دراساتصحيفة البعث

“طوفان الأقصى” أسقطت البروباغندا الصهيونية.. وأظهرت الطبيعة الوحشية لـ”إسرائيل”

هيفاء علي

بعد مضي ثلاثة أشهر من الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني على يد جيش الاحتلال الصهيوني، برزت حقائق لا يمكن تجاهلها فهي تشير إلى هزائم الصهاينة والآمال في فلسطين حرة.

فقد تفاخر جيش الاحتلال الصهيوني وأجهزة المخابرات بكونهما الأفضل في العالم في مجال الاستخبارات والموارد المادية، مثل الجيوش وأجهزة المخابرات التابعة للدول الإمبريالية والدول الاستعمارية السابقة. ولكن كشف هذا الجيش وأجهزة المخابرات عن عدم فعاليتهما في مواجهة المقاومة الفلسطينية ذات الموارد المادية البسيطة، ولكن باستخبارات متفوّقة بشكل كبير، مستوحاة من استراتيجيات المقاومة الشعبية الفيتنامية والجزائرية المنتصرة.

لقد أثبت جيش الاحتلال الإسرائيلي عدم قدرته على مواجهة منظمة من المقاومة الفلسطينية دون الدعم المادي والمشورة من الأوليغارشية الأمريكية أولاً، والدعم المادي من الدول المستعمرة السابقة الأخرى، ولا سيما بريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى مساعدة المرتزقة من دول أخرى.

لقد كشف جيش الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني عن طبيعته الإجرامية من خلال إرهاب الدولة المعلن: المذبحة المنهجية لشعب بأكمله في غزة، ما يثبت عدم احترامه التام لمبادئ الحرب وعجزه عن مواجهة مقاتلي المقاومة الفلسطينية بشكل مباشر.

وشهد العالم بأسره استراتيجية الإبادة الصهيونية التي هدفت إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه، وبالتالي تجديد نكبة عام 1948. لكن أهل غزة ومعهم كل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، يقاومون بشجاعة رغم الثمن الباهظ في الأرواح البشرية. بالإضافة إلى ذلك، الرأي العالمي الحساس للظلم آخذ في النمو ويحتج أكثر فأكثر، وخاصة في الدولة الإمبريالية الولايات المتحدة والدول التابعة المستعمرة السابقة.

 سقوط البروباغندا

قدّمت البروباغندا الكيان الإسرائيلي على أنه “الدولة الصغيرة الشجاعة المحاطة بدول عربية قوية وشريرة”. واليوم يرى العالم أن “الدولة الصغيرة الشجاعة” تسمّى غزة، محاطة بقوة شريرة تسمح لجيشها الاستعماري الصهيوني بارتكاب إبادة جماعية بالمعنى القانوني للكلمة، إبادة جماعية تغذّيها الأوليغارشية الإمبريالية الأمريكية بالسلاح، وتدعمها الأوليغارشية الاستعمارية السابقة.

وأغلبية وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية تتلاعب بالمشاهدين من خلال الادّعاء أن الجيش الصهيوني يستخدم فقط “الحق في الدفاع عن النفس”. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يفضّلون مصادر المعلومات البديلة قد فهموا أن الكيان الإسرائيلي لا يستطيع قانونياً الاحتجاج بهذا “الحق في الدفاع عن النفس”، لأنه دولة تحتل أرضاً ليست تابعة له.

لقد اعتقدت سلطات الكيان الإسرائيلي أنها ستهزم المقاومة الفلسطينية من خلال ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة، لكن الحقيقة الراسخة هي أن جرائم الحرب هذه عملت على تعزيز عزيمة الشعب الفلسطيني على محاربة الاستعمار الصهيوني.

من جهة أخرى، يزعم الكيان الإسرائيلي احترامه لحرية التعبير، وخاصة المعلوماتية، فلماذا إذن يقوم بمنع الصحفيين والمراسلين المستقلين من الوجود في قطاع غزة؟ ولماذا قتل عمداً، وما زال، نحو مائة صحفي ومراسل كانوا يقومون بعملهم الإعلامي بشكل صحيح بشأن هذا العدوان الوحشي ضد الشعب الفلسطيني؟  ومن ثم ينشر النظام “المعلوماتي” الصهيوني ومؤيّدوه في الدول الإمبريالية والمستعمرة السابقة كل وسائلهم لجعل الناس يؤمنون “بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس” ضد ما سمّوه “العدوان الإرهابي الفلسطيني”، لكن صدقية هذا النظام “المعلوماتي” انكشفت في النهاية على أنها كذبة كبيرة.

ومن هنا خرجت مظاهرات المواطنين في المدن الرئيسية في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، للتنديد بالإبادة الجماعية الصهيونية في فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية من أجل فلسطين خالية من كل استعمار.

تاريخ

فيما يتعلق بغزو “أرض الموعد” جاء في وثيقة تأسيس هذا الكيان الإرهابي: “ثم استولينا على جميع مدنها وأبدنا سكانها لنكرّسهم للرب، رجالاً ونساءً وأطفالاً، ولم نترك ناجين”. ألا تعكس هذه الاستراتيجية كل العمل الصهيوني في فلسطين، منذ ما قبل وجود الكيان الإسرائيلي، حتى الإبادة الجماعية الحالية في قطاع غزة؟.

حقيقة، تقدّم الدعاية الصهيونية محرقة الشعب اليهودي في أوروبا على أنها السبب وراء إنشاء هذا الكيان، وعلاوة على ذلك، الحقيقة التاريخية تظهر أن مشروع “الكيان الاسرائيلي” هو نتاج خطة استعمارية يعود تاريخها إلى عام 1907، وضعتها الأوليغارشية الاستعمارية الإنجليزية.

سياسة

حاول القادة الصهاينة بقيادة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو تقسيم وحدة المقاومة الفلسطينية لكنهم أخفقوا، وكانت النتائج تبيّن أن استراتيجية المقاومة “غير العنفية” التي تتبعها السلطة الفلسطينية، خاطئة تماماً لمصلحة الكفاح المسلح، وخلقت فروع هذا الكفاح المسلح المختلفة شكلاً من أشكال التحالف فيما بينها، يتجاوز معتقداتها الأيديولوجية. لقد عارض القادة الصهاينة الاستعماريون دائماً، سراً أو علناً، إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية، على أساس قرارات الأمم المتحدة. والنتيجة أنه أصبح من الواضح أن هذا الكيان الإرهابي غير قابل للإصلاح، وبالتالي فإن الحل الوحيد هو إنشاء دولة فلسطينية ديمقراطية، يعيش فيها الفلسطينيون واليهود في حرية ومساواة وتضامن.

الدبلوماسية

لا يتوقّف هذا الكيان عن شنّ العدوان على أربع دول: لبنان وسورية والعراق وفلسطين، وفي الوقت نفسه يقدّم نفسه على أنه “ضحية” ويتجاهل جميع قرارات الأمم المتحدة. وهذا الجهل يضمنه حق النقض الذي تمارسه الأوليغارشية الأمريكية داخل مجلس الأمن، فمنذ عام 1970، استخدم ممثلوها حق النقض في مجلس الأمن 39 مرة للدفاع عن جرائم الكيان الإسرائيلي. وعلى الرغم من هذا النقض، فإن أغلبية الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

من جهة أخرى، تقدّم الصهيونية الاستعمارية نفسها على أنها المدافع عن اليهود في جميع أنحاء العالم، إلا أن قسماً من اليهود في فلسطين وفي أنحاء العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، يعلن أن عقيدته اليهودية تتعارض مع الأيديولوجية السياسية الصهيونية، ويعارض وجود الدولة الاستعمارية الصهيونية في فلسطين، وهم يدافعون عن وجود أمة فلسطينية واحدة يستطيع اليهود الذين يرغبون في ذلك أن يعيشوا فيها مع احترام حقوق الشعب الفلسطيني.

واتهام أحد معارضي الاستعمار الصهيوني بمعاداة السامية ليس سوى حجّة دعائية كاذبة، إذ يمكن للمرء أن يكون معادياً للسامية ويدعم السياسة الاستعمارية الصهيونية، والدليل إنشاء “الوطن اليهودي” في فلسطين، فما الذي كان يتألف منه فعلياً بالنسبة للأوليغارشيين الأوروبيين؟ تخليص أوروبا من مواطنيها اليهود، وإقامتها في فلسطين لخدمة مصالح الدول الإمبريالية والمستعمرة، أولاً الولايات المتحدة ثم أتباعها. لم يكن هتلر يعاني من هذه العبقرية المكيافيلية، فقد لجأ إلى “الحل النهائي” الإجرامي، في حين نفّذت الأوليغارشيات الأوروبية حلها المتمثل في تهجير السكان من خلال إثارة “اهتمامها الإنساني” بالشعب اليهودي و”دفاعهم” الحالي عن الشعب اليهودي.

 الخلاصة

لقد أوضحت حركة المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول 2023 بشكل قاطع حقائق المشكلة الفلسطينية، وهي أنها قادرة على هزيمة جيش الاستعمار وأجهزته الاستخباراتية، دون الحاجة إلى دعم الجيوش العربية أو المسلمين، بينما أثبتت استراتيجية المقاومة “السلمية” التي تنتهجها “السلطة الفلسطينية” عدم فعاليتها على الإطلاق، حيث واصلت المستوطنات الاستعمارية الصهيونية التعدّي على الأراضي الفلسطينية.

وأثبتت المقاومة الفلسطينية أن سلطات الكيان الإسرائيلي لا تفهم سوى لغة واحدة هي المقاومة المسلحة للمستعمَر، وأن حصر المقاومة الفلسطينية بحركة حماس وحدها يتجاهل أو يحجب حقيقة أنها تمثل مختلف مكوّنات الشعب الفلسطيني التي تعلمت الدرس، وهو أن يتحدوا في احترام ديمقراطي لميولهم المختلفة لبناء فلسطين حرة وديمقراطية.

فالمشكلة في فلسطين واضحة، وهي أنه يجب القضاء على الاستعمار من خلال المقاومة المسلحة من أجل التحرّر الوطني، كما حدث بشكل خاص في فيتنام والجزائر وجنوب إفريقيا. وعندها فقط يصبح اختفاء الدولة الاستعمارية في فلسطين فرضية محتملة، لمصلحة الدولة الفلسطينية المستقلة.