صحيفة البعثمحليات

الربح الوهمي!!

بشير فرزان 

لا يسعنا بحسب مقولة “الرمد ولا العمى” إلا التفاؤل بالمؤشرات الرقمية المقدّرة حتى نهاية العام الماضي لناحية “الإنتاج والمبيعات والمخزون والأرباح والخسائر” للمؤسسات والشركات التابعة لوزارة الصناعة، والتي حققت خلال العام 2023 أرباحاً صافية بنحو 250 مليار ليرة سورية، كما بيّنت تقارير الوزارة، والتي اعتبرتها مبشّرة وجيدة رغم ضآلة الرقم أمام حالة التضخم المالي التي منحت الفرصة للمديرين العامين بأن يجعلوا من “النملة فيلاً” كما يُقال!.

وطبعاً إخضاع أرقام الأرباح للمحاكمة العقلية سيولد نوعاً من المواجهة الخاسرة مع تلك التساؤلات النابشة في حقيقتها، ومدى تطابقها مع واقع المؤسّسات والشركات العامة التي تعيش منذ سنوات حالة من الوجود الوهمي على ساحة العمل والإنتاج، رغم كلّ المحاولات الساعية لإنعاشها ضمن ملحمة إصلاح القطاع العام التي باتت مع فشل اللجان المشكلة لهذه الغاية أشبه بالمحاولات الفاشلة لإعادة الحياة إلى جسم ميت، وهذا ما يشير إلى بقاء أولئك النافخين في أبواق السراب على حساب المصلحة العامة.

والسؤال الأهم: لمصلحة من هذه المكاسب الوهمية التي تقوم على وهم الأرباح الناشئة من التقلبات في القيم السوقية والإنتاجية لممتلكات الشركات والمؤسسات، ولكنها غير محققة أو ملموسة في الواقع؟! وهذا يعني بلغة اقتصادية مكاسب مضللة كونها تعطي انطباعاً بالنجاح المالي من وجهة نظر الإدارات التي تنجذب لمشاهدة قيمة إنجازاتها ترتفع بشكل كبير وبشكل لا يصدّق، وبما يجعلها تتفاخر باستراتيجياتها وقراراتها الناجعة، في حين أنها تضلّل الجميع بسبب مؤشرات السوق الخادعة والأرباح الزائفة التي تقتحم البيانات المالية والموازنات العامة للشركات بأرقام غير دقيقة ولا تمثل حقيقة الوضع المالي للشركات العامة، وهذا ما يتضح في التقارير السنوية للشركات التي خرجت في النهاية منتصرة على محنتها وخسائرها وعدم إنتاجيتها بجرة قلم وبحسابات ليس لها أساس!!

ولا شكّ أن استمراء الربح الوهمي يكشف سبب عدم خروج القطاع العام الصناعي من محنته لسنوات طويلة، ويثبت أن هناك من يعمل للإيقاع به وإخراجه من الخارطة الاقتصادية والصناعية، وهذا يشير بشكل قاطع إلى العبث الدائم بمخرجات لجان إصلاحه التي لم تتقدّم خطوة واحدة في مسار مهامها وبقيت دائماً عالقة في خط البداية.
بالمختصر.. إعادة النظر بأرباح الشركات والتدقيق في تفاصيلها سيكشف العديد من الحقائق، ويسقط ورقة التوت عن مخطط غير بريء لإبقاء القطاع العام في مستنقع الخسائر والفشل، رغم امتلاكه العديد من المقومات لانطلاقة انتاجية جديدة تقوم في فكرتها الأساسية على دعم الشركات التي يمكن تحديث منتجاتها، والتأسيس لشركات قوية وتنافسية عبر صندوق يموّل من ممتلكات القطاع العام، بما فيها من عقارات وأراضٍ بقيم مالية عالية جداً، بحيث يمكن استثمارها وليس بيعها لتكون قاعدة للنهوض من جديد بالصناعة الوطنية، بدلاً من محاولات زائفة لتطويره في الوقت الذي تتلاشى من هذا القطاع المهمّ والمحوري كل مقومات بقائه وخاصة العمالة الوطنية والخبيرة.