خُروق
عبد الكريم النّاعم
قُرع الباب، فتحه، فوجئ به، إنّه واحد من الذين جمعتْهم مبادئ واحدة، وأحلام وآمال، وهو لم يره منذ أكثر من ربع قرن، احتضنَه بودّ، وأدْخله بترحاب، لاحظ كم تغيّر شكله، ولم ينسَ أنّه هو قد تغيّر، استقرّ بهما المجلس، بادره الضيف بكلمة: “كيف أحوالك”؟ فأجابه: “كأحوال مَن حولي”.
قال الضيف: “أَما زلتَ مشغولاً بالهمّ العام”؟ أجابه: “هل مِن عاقل لا يشغله ما نحن فيه”؟. قال الضيف: “هل تفصّل قليلاً”؟ أجابه: “لا أريد أنْ أعكّر مِزاجك”، قال الضيف: “بل أصرّ على أنْ أسمع منك، فنحن لم نلتق منذ أكثر من ربع قرن، وتعلم ما بيننا”.
تنهّد بعمق، وقال: “اسمع، سأحاول الاختصار، وسأسعى لتقديم لوحة معبّرة، أُنْظرْ إلى التعليم الأساسي، والذي يشكّل قاعدة لِما بعده، فتلامذتنا، ونحن أبناء مهنة، يُنهون المرحلة الأساسيّة، وفي الغالب لا تستطيع قراءة ما يكتبون لرداءة الخطّ، ولكثرة الأخطاء الإملائيّة والنّحويّة، ولا هُمْ، وعلى مستوى (النّحو).. فذلك يشمل دكاترة في الجامعة، ممّن ليس اختصاصهم اللغة العربيّة، وأنت تعلم أنّ الوطن لا يُبنى إلاّ بأبنائه المؤهَّلين تأهيلاً لائقاً، وتأهيلنا، ممّا يُبكى عليه في أدنى مستوياته، فالخراب كما تعلم يجرّ الخراب، طلاّبنا في الجامعات يتخرّجون، وفي الغالب، ليس بمؤهّلات موجودة فيهم، كالجدّ والمُثابرة، فأنت تعلم أنّ الفساد رتع حتى في الأوساط الجامعيّة، فكلّ مادّة لدى دكتورها تسعيرة، ذكر لي أحد المحامين المتمرّسين أنّ بعض الطلبة الذين نجحوا في شهادة الحقوق، بمعدّل ثمانين في المائة، رسب معظمهم في اختبار نقابة المحامين، ومثل هذا ينطبق على المهندسين، والأطبّاء، وهذا يعني أنّ الأبنية التي سيشرفون على بنائها لن تكون آمنة، كما أنّ الأطبّاء، الذين لم ينجحوا بكفاءة سيُخطئون في التعامل مع صحّة الذين يُراجعون عياداتهم، وهذه كارثة حقيقيّة، وحتّى الذين اقتحموا مهنة الكتابة صارت لهم صفحاتهم، ومُعجبوهم، رغم أنّ ما يُكتب مليء بالأخطاء الإملائيّة والنحويّة، صديقنا الكاتب المشهور حسن م يوسف، ذكر أنّه قرأ شيئاً لكاتبة يستحقّ التّنبيه لفداحة ما فيه نصّيّاً، وأراد أن يُنبّهها إلى ذلك برسالة خاصّة، وحين نظر إلى عدد المُعجبين وجده قد تجاوز الثمانمئة مُعجَب، فأحجم، أُنظرْ إلى حصر الاستيراد بعدد محدود من التّجّار، وهذا ما يجعلهم يتحكّمون بالسعر، ويزيد الطين بلّة أنّ لهؤلاء المستوردين مَن يدعمهم ممَن هم في موقع القرار، فتجد الأسواق ممتلئة بما لا يستطيع شراءه إلاّ الزّمرة التي تغوّلت بكثرة ما جمعتْه من أموال بطرق غير مشروعة، بينما الغالبيّة تحتار كيف تستطيع تأمين اللقمة اليوميّة المُغَمَّسة بالقهر، ورغم ارتفاع الأصوات على صفحات التواصل الاجتماعي، وعبر زوايا بعض الكتّاب، فالناّفذون من أصحاب المال والجاه، يساندهم، ويحميهم بعض مَن بيده القرار، فلا يجدون مَن يردعهم، وقديماً قالوا “قيل لفرعون: مَن فَرْعَنَك؟”، فأجاب “أنا فرعنتُ نفسي”، ونحن أصبحنا بين آلاف الفراعنة، أنا أعرف كغيري أنّ أمريكا بمَن معها، هي المسؤولة، ولكنّ ما يزيد الأمر سوءاً أنّ الفاسدين في الدّاخل يشكّلون طابوراً خامساً لا يقلّ ضرره عن ضرر الحصار الأمريكي، وها نحن في حالة من الضيق المادي والمعنوي، والذي جرّ معه انحدارات أخلاقيّة ما كانت بهذا الحجم الفاحش، والبقيّة يرتعون وكأنّ الوطن مزرعة لهم، والخشية أن يتّسع الخرْق على الراّتق”.
قال: “هل أنت يائس”؟.
أجابه: “جاء في القرآن الكريم: لا ييْأسُ “من روْح اللّه إلاّ القومُ الكافرون..”.
aaalnaem@gmail.com