن الإسرائيليّة أو المرتبطة بها إلى استهداف السفن الأمريكيّة والبريطانيّة، وتهديد مصالح البلدين في المنطقة لتصبح أهدافاً مشروعة، ومقابلة التصعيد بالتصعيد.

شنًت الولايات المتحدة وبريطانيا سلسلة غارات جديدة ضدّ أهداف للقوّات المسلّحة في اليمن، بعد يوم من ضربات أمريكيّة انتقاميّة في العراق وسورية، ردّاً على سقوط ثلاثة جنود أمريكيّين في هجوم على الحدود السوريّة الأردنيّة. ولا شكّ أن هذا العدوان، يأتي امتداداً للعدوان السالف على القوّات المسلّحة البحريّة اليمنيّة، وامتداداً للعدوان على سورية والعراق وقطاع غزّة.

وترى قيادة الجيش الأمريكي أنّ الضربات ضدّ القوّات المسلّحة اليمنيّة تهدف إلى تقويض قدرتها على مواصلة هجماتها بالبحر الأحمر، بعد أن استهدفت الغارات مراكز قيادة ومخازن ذخيرة وأنظمة إطلاق للصواريخ والطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع الجوي، والرادارات، حسب زعمها.

ولكن بالنظر إلى أهميّة المواقع التي استهدفها العدوان، فإنّ العدوان لم يحقّق إنجازاً، ذلك أنّ استهداف هذه المناطق “ليس له أيّ تأثير فعلي”، فهذه المواقع دُمّرت بالأصل خلال الحرب التي شنّها التحالف السعودي لقرابة تسع سنوات، وقد خرجت عن الجاهزيّة منذ عام 2015.

وهذه المواقع خالية إلا من عناصر الحراسة، وليس لها أهميّة عسكريّة استراتيجيّة، لأنها قديمة وليس فيها أيّ عتاد عسكريّ، ولهذا فإنّ هذه الضربات لن تؤثّر في القوّات المسلّحة اليمنيّة عسكريّاً ولا معنويّاً، وذلك لأن القوّات المسلّحة تمتلك مواقع عسكريّة محصّنة وسريّة لخوض عملياتها العسكريّة.

إن الولايات المتحدة تخطئ حين تظن أن العدوان على اليمن سوف يردع اليمنيّين عن مساندة فلسطين ودفع الظلم عن قطاع غزّة، وعلى العكس تماماً فإنّه سيزيد اليمنيّين صلابة وقوّة وإصراراً على مواصلة إغلاق باب المندب بوجه السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها. وقد أثبتت الاستراتيجيّة اليمنيّة فاعليتها وتأثيرها في الاقتصاد الصهيوني الذي مني بخسائر كبيرة يكاد يصل من شدّتها إلى حدّ الانهيار النهائي. وهذا ما يفسّر شراسة العدوان الأمريكي على اليمن، ويثبت أثر الهجمات اليمنيّة على العدو الصهيوني.

لقد جاء العدوان بمفعولٍ عكسيّ، حيث جعل الشعب اليمني يحتشد على أبواب المعسكرات، ويعلن التعبئة العامّة والتجنيد الطوعي لمواجهة هذا العدو الذي يحاول أن ينتهك سيادته، وبدأت القوّات المسلّحة باستهداف السفن الأمريكيّة والبريطانيّة في المنطقة على أساس أن مصالح البلدين أصبحت “أهدافاً مشروعة”.

وفي إطار هذه الاستراتيجية الجديدة غيّرت القوّات المسلّحة تكتيكاتها؛ ففي تشرين الثاني وكانون الأول، كانت هجماتها تتركّز على الطرف الجنوبي للبحر الأحمر القريب من مضيق باب المندب، حيث تضطرّ السفن إلى الإبحار قريباً من الساحل اليمني الواقع تحت سيطرة اليمنيّين. أمّا في الأسابيع الأخيرة، فقد توغّلت هجمات القوّات المسلّحة جنوباً في خليج عدن، وغيّرت القوّات المسلّحة أيضاً الطرق التي تتبعها في الهجوم؛ ففي البداية كانت تستخدم الصواريخ والمسيّرات التي تحمل المتفجرات، أما في هجماتها الأخيرة فقد أصبحت تعتمد بشكل أساس على إطلاق الصواريخ من اليمن.

ولقد عمّقت القوّات المسلّحة اليمنية المخاوف من أن تؤدّي تداعيات الحرب على قطاع غزّة إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط برمّته، بعد أن رسّخت معادلة إمّا سلام لليمن ولفلسطين وغزّة وإلا فلا سلام ولا أمن للأمريكيّين وحلفائهم في المنطقة، مع القدرة على مقابلة التصعيد بالتصعيد.