تسييس البحث الأكاديمي للحفاظ على الهيمنة الأمريكية على التكنولوجيا
عائدة أسعد
أصبحت أخبار الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة الذين تم استجوابهم في مطار واشنطن دالاس الدولي وإعادتهم إلى بلدهم شائعة على منصات التواصل الاجتماعي وانتشر مزيج من العواطف والذعر والخوف والقلق في جميع أنحاء المجتمع.
وتفيد التقارير بأنه منذ أواخر تشرين الثاني، قام ضباط إنفاذ القانون على الحدود في المطار باستجواب خمسة طلاب صينيين وإعادتهم إلى وطنهم دون أي أساس وفي غضون شهر واحد، وهو رقم قياسي في أقصر فترة، وكان أربعة من الطلاب يتخصّصون في العلاقات الدولية والطب ويحملون تأشيرات دخول صالحة للولايات المتحدة وليس لديهم سجل جنائي، وتم احتجازهم واستجوابهم عندما حاولوا العودة إلى البلاد، وأما الطالب الخامس الذي ذهب إلى الولايات المتحدة لدراسة ما بعد الدكتوراه، فكان يدخل البلاد لأول مرة.
ووفقاً لروايات الطلاب، أُجبروا على الكشف عن كلمات مرور هواتفهم، وتم تفتيش أجهزتهم الإلكترونية، وتعرّضوا لوابل من الأسئلة المتعلقة بخلفيتهم الأكاديمية، وما إذا كانوا قد تلقوا دعماً مالياً من الحكومة الصينية، وما إذا كانت أبحاث مشاريعهم لها علاقة بالحكومة أو الجيش، كما تم إحضار أحد الطلاب إلى كشك صغير مظلم لإجراء ثلاث جولات من الاستجواب استمرّت 10 ساعات، وبعد الاستجواب تمت إعادتهم جميعاً إلى وطنهم وشهد ثلاثة منهم إلغاء تأشيراتهم، في حين تم إخبار الاثنين الآخرين أن تأشيراتهم غير صالحة ولكن دون أي سبب.
إن الإجراءات غير المعقولة التي يتخذها الجانب الأمريكي والتي يقودها تحيّز أيديولوجي قوي وتتجاوز نطاق تطبيق القانون العادي، هي بطبيعتها ممارسات تمييزية تحت ستار تطبيق القانون، وقد استهدفت الحوادث السابقة الطلاب الصينيين الذين ذهبوا إلى الولايات المتحدة لأول مرة، ولكن الآن، يتم حتى استهداف المواطنين الصينيين العائدين، فمنذ حزيران 2023 قامت السلطات الأمريكية باستجواب ما يقرب من 80 طالباً وباحثاً صينياً وإعادتهم إلى وطنهم، والعدد في ارتفاع.
وقد أوضحت الحكومة الصينية موقفها وقالت إنها ستحمي حقوقهم ومصالحهم المشروعة بحزم وزوّدت الولايات المتحدة بقائمة أسماء العائدين وحثتها على إجراء تحقيق شامل وإبداء الرأي في الوقت المناسب، كما أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بشدة تصرّفات الولايات المتحدة، وحثّها على تصحيح ممارساتها الخاطئة ووقف القيود والقمع غير المبرر المفروض على الطلاب الصينيين.
لقد وقّعت إدارة ترامب على ما يسمّى الإعلان رقم 10043 في حزيران 2020، الذي يستهدف الطلاب والباحثين الصينيين في مهن محدّدة، ويعلّق أو يقيّد دخولهم إلى الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين، وتحت ذريعة حماية الأمن القومي، استخدمت سلطات إنفاذ القانون الأمريكية هذا الإعلان لتجاوز مفهوم الأمن القومي واستجوبت الطلاب الصينيين بشكل تعسّفي وأعادتهم إلى وطنهم، الأمر الذي يتسبّب في تسميم أجواء الشعب الصيني والتبادلات الشعبية بين البلدين.
ووفقاً لمعهد التعليم الدولي، انخفض عدد الطلاب الصينيين في الجامعات الأمريكية إلى 289 ألفاً، مقارنة بـ370 ألفاً قبل أربع سنوات، ومن المرجح أن ينخفض العدد أكثر إذا استمرت الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات إنفاذ القانون التمييزية والانتقائية وذات الدوافع السياسية ضد الطلاب الصينيين.
وأما الولايات المتحدة التي وصفت نفسها بأنها بطلة الانفتاح والشمول فهي من ناحية، تتباهى بما يسمى الحرية الأكاديمية وبدعمها للتبادلات بين الناس، وترحب بالطلاب الصينيين للدراسة في الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى تقوم بتسييس البحث الأكاديمي واستخدامه كأداة لقمع الطلاب والعلماء الصينيين.
إن مثل هذه الأخطاء المتناقضة، التي تحرّكها عقلية الحرب الباردة والمكارثية بطبيعتها، لا تؤدّي إلى توسيع التبادلات الثنائية بل هي تهدف تحت ذريعة حماية ما يسمّى الأمن القومي إلى الحدّ من تدريب المواهب والتنمية الصناعية وقطاع التكنولوجيا الفائقة في الصين والحفاظ على الهيمنة الأمريكية على التكنولوجيا.
لقد كانت تصريحات بايدن في اجتماع القمة الصينية الأمريكية في سان فرانسيسكو إيجابية، وقال إنه سعيد برؤية البلدين يوسعان التعليم والعلوم والتكنولوجيا والتبادلات الشعبية، ولكن إصرار سلطات إنفاذ القانون الأمريكية على استجواب الطلاب الصينيين وإعادتهم إلى وطنهم يتعارض مع التفاهم المشترك الذي تم التوصل إليه، ومع تلك التصريحات، ويعيق التبادلات الثقافية والشعبية بين البلدين ويكشف عن الطبيعة الأنانية والكارهة للأجانب والمهيمنة للولايات المتحدة، التي ستأتي في نهاية المطاف بنتائج عكسية وتلحق الضرر بمصالحها وصورتها.