دراساتصحيفة البعث

إثيوبيا تشعل التوتّر في القرن الإفريقي

د. معن منيف سليمان 

أشعل مشروع اتفاق يسمح لإثيوبيا باستغلال منفذ بحري رئيس في إقليم “أرض الصومال” غير المعترَف بها دولياً، فتيل توتر بالقرن الإفريقي لتفجّر خلافاً قديماً متجدّداً، مع جارتها الشرقية الصومال، وتواجه العديد من الانتقادات السياسية والقانونية، إقليمياً ودولياً، كما زادت الخطوة الإثيوبية من وتيرة المخاوف من عسكرة البحر الأحمر؛ إذ تسعى أديس أبابا، بموجب الاتفاق، إلى إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة تشهد احتشاداً للعديد من القواعد العسكرية الدولية، ما يزيد من حدّة التنافس الإقليمي والدولي، ويهدّد بمواجهات مسلّحة في منطقة تعاني بعض دولها من هشاشة أمنية واقتصادية.

وفي ظلّ أجواء سياسية مكفهرّة جرى توقيع الاتفاق بين رئيس وزراء إثيوبيا، وزعيم إقليم “أرض الصومال” الانفصالي موسى “بيهي عبدي”، وينصّ على منح أديس أبابا، منفذاً على البحر الأحمر بطول 20 كيلومتراً يضم ميناء “بربرة” وقاعدة عسكرية لمدّة 50 عاماً، مقابل اعتراف أديس أبابا رسمياً بإقليم “أرض الصومال” كجمهورية مستقلّة، وأن تحصل “أرض الصومال” أيضاً على حصّة في الخطوط الجوية الإثيوبية.

شكّل هذا الاتفاق منعطفاً جديداً في مسار الأزمة الحالية، وأثار القلق من تفاقم التوتّرات في منطقة مضّطربة أساساً، إذ تنظر إثيوبيا إلى منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل والبحيرات العظمى بوصفها منطقة نفوذ إقليمي تسعى فيها إلى إبراز سيطرتها وتوسيع نفوذها لكي تصبح أحد أقطاب القارة الإفريقية، وترى أن الحصول على منفذ بحري سيادي لها على البحر الأحمر إحدى أهم أدوات تحقيق هذا الهدف. ويرى المحلّلون أن موقفها هذا لا يختلف عن قرارها بالمضيّ قدماً في بناء سدّ النهضة الأثيوبي العظيم. وتمنح اتفاقية 1922 مصر والسودان الحق في أغلبية مياه النيل، ولكن لا يزال الاختلاف قائماً بين مصر وإثيوبيا بشأن كيفية تشغيل هذا السدّ.

وبين أثيوبيا والصومال تاريخ من العلاقات المضّطربة والخلافات الإقليمية، فقد خاضتا حربين في أواخر القرن العشرين. وجاءت هذه الخطوة بعد أيام من توصّل الصومال وإقليم أرض الصومال إلى اتفاق لاستئناف المفاوضات من أجل إزالة أسباب التوتر السياسي بينهما. ولهذا تبيّن هذه الصفقة المقترحة في رأي محلّلين “عدم اكتراث إثيوبيا بالأعراف الدولية”، وتهدم ما تحقق من تقدّم بين “مقديشو” وعاصمة أرض الصومال “هارغيسا”.

وكانت “أرض الصومال” قد انفصلت عن الصومال، عام 1991، ولكن المجموعة الدولية لم تعترف بها كدولة مستقلّة، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. وعليه فإن أيّ اعتراف من دولة بوزن إثيوبيا، سيكون حاسماً بالنسبة لها مستقبلاً.

ويخشى خبراء من أن تقود التحركات الإثيوبية للوصول إلى البحر الأحمر لحرب في منطقة القرن الإفريقي، وخصوصاً في ظلّ انتقادات إريتريا والصومال وجيبوتي تصريحات آبي أحمد بأن إخفاق بلاده في تأمين الوصول إلى المياه الزرقاء يمكن أن يؤدّي إلى صراع.

وعلى إثر إطلاق هذه التصريحات تتابعت الردود من جيران إثيوبيا الساحليين جيبوتي والصومال وإريتريا المتضرّرين من الاتفاق، وتحدثت تقارير عن حشود عسكرية على الحدود الإريترية الإثيوبية، ما أدّى إلى تصاعد المخاوف من اندلاع نزاع مسلّح بين الطرفين يكون البحر الأحمر فتيل تفجيره.

إن عسكرة البحر الأحمر الآن وبهذه الكثافة والسرعة، ومحاولة تغيير الجغرافيا الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، تعني مقدّمات استباقية لفكرة الاستحواذ الاستراتيجي على المنطقة، ما يعزّز الاحتمالات لنشوب حروب إقليمية برافعة دولية من الأقطاب في منطقة بوابة خليج عدن، ولا سيما أن منطقة “أرض الصومال” التي تُمثل هدفاً استراتيجياً للملاحة الدولية التجارية تم اختبار أهميتها إبان تفكّك الدولة الصومالية في مرحلة سابقة.